قال الرئيس الامريكي دونالد ترامب إن مستقبل العلاقة مع ألمانيا سيعرف تغييرات جذرية، وأن كل شيء يجب أن يتغير وفق أنماط ومنطلقات جديدة. لم ينتظر الرئيس الامريكي دونالد ترامب طويلا للرد على تصريحات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، واصفا ألمانيا بأسوأ شريك بالنسبة لبلاده على مستوى العلاقات التجارية والعسكرية. وقال ترامب في تغريدة على موقع «تويتر» إن اختلال الميزان التجاري بين بلاده وألمانيا كبير جدا، متهما إياها بعدم تسديد اشتراكاتها في عضوية الحلف الأطلسي وعدم تسديد ديونها المستحقة لبلاده. وجاء رد الرئيس الأمريكي سريعا على تصريحات أدلت بها المستشارة الألمانية، أبانت من خلالها عن نية معلنة لفك الارتباط الاستراتيجي الذي طبع العلاقات التاريخية بين حلفاء ضفتي الأطلسي، ضمن مواقف تؤشر على تحولات عميقة في إعادة رسم خارطة التحالفات التي حكمت النسق الدولي منذ الحرب العالمية الثانية. وقالت ميركل إن أوروبا مطالبة بأن تصبح رقما دوليا فاعلا يؤدي دورا في الساحة الدولية، خاصة بعد تصريحات الرئيس الأمريكي الأخيرة. وقالت خلال ندوة صحفية أمس، إن «العلاقات بين ضفتي الأطلسي تبقى ذات أهمية بالغة، ولكن الوضعية الحالية في العالم تحتّم على الأوروبيين تحديد مستقبلهم بأيديهم». وأضافت ضمن هذه المقاربة أن الأوروبيين في حاجة ماسة إلى سياسة خارجية موحدة للتوصل، مثلا، إلى تسوية للأزمة المستفحلة في ليبيا وكذا آليات معالجة أزمة اللاجئين. وتكتسي هذه التصريحات والتصريحات المضادة بين ضفتي الأطلسي، أهمية خاصة؛ كونها جاءت بعد اجتماعين هامين لمجموعة السبعة الكبار في صقلية الإيطالية وأعضاء الحلف الأطلسي في بروكسل بما يؤكد أن القمتين فشلتا في التوصل إلى اتفاق بخصوص القضايا الخلافية بينهم. والمؤكد أن القمتين عُقدتا وقد خُيمت عليهما مواقف الرئيس الأمريكي الجديد من مسألة الأعباء، التي يتعين على الدول الأعضاء دفعها وعدم الاتكال فقط على عضو واحد دون سواه؛ في إشارة إلى الولاياتالمتحدة. ولأن ألمانيا تبقى القوة الرائدة اقتصاديا في أوروبا وتتحمل العبء الأكبر في هذا المنتظم، جعلها تسارع إلى وضع الحروف على نقاط علاقات مع حليف بأهمية الولاياتالمتحدة، عرفت أول هزاتها بعد وصول ترامب إلى كرسي الرئاسة في البيت الأبيض الأمريكي بداية العام الجاري. وإذا كانت أنجيلا ميركل حافظت على بعض اللباقة الدبلوماسية في تصريحاتها عندما أكدت أن علاقة الاتحاد الأوروبي بأمريكا يجب أن تبقى قوية، فإن وزيرها للخارجية سيغمار غابريال كان عنيفا وذهب إلى حد اتهام الرئيس الأمريكي بالعمل على إضعاف الدول الغربية وانتهاج سياسة تتعارض ومصالح الاتحاد الأوروبي، حاثا دوله على اتخاذ موقف موحد بقناعة أن «من لا يقف في وجه السياسة الأمريكية عليه تحمّل التبعات الاقتصادية والسياسية لذلك». وبالعودة الى خلفيات هذه القبضة يتأكد أن الخلافات بين برلين وواشنطن تندرج ضمن تنافس ثنائي خرج للعلن بعد أن أبدى الرئيس ترامب نية في إعادة النظر في اتفاقيات التبادل الحر بين بلاده وألمانيا؛ كونها تعرف اختلالا كبيرا لصالح هذه الأخيرة إلى الحد الذي جعله يهدد بفرض رسوم جمركية إضافية؛ ضمن خطة استباقية للحد من سياسة الإغراق الألمانية للسوق الأمريكية. ولم ينتظر الاتحاد الأوروبي نداءات ميركل ووزيرها للخارجية من أجل التحرك بدليل القمة الأوروبية الصينية المنتظر عقدها غدا بالعاصمة بروكسل، والتي ستخصص للنظر في كيفية التعاطي مع مواقف الرئيس الأمريكي الجديد حول المناخ والمبادلات التجارية، وخاصة ما تعلق بمواقفه بانتهاج سياسة حمائية لحماية الاقتصاد الأمريكي. والمؤكد وفق هذه المعطيات أن توتر العلاقة بين قطبي العالم الليبرالي مرشح لتصعيد قادم، سيجعل كل العالم يتحرك وفق دقاته وبما يحدث زلزالا في طبيعة التحالفات الاستراتيجية بين أقطابه الصناعية الكبرى، تنذر بأن يتحول صديق الأمس إلى عدو، وعدو الأمس إلى حليف ضمن منطق المصلحة التي تحكم العلاقات الدولية ووفق مقولة إن لا عداء أبدي ولا صداقة أبدية أيضا...