مازال تقرير المخابرات الأمريكية حول البرنامج النووي الإيراني يثير الجدل حول حقيقة وجوده ونزعته العسكرية وبين سلميته وعدم تهديده للأمن القومي الأمريكي، كما تصر الإدارة الأمريكية على تأكيد ذلك في كل مناسبة· وأعاد الخبير السويسري في مجال الاستراتيجية العامل في مركز الدراسات السياسية والأمنية بمدينة جنيف فرانسوا هايسبورغ الجدل إلى الواجهة، بعد أن اتهم المخابرات الأمريكية بحياكة مؤامرة ضد الرئيس جورج بوش· وقال هايسبورغ أن مضمون التقرير يمكن ان يكون مجرد عملية ثأرية لأجهزة المخابرات الأمريكية من الرئيس الأمريكي بعد أن وضعها في وضعية حرجة بسبب تقاريرها الخاصة عن الأزمة العراقية· وقال صاحب كتاب "إيران خيار الأسلحة" أن الأزمة العراقية أكدت عجز مختلف الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية في تقييم حقيقة الأوضاع ودرجة التهديد الذي كان يمثله نظام الرئيس العراقي المعدوم صدام حسين· وبرر الخبير الجيو سياسي السويسري قناعته بوجود اسئلة ملحة ولاتجد أجوبة لها حول مفاعل تخصيب اليورانيوم الإيراني في منطقة نانتز والذي يحوي ثلاثة آلاف جهاز طرد مركزي مما ينزع عنه كل صفة على أنه مفاعل للأغراض السلمية وجاء نشر تحليل هذا الخبير في أعقاب الضجة التي أثارتها خلاصة تقرير لست عشرة وكالة إستخباراتية أمريكية أكدت أن إيران أوقفت أبحاثها العسكرية ضمن برنامجها النووي منذ سنة 2003 · واعتبر مضمون التقرير بمثابة ضربة قوية وتشكيك في كل التأكيدات التي ما انفك الرئيس الأمريكي جورج بوش يروج لها على أن البرنامج النووي الإيراني غايته النهائية تمكين إيران من امتلاك القنبلة الذرية· ومن المؤكد أن الرئيس الأمريكي الذي وجد نفسه في حرج كبير بعد نشر مضمون التقرير سيجد في تحليلات الخبير السويسري طوق نجاة قد يخلصه من ورطة مخابرات بلاده التي جاء تقريرها ليخلط عليه كل حساباته في التعامل مع ايران التي وضعها حجر الزاوية ضمن محاور سياسيته الخارجية· ولكنه حتى وإن أخذ الرئيس جورج بوش بشهادة فرانسوا هايسبورغ فإن ذلك لن يجنبه الصاق تهمة تحريف الحقائق بخصوص الملفات الدولية التي تورط فيها من أفغانستان إلى العراق ووصولا إلى إيران· وكانت كل تلك الحقائق التي تعمد مختلف دوائر صناعة القرارالأمريكي وخاصة المخابراتية منها الى تسريبها من حين لآخر لأغراض محددة، ساهمت مع الزمن في انهيار شعبية الرئيس بوش من القمة إلى أدنى درجات التقدير· ولذلك فإن خرجة المخابرات الأمريكية والتي اضطر أهم وجوهها جورج تينت، إلى الاستقالة بسبب خلافات حادة مع الرئيس بوش لايمكن اخراجها عن إطار الحسابات السياسية داخل الولاياتالمتحدة على خلفية انتخابات الرئاسة الأمريكية شهر نوفمبر القادم والتنافس الممتد منذ شهور بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي للظفر بكرسي الرئاسة في البيت الأبيض· ومهما كان وقع تقرير أجهزة المخابرات الأمريكية وصدقية تصريحات الباحث السويسري على صراع الحمار والفيل في المعترك الأمريكي فإن السلطات الإيرانية لم تصدق صدور تقرير المخابرات الأمريكية في سياق التهديدات التي ما انفكت الادارة الأمريكية ومن يسمون أنفسهم بصقور البنتاغون وإعطاء نفس جديد للتمسك بموقفها المؤكد على أن أبحاثها النووية أبحاث لأغراض سليمة· وقال الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد أمس أن التقرير يهدف إلى إخراج الحكومة الأمريكية من المأزق الذي وجدت نفسها فيه بعد أن عجزت على تأكيد امتلاك إيران لأسلحة نووية، ولكن الرئيس الإيراني أكد أن ذلك يعد بمثابة نصر للشعب الايراني في مواجهته للقوى الكبرى ويشجعه على مواصلة أبحاثه النووية·