تحوّلت مكتبة معهد "سرفنتس" إلى عالم سحري يصب شاعرية ورقة، وتقطنه مخلوقات غير مألوفة اختارت أن تعيش تفاصيل حياتها بين النبات والحيوان وفي محيط غارق في الألوان، كما تحمل شظايا من حياة الفنانة جهيدة هوادف التي عادت إلى جمهورها بلوحات جديدة تبرز بصمتها الفنية، إلى غاية 22 ماي الجاري. تجولت "المساء" رفقة الفنانة التشكيلية جهيدة هوادف بمكتبة المعهد الثقافي الإسباني، للتزود بمعلومات حول معرضها الجديد "أوجه كثيرة" الذي تقدّم فيه لوحات جديدة رسمتها في أواخر سنة 2016 وبداية سنة 2017، بالإضافة إلى لوحات أخرى "قديمة" سبق أن عرضت بعضها، في حين لم يحظ بعضها بهذا "الشرف". في هذا السياق، قال جهيدة ل«المساء"، بأنها تعرض في هذه الفعاليات لوحات رسمتها منذ سنوات ولم يسبق لها أن عرضتها، لأنها لم تجد لها مكانا في المجموعات التي قدمتها في معارض سابقة، مضيفة أن هذا لا يضر باللوحات، لأنه كلما مر عليها الزمن كلّما زادت قيمتها، كما يعود عرضها للوحات سبق لها أن عرفت نفس المصير في معارض سابقة، إلى خلق رابط بين ما هو قديم وما هو جديد، وكذا تذكير الجمهور بها، علاوة على اكتشافه للتطورات الحاصلة في أعمال الفنانة. جديد هذا المعرض أيضا، لوحات رسمتها الفنانة بتقنية الأركيليك الخاصة عوض التقنية المختلطة، كما رسمت أكثر من عمل على اللوحة مباشرة عوض الورق، والنتيجة لوحات لا تتحمل فراغا ولو صغيرا، بل هي ممتلئة عن آخرها وتسبح في ألوان فارضة لنفسها، كما اختارت أن تبرز سحرها وقوة شخصيتها في فضاءات جديدة فرضتها تفاصيل منبثقة من ذاكرة الفنانة، مثل اللوحة التي تستلقي فيها شخصية على "سرير القبة"، والتي تعود إلى ذكرى اكتشاف جهيدة لجمال هذا السرير في متحف المدية. لوحة أخرى تصب في نفس السياق، وهي لشخصية أخرى جالسة على الرمال نظير تجربة جهيدة في تنشيط ورشات الرسم، إثر مشاركتها في مهرجان فنون الأهقار بتمنراست. كما قامت الفنانة بوضع بصمتها في هذه اللوحة من خلال زهور نبتت في الرمال، أو حتى مخلوقات بتسريحات شعر إفريقية، تضع أقراطا من نوع "الخامسة"، دليل آخر عن تأثر جهيدة بقارة إفريقيا وكذا بمنظر فتيات وضعن أقراطا من هذا الشكل. كما اعتمدت الفنانة وعلى غير عادتها، على الخط، ففي لوحة رسمت بنديرا مكتوبا عليه "فرقة نقاوس"، يعود إلى طفولتها، حينما شاهدت فرقة غنائية في المدينة التي تنحدر منها عائلتها، تستعمل بنديرا كتب عليه ذلك، أيضا لوحة كتبت فيها "جاتني برية"، تعني بها حالة الإنسان وهو ينتظر الجديد ويترقب الفرح. كما قدمت جهيدة أعمالا رسمتها على الورق، فكانت مختلفة عن تلك التي رسمتها مباشرة على اللوحة، وهنا قالت الفنانة بأنها تترك مساحة لعملها على الورق من خلال اعتمادها على إطار كبير لرسمة صغيرة، كما أنها تجد راحتها في هذا الأسلوب، حيث يمكن لها أن تعبر بكل أريحية وحرية. تُعرف جهيدة بعالمها السحري الذي تعيش فيه مخلوقات برقاب طويلة وقامات نحيفة وعينين لامعتين، ترتدي أثوابا مزهرة ولا ترضى بغير الطبيعة بديلا، حيث أنها تحتك بالأزهار والأشجار والحيوانات، وقد وجدت هذه المخلوقات النسوية نفسها في هذا المعرض في فضاءات جديدة، يؤكد التطور المصاحب بالتغير الحاصل في أعمال جهيدة، وهو ما اعتبرته هذه بالأمر الطبيعي، فلا شيء يظل على حاله والفنان مصيره التطور، خاصة إذا جد واجتهد. كما كشفت جهيدة ل«المساء"، عن فحوى عنوان معرضها "أوجه كثيرة"، والذي قصدت به كل ما يقدمه الفن للإنسان، فهو يمكنه من إخراج مكنوناته وإثراء روحه، مضيفة أنها ترسم بدون تخطيط مسبق، وقد تتعجب من نتيجة عملها، حتى أنها تتحول أحيانا إلى زائرة لمعرضها وتكتشف لوحاتها بنظرة أخرى. في المقابل، تحسرت جهيدة على وضعية الفنان التشكيلي في الجزائري، قائلة أنّه لا جديد حول مشروع سوق الفن التشكيلي الذي أعلن عنه وزير الثقافة عز الدين ميهوبي، رغم تحسّن الوضع مع بزوغ فئة من الشباب الذي يشتري أعمال الفنانين، لكن هذا لا يكفي - تقول الفنانة-، فالفنان التشكيلي لا يمكنه العيش من فنه، لتطالب الدولة الجزائرية بالاهتمام بالفنانين التشكيليين، حتى يواصلوا مسيرتهم الفنية من أجل الحفاظ على التراث، إضافة إلى مساعدة الفنان في الدعاية لأعماله، لأنه لا أضرّ بالفنان من معرض لا يزوره إلا القلة القليلة من الجمهور، المدعو لمشاهدة اللوحات بأمّ عينيه والاحتكاك بشاعريتها وهو إحساس مختلف تماما عن مشاهدة العمل على مواقع التواصل الاجتماعي. كما دعت جهيدة إلى إنشاء أروقة للمحترفين، حيث أنّ الفنان التشكيلي في أغلب الأحيان يعرض في فضاءات غير مهيأة لاحتضان مثل هذه الفعاليات ولا تتوفر على ضوابط العرض.