يستقطب المعلم السياحي والتاريخي «نصب الأموات» القابع على صخرة عالية بمحاذاة المركز الاستشفائي الجامعي «ابن باديس» بقسنطينة، خلال هذه الأيام، عددا متزايدا من الزوار من مختلف الفئات العمرية الذين يقصدون المكان خصيصا للاستمتاع بجماله وهدوئه والتقاط الأنفاس والاسترخاء في أجواء عائلية بامتياز. يتيح هذا النصب التاريخي لزائريه فرصة الاستجمام في جو يسوده الصفاء والسكينة وأخذ قسط من الراحة الجسدية والنفسية رفقة الأهل والأحباب والأصدقاء، بعيدا عن ضوضاء المدينة وبين أسوار التاريخ، فبعد أن ظلّ لما يقارب عقدين من الزمن مرتعا للمنحرفين، أجبر الأمر القسنطينين على «مقاطعته»، خضع هذا المعلم الشاهد على التاريخ لعملية تهيئة وإعادة تأهيل مع تسخير فرق أمنية تسهر على سلامة مرتاديه على مدار الأسبوع ليلا ونهارا وكذا توفير فضاء لركن المركبات، وقال السيد كمال الذي كان بمعية ولديه في حديثه إلينا «أنا أقطن بحي الأمير عبد القادر، وهو غير بعيد عن هذا النصب، لذا تجدني أغتنم أوقات فراغي للقدوم بمفردي أو بمعية أفراد أسرتي لهذا الفضاء بغية التنزه والتمتع في آن واحد»، ويقاسمه نفس الرأي محي الدين الذي اصطحب معه زوجته وأولاده. وأضاف محي الدين وهو أيضا فاعل جمعوي «لا يختلف اثنان على أن نصب الأموات من أجمل الأماكن التي تزخر به مدينة سيرتا العتيقة، لكن بالنظر للقيمة السياحية لهذا النصب التاريخي المحفز على الإبداعات الكتابية والفنية، فأنا أعتقد أنه يحتاج لعدة مرافق حتى يصبح قبلة بامتياز تستقطب الزوار من مختلف مناطق الولاية»، وتابع يقول «أتمنى أن يتم تخصيص مقهى ومربعات لبيع المشروبات والمياه المعدنية والمثلجات وفضاءات صغيرة للعب الأطفال بهذا الموقع لتلبية احتياجات الزوار، لاسيما في فصل الصيف»، داعيا في نفس السياق الناشطين في مجال حماية التراث إلى القيام بحملات تحسيسية منتظمة تحث مرتادي هذا المعلم الهام على الحفاظ عليه وتفادي السلوكيات التي من شأنها الإضرار برونق وجمالية المكان. وقد اكتسب هذا النصب السياحي شهرة واسعة تخطت حدود الولاية والوطن، حيث يقصده حتى السياح الأجانب الذين يتوافدون على مدينة قسنطينة، فيغتنمون فرصة تواجدهم بالمدينة لقضاء أوقات ممتعة بهذا النصب. كما أشار إليه السائح الفرنسي فرانك، والذي عبر عن إعجابه الكبير بجمال هذا المكان قائلا: «لقد أحببت هذا الفضاء كثيرا منذ زيارتي الأولى لهذه المدينة الساحرة وأنا في ريعان شبابي في مطلع سنوات الثمانينيات، وقد أصبحت مواظبا على زيارته في كل مرة تطأ فيها قدماي قسنطينة». وتابع: «عندما أقف أعلى هذا النصب أستمتع ببانوراما رائعة ونادرة لمدينة قسنطينة، يزداد جمالها خلال الفترة الليلية». للتذكير، تم تشييد نصب الأموات سنة 1930 تخليدا لأرواح أبناء المدينة الذين سقطوا في ساحات المعارك خلال الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، على علو 635 مترا فوق الضفة اليمنى لوادي الرمال، ويطل على جسر سيدي مسيد المعلق. ويعد قوس النصر التذكاري على ارتفاع 12 مترا مستلهما من قوس تراجان بتيمقاد، حيث ثبت عليه تمثال النصر الذي يبدو كأنه امرأة مجنحة تشبه طائرا خرافيا يتأهب للتحليق. وأمام النصب يوجد سطح شكله نصف دائري يتيح للزوار فرصة التمتع ببانوراما رائعة فوق وادي الرمال، تتوسطه طاولة توضيحية لمواقع المدينة وضواحيها.