مع انتقال ملف ترميم القصبة إلى مصالح ولاية الجزائر، برز الحديث عن الدور الذي ستعلبه الوكالة الوطنية للقطاعات المحفوظة كمرافق تقني للعملية. ولرصد ما ينتظر الوكالة من مهام، التقت "المساء" السيدة كريمة صادقي مديرة الوكالة، التي أكدت أن ترميم القصبة دخل عهدا جديدا، تتوفر فيه الإرادة السياسية والاستعداد المالي والمرافقة التقنية، فضلا عن وجود وعي أكبر بضرورة إنقاذ ما تبقى من الحي العتيق. في هذا الشأن، أوضحت السيدة صادقي أن الوكالة تعمل بشكل متكامل مع مديرية التجهيزات العمومية، مشيرة إلى أنه عند وضع أي دفتر شروط يتعلق بأشغال ترميم، يتم استشارة الوكالة التي تعطي رأيها في مدى مطابقته المخطط الدائم لحفظ القصبة، وأضافت أنه عند تعيين مكاتب الدراسات، يتم كذلك إشعار الوكالة التي تبدي موقفها قبل الشروع في العمل. وفي حال عدم المطابقة التقنية، أوضحت المديرة أن صاحب الملف يتم توجيهه أو نصحه بما يجب القيام به ليتماشى مع المخطط الدائم، كاستبدال مواد بناء أخرى تتماشى مع طبيعة وبنية القطاع المحفوظ، أو تجنّب أشغال معينة تزيد في تدهور البنايات، وغيرها من أشكال المرافقة. بالتالي، أشارت إلى أنه لا تزال وزارة الثقافة متابعة لملف ترميم القصبة. السيدة صادقي أكدت في سياق حديثها، أن الوكالة تتوفر على فريق من المهندسين والخبراء الأثريين والمرممين الأكفاء، لهم من المؤهلات ما يجعلهم قادرين على القيام بمهامهم بشكل جيد، وقالت "صحيح أنهم شباب، لكنهم واعون بما هو مرمي على عاتقهم، ومصرون على إتمامه بكل حيوية وثقة بالنفس". في جانب متصل، قالت السيدة صادقي بأن الوكالة تعمل بالتنسيق مع مديرية التجهيزات العمومية، مشيرة إلى أن المديرية أخذت من المخطّط الدائم البنايات الأكثر تضررا، وجعلتها من الأولويات للوصول إلى مئات البنايات التي تستوجب التدخل الاستعجالي. وأضافت أن العمل الذي أنجز بالقصبة خلال الفترات السابقة لا يمكن إنكاره، وما يتم حاليا هو تتمة لما أنجز ضمن استمرارية متناسقة. وشددت على ضرورة أخذ عدد من العوامل بعين الاعتبار، قائلة بأن القصبة صنّفت علم 1992 تراثا إنسانيا، لكن لابد أن لا ننسى ما عانته المدينة خلال العشرية السوداء، حيث اعتبرت منطقة محرمة على الكثيرين، وهناك من استغل الفرصة ليلحق الضرر بعمران القصبة. ومع عام 2000، بدأت الأمور تتغير، وفي سنة 2003 صدرت النصوص التطبيقية لقانون 98-04 الخاص بحماية التراث، لتعتبر في عام 2005 قطاعا محفوظا، وانطلقت الدراسات سنة 2006، لكن انتظرنا 2012 للمصادقة على المخطّط الدائم لحفظ القطاع المحفوظ القصبة. هذا التأخير- حسب السيدة صادقي- كان عائقا للتدخل في سبيل وقف النزيف، فباستثناء إمكانية تدخل رئيس البلدية مرفوقا بمدير الثقافة، عند الضرورة القصوى، لم يكن بالإمكان وقف التدهور الذي عانته القصبة، مضيفة أن كل هذه المراحل جعلت المتابعين لملف القصبة وحتى عامة الناس، يعتقدون أن لا شيء أنجز بالحي العتيق، مؤكدة على أنّ التأخير لم يكن إراديا، لكن خارجا عن النطاق لظروف عديدة وعوامل متراكمة، وقالت "وما تأسيس الوكالة الوطنية للقطاعات المحفوظة إلا لإبداء حسن نية، فضلا عن إفراد غلاف ب24 مليار دج". وواصلت السيدة صادقي بالإشارة إلى أنّ الترميم بدأته وزارة الثقافة، وستواصل الوكالة العمل مع مديرية التجهيزات العمومية، وقالت "في اعتقادي هذا أمر إيجابي، لأن القصبة نسيج حي، تتدخّل فيه عدة قطاعات، بالتالي فالسيد والي العاصمة بيده جميع الحلول بخصوص تسيير الملفات المطروحة فيما يتعلق بترميم القصبة". وعن علاقة الوكالة بسكان القصبة، أوضحت السيدة صادقي أنّ الهيئة التي تدير لها دور هام في توعية وتحسيس السكان بضرورة الحفاظ على مدينتهم، وهو جانب مهم للغاية. وقالت بأن التحسيس يأتي من خلال طريقة التعامل مع العمران، مستدلة بحالات من الواقع لمالكي بنايات يرغبون في التنازل عن منازلهم للدولة، طالبين التعويض بسكن أو مبلغ مالي، أو راغبين في إضفاء تعديلات عليها. وفي هذا السياق، تقوم الوكالة قدر الإمكان بتحسيس أصحاب الملفات وتوعيتهم بالميزة الأثرية للقصبة، والحظ الذي لديهم بالانتماء إليها، وقالت "إنه نسيج غني بالمشاعر والأحاسيس". وتوقّفت السيدة صادقي عند طبيعة الوكالة الوطنية للقطاعات المحفوظة، حيث أوضحت بأنّها مؤسسة عمومية ذات طابع إداري، بدأت العمل منذ سنة 2013، وتشرف على 21 قطاعا محفوظا عبر الوطن، من بينها القصبة. وأكدت أن الوكالة لا يمكنها التدخل إلا في حالة المصادقة على المخطط الدائم للحفظ، وصدوره في الجريدة الرسمية، حيث تشرع الوكالة في العمل تطبيقا لمهمتها الأولى المتمثلة في السهر على حفظ الميزة التراثية للقطاع المحفوظ، والحرص على التطبيق الميداني للمخطط الدائم، وهذا يعني حسب المتحدثة - أن جميع العملاء (مهما كانت صفتهم عموميين كانوا أم خواص)، المتدخلين في القطاع المحفوظ عليهم الحصول على ترخيص من الوكالة على ضوء ملف مقدم يستوفي عددا من الشروط، يتم إخضاعه للدراسة على مستوى الوكالة إن كان مطابقا للمخطط الدائم. عادت السيدة صادقي إلى الوراء، وتحدثت عن كرونولوجيا ترميم القصبة، حيث أشارت إلى أن المخطط الدائم للحفظ وضع نهاية عام 2006، وصودق عليه في 2012، ثم أنجز تشخيص لوضعية القصبة، وتبعا له خصصت وزارة الثقافة غلافا ماليا للتكفل بالمرحلة الأولى من الأشغال الاستعجالية قدر ب 900 مليون دينار، وجهت لمرحلتين، الأولى عام 2008 أشرفت عليها مديرية الثقافة التي أخضعت أكثر من 300 بناية للأشغال الاستعجالية لوقف النزيف، والثانية من عامي 2010 إلى 2014، أشرف عليها الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية، وشملت أكثر من 300 بناية، وفي المجموع مسّت الأشغال الاستعجالية ما يقارب 700 بناية، لا تزال أغلبيتها متماسكة. لكن بالموازاة، حدثت منذ عام 2014 انهيارات لأسباب عديدة، منها العامل البشري بهدف الترحيل، وقالت السيدة صادقي في هذا الإطار "عشرات البنايات انهارت دون تسجيل خسائر بشرية، لكن هذا لم يمنع انهيار جزء من ذاكرتنا، حتى وإن رمّمنا ما يمكن ترميمه، إلا أننا فقدنا الأصل"، مضيفة أن "القصبة تبقى في حالة صعبة، ولحسن الحظ، تدخلت الدولة مخصصة 24 مليار دينار، وهو دليل على إرادة سياسية لوضح حد لما يعانيه الحي العتيق، وإنقاذ تراث متفرّد غني تاريخيا وأثريا ومعماريا". وختمت السيدة صادقي حديثها بتوقع أن تستغرق عملية إعادة تأهيل القصبة ككل عشر سنوات، ومن 2 إلى 3 سنوات في المرحلة الأولى التي تمس 212 بناية، وقالت "لا يوجد أي سبب كي لا نعيد للقصبة بريقها". عمادة المهندسين المعماريين: التحويل تصرّف حكيم اعتبر مجلس عمادة المهندسين المعماريين لولاية الجزائر، قرار تحويل ملف ترميم القصبة من وزارة الثقافة إلى ولاية الجزائر، تصرّفا لائقا و«عملية حكيمة"، كون مصالح الولاية تملك كل الإمكانيات اللازمة والميكانيزمات التي تمكّن من تسريع وتيرة العمل، ومنها المديريات التقنية التي تقع تحت تصرفها، خاصة ما تعلق بمعالجة مشكل الشاغلين للبنايات القديمة، إذ بإمكان الولاية - حسب تصريح الخبير المعماري محمد تواريقت نائب رئيس العمادة بالعاصمة ل«المساء"- بفضل ما تملكه من حظيرة سكنية كبيرة، ضمان إجلاء الشاغلين بصفة مؤقتة أو دائمة، وترك المقاولات المختصة في الترميم تقوم بعملها على أحسن ما يرام، وهو ما لا تستطيع فعله وزارة الثقافة. أما فيما يخص تأكيدات مصالح ولاية الجزائر بوجود 50 مكتب دراسات، مكلفة بهذه العملية، فذكر المتحدث أن مشكل الكفاءات غير مطروح، وأن مجلس عمادة ولاية الجزائر يضم أزيد من 1000 مهندس، منهم أكثر من 300 خبير ميداني، بالتالي فإنه يكفي أن تستغل الولاية هذه الكفاءات، وإعادة الاعتبار لها بإشراكها واستشارتها في مختلف الأمور التقنية، وعدم التفكير في "الحلول المستوردة"، لأنها أثبتت فشلها في الميدان. ❊رشيد.ك