بلعيز يستعرض الاستقرار الداخلي وتعزيز ضمانات الحقوق والحريات قصد الوقوف على مدى انعكاس ما تمّ تحقيقه في إطار إصلاح المنظومة القضائية خصوصا وقطاع العدالة عموما على المواطن، وما جناه من نتائج ملموسة لا سيما فيما يتعلّق بإرساء الاستقرار الداخلي وتعزيز ضمانات الحقوق والحريات، صدر للأستاذ الطيّب بلعيز وزير العدل، حافظ الأختام مصنّف جديد عن دار "القصبة" للنشر يحمل عنوان "إصلاح العدالة في الجزائر، الإنجاز التحدي" . كتاب الأستاذ بلعيز يأتي في الوقت الذي باتت فيه حقوق الإنسان أداة لقياس مدى تطبيق أسس دولة القانون في كلّ بلد وبالتالي تعزيز مكانة الجزائر على المستوى الدولي، وانطلق صاحب المؤلّف من باب أنّ إصلاح قطاع العدالة أولوية وطنية لأنّه القطاع الذي تستوقفه مجمل الإصلاحات الجارية وبذلك فإنّ الرسالة التي يجسّدها بمفهومها المندرج ضمن مساعي الإصلاح الشامل والمتكامل انتقلت من إطارها التقليدي لتتعداه إلى ذلك الدور المحوري الذي تضطلع به في مواجهة التحديات التي تفرضها التحوّلات الوطنية الكبرى التي تعرفها الجزائر في جميع المجالات، وتلك الرهانات التي تفرزها تداعيات واقع المجتمع الدولي المعاصر. الأستاذ بلعيز ذكّر في ديباجة كتابه الذي جاء في ثلاثين صفحة بعد المائة بداية إصلاح قطاع العدالة منذ تنصيب "اللجنة الوطنية لإصلاح العدالة من قبل رئيس الجمهورية في 20 أكتوبر1999 والتي تكفّلت بمعاينة، تشريح ودراسة وضعية قطاع العدالة بنظرة شمولية واستشرافية لمعرفة القصور والمسبّبات واقتراح الحلول والتوصيات الملائمة لإصلاحه، وهو العمل الذي دام سبعة أشهر من البحث والمناقشة والإثراء واستنادا له تمّ تسطير جملة من الخطوات التي شرع في تجسيدها منذ عام 2000 مع اتّخاذ سلسلة من التدابير الاستعجالية في مجال دعم حقوق الإنسان، تسهيل حقّ اللجوء إلى مرفق القضاء، إعادة الاعتبار لنظام التكوين والتأهيل. وذلك إلى جانب تسجيل عدد من المشاريع الهامة التي يرتكز عليها إصلاح العدالة أهمّها إعداد تشريع وطني منسجم مع المعايير والالتزامات الدولية للجزائر، تنمية الموارد البشرية لقطاع العدالة من القضاة والموظّفين ومساعدي العدالة، عصرنة قطاع العدالة بإدخال واستعمال التكنولوجيات الحديثة إضافة إلى إصلاح نظام السجون وفق المعايير التي تسمح بإعادة تأهيل المساجين وإدماجهم في المجتمع، وهي المحاور التي استلزمت بالنسبة للأستاذ بلعيز إيجاد تصوّر وتخطيط وأهداف كبرى من شأنها إحداث نقلة كمية ونوعية غير مسبوقة في تاريخ العدالة الجزائرية. وفي هذا الصدد عدّد المؤلّف الخطوات الإصلاحية التي تمّ تسطيرها والتي تتبنى في آفاقها ضمان استقلالية القضاء، تسهيل اللجوء إلى القضاء بجعل الإجراءات القضائية أكثر بساطة ومرونة، تفعيل دور القضاء وضمان مصداقيته في الفصل في النزاعات في آجال معقولة وتحسين نوعية الأحكام القضائية وفعالية تنفيذها، علاوة على توثيق الصلة بين فعالية العدالة واحترام حقوق الإنسان بتوجيه العمل القضائي لما يحقّق التوازن بين مصالح المجتمع وحقوق الأفراد وكذا تكريس الجانب الإنساني لظروف الاحتباس وتجسيد المبادئ الفضلى لسياسة إعادة التربية وإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين. وتوقّف المؤلّف أيضا عند "الندوة الوطنية حول إصلاح العدالة" التي عقدت في مارس 2005 التي اعتبرت محطّة هامة في مسار الإصلاح، وشكّلت توصياتها وعاء لبرنامج عمل شرعت وزارة العدل في تجسيده، كما أكّدت على إيجابية الأشواط التي قطعت في مسار الإصلاح الذي لم يمكّن فقط من تحسين آليات أداء الخدمة القضائية وتيسير سبل الحصول عليها بل تعداه إلى السرعة والشفافية في تقديم الخدمة القضائية وكذا الاتّسام بالجودة والنوعية، مثمّنة إرساء دعائم استقلالية القضاء، تطوير المنظومة التشريعية، ترقية الموارد البشرية وتثمينها، عصرنة قطاع العدالة، تدعيم هياكل ووسائل قطاع العدالة إضافة إلى ترقية نشاطات مرفق العدالة، إصلاح المنظومة العقابية وتدعيم التعاون الدولي. "إصلاح العدالة في الجزائر، الإنجاز التحدي" بني على ستة محاور رئيسة، خصّص المحور الأوّل لموضوع "إرساء دعائم استقلالية القضاء، سيادة دولة الحق والقانون" وتضمّن أربعة مباحث، أوّلها "الموازنة بين حقوق القاضي وواجباته حماية للممارسة القضائية المستقلة" وفيها تناول الأستاذ بلعيز تكريس حقّ القاضي في الممارسة المستقلة عبر ضمان الموضوعية والشفافية في متابعة المسار المهني للقاضي، ضمان الوضعية الاجتماعية الملائمة للقاضي، ضمان حق الاستقرار لقضاة الحكم، حماية القاضي من الاعتداءات والمتابعات التأديبية أو الجزائية، كما تطرّق إلى الالتزامات المدعّمة لاستقلالية القضاء. أمّا ثاني مبحث فتحدّث فيه الأستاذ بلعيز عن تدعيم صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء كتكريس فعلي لمبدأ الفصل بين السلطات من خلال صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء وتشكيلته، تدعيم استقلالية إدارة وتسيير المجلس وكذا تحقيق استقلاليته المالية، ليتوقّف في المبحثين الثالث والرابع عند مدوّنة أخلاقيات مهنة القضاة والاهتمام بالوضعية الاجتماعية والمهنية للقضاة. المحور الثاني أفرده المؤلّف ل"تطوير المنظومة التشريعية وتدعيم التعاون القضائي الدولي استجابة للمتطلّبات الداخلية وتجسيدا للالتزامات الدولية"، من خلال عشرة مباحث هي "إعادة النظر في تسيير وتنظيم قطاع العدالة" عبر تنظيم الإدارة المركزية وتكييفها مع المتطلّبات وتحديد صلاحيات وزير العدل حافظ الأختام، "تجسيد المبادئ الدستورية" من خلال إعادة تنظيم مرفق القضاء وتدعيم حق اللجوء إلى العدالة بموجب القانون الجديد للإجراءات المدنية والإدارية، "تدعيم حماية القيم الاجتماعية وتكريس مبدأ المساواة"، "تدعيم حماية الحريات الفردية وحقوق الإنسان"، "تعزيز مبدأ حرية المعاملات" إلى جانب "تدعيم حماية المجتمع من ظواهر الإجرام"، "المساهمة في استتباب الأمن وتعزيز المصالحة الوطنية"، وكذا "تطوير البحث في المجالين القانوني والقضائي وتأطيره"، "تدعيم مجالات التعاون القضائي الدولي" و"تدعيم حماية حقوق الإنسان" . "ترقية الموارد البشرية وتثمينها، تأصيل منطق الفعالية والنوعية في الأداء" هو عنوان المحور الثالث الذي قسّمه المؤلّف على ثلاثة مباحث "تنمية وتطوير قدرات القضاة علميا واحترافيا" من خلال ترقية قدرات القضاة التأهيلية وتدعيم القطاع بالعدد اللازم من القضاة، "تحسين مستوى أداء موظّفي قطاع العدالة" عبر إرساء قواعد التكوين القاعدي لموظفي أمانة الضبط ومراجعة قانونهم الأساسي وتدعيم قطاع العدالة بالعدد اللازم من الموظّفين، إلى جانب "ترقية مهن أعوان العدالة" . واستعرض الأستاذ بلعيز في المحور الرابع سبل "عصرنة قطاع العدالة وتطوير هياكله ووسائله، احترافية وفعالية في توظيف المعرفة باستخدام التكنولوجيات الحديثة" وعدّدها في توفير محيط مهني مناسب لأداء معصرن، تحقيق خدمة نوعية محاطة بضمانات الأداء الآمن، تطوير آليات التسيير، وأيضا تطوير الآليات المساعدة على اتّخاذ القرار ورسم السياسات المستقبلية، تسهيل استفادة ذوي الاحتياجات الخاصة من خدمات مرفق العدالة وتدعيم هياكل ووسائل قطاع العدالة. وتطرّق المؤلّف في المحور الخامس الذي حمل عنوان "إصلاح المنظومة العقابية لأن تكون المؤسّسات العقابية فرصة للبداية الصالحة" إلى مراجعة الإطار التشريعي لتطبيق السياسة العقابية، تدعيم حقوق المحبوسين وأنسنة ظروف الحبس، "معالجة ظاهرة اكتظاظ السجون وتحسين ظروف الإيواء فيها، علاوة على تجسيد المبادئ الفضلى لسياسة إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين، تحسين سير المؤسّسات العقابية وتدعيم أمنها وكذا ترقية الموارد البشرية لإدارة السجون. المحور السادس والأخير خصّصه المؤلّف للحديث عن "ترقية وتثمين منجزات إصلاح العدالة، شفافية في الأداء وفعالية في التطبيق" عبر تفعيل دور الإعلام والاتصال في قطاع العدالة، التحفيز على الأداء النوعي والفعّال لمرفق العدالة، التأكيد على حماية المصالح العليا للوطن وأيضا الاهتمام بتقوية الروابط الإنسانية في قطاع العدالة وتثمين منجزات الإصلاح في ظلّ التنمية الشاملة. الأستاذ الطيّب بلعيز ختم مؤلّفه الذي جاء أخضرا في الحجم العادي بمجموعة من الملاحق من بينها كلمة رئيس الجمهورية بمناسبة افتتاح الندوة الوطنية حول إصلاح العدالة، مقتطفات من كلمة فخامة رئيس الجمهورية بمناسبة افتتاح السنة القضائية 2007 - 2008، إضافة إلى ملاحق خاصة بإنجازات إصلاح العدالة.