عرفت مفاوضات العاصمة التونسية بين فرقاء الأزمة الليبية أول هزة بعد انسحاب وفد برلمان طبرق وتعليق مشاركته في الجولة الثانية من هذه المفاوضات التي يرعاها الموفد الأممي إلى ليبيا غسان سلامة. وقرر عبد السلام ناسيا، رئيس هذا الوفد، الانسحاب من جلسة مساء الاثنين بعد أن اتهم أعضاء وفد برلمان طرابلس بإعادة طرح القضايا الخلافية التي سبق التفاهم بشأنها وأكد انه لن يعود إلى طاولة التفاوض ما لم يحصل على تعهدات مكتوبة من خصومه بعدم الرجوع إلى تلك القضايا. وبنفس اللهجة الحادة، أكد وفد برلمان طرابلس في بيان أصدره أن برلمان طبرق الذي طعن في اتفاق الأممالمتحدة لسنة 2015 أن يقدم اقتراحاته لإيجاد تسوية نهائية. وشكل هذا التجاذب والملاسنات أول شرخ في هذه الجولة الثانية من المفاوضات التي سبق للمبعوث الاممي أن علق عليها آمالا كبيرة في التوصل إلى نتيجة توافقية بين فرقاء الأزمة الليبية يتم من خلالها طي صفحة الخلافات السابقة وفتح أخرى لإعادة بناء البيت الليبي المنهار. وتمكن المبعوث الأممي من إقناع أهم رقمين في الأزمة الليبية باستئناف هذه المفاوضات ضمن مساع أممية لإنهاء حالة الانسداد التي بلغه الوضع السياسي في هذا البلد بسبب تباين مواقف الأطراف السياسية في هذا البلد الممزق بحرب أهلية منذ أكتوبر 2011. وجاءت لقاءات العاصمة التونسية نتيجة جهود أممية تمكنت على إثرها من إقناع نواب برلمان طبرق المنتخب سنة 2014 من الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع أعضاء مجلس الدولة الموجود مقره في العاصمة طرابلس المنحدرين من المؤتمر العام الوطني الليبي المنبثق عن الانتخابات العامة لسنة 2012 ولكن مواقفهما التي طغت عليها الحسابات الحزبية والتوجهات السياسية والحسابات المصلحية عمقت مع مرور الوقت الأزمة وباعدت بين موقفهم إلى حد القطيعة. وهو وضع أبقى المأزق السياسي الليبي في حالة انسداد استحال على جميع فعالياته تسجيل أية خطوة على طريق إذابة الجليد العالق في علاقاتهم المتباينة. ويجري الجانبان، منذ منتصف شهر سبتمبر، مفاوضات عسيرة من أجل إدخال تعديلات على الاتفاق الذي وقعته الأطراف الليبية نهاية سنة 2015 بعد أن تبين استحالة تطبيقه بسبب النقائص التي تضمنها رغم توصل الفرقاء على توقيعه وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية ومجلس رئاسي انتقالي وتعيين فايز السراج رئيسا لها. ورغم أن الاتفاق شكل في حينه نقلة نوعية في العلاقات الليبية الليبية واعتبر بمثابة أول خطوة على طريق إنهاء الأزمة الليبية إلا أن ذلك ما لبث أن اصطدم بواقع أكثر تعقيدا إلى درجة أن أطرافا ليبية سارعت إلى طعن في شرعية الاتفاق واعتبرت نفسها غير معنية بمضمونه. وهو ما فسر عدم تمكن فايز السراج من توسيع سلطات مجلسه الرئاسي إلى مختلف الربوع الليبية وانحصرت سلطته في العاصمة طرابلس بينما بقي كل الشرق الليبي ومدن الهلال النفطي في منطقة سرت تحت سيادة قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر الذي تمكن من فرض نفسه كرقم لا يمكن تجاهله في أية ترتيبات سياسية وأمنية. وشكل مستقبل اللواء حفتر أكبر عقبة في هذه الترتيبات وهو الذي دفع بوفد برلمان طبرق إلى الانسحاب بعد خلافات حول تعديل نص المادة الثامنة من الاتفاق الأممي والتي أكدت خضوع تعيين وسلطات وزير الدفاع الليبي لسلطة الوزير الأول وهو ما رفضه اللواء حفتر مما أبقى الأزمة في متاهة الشك والاحتقان.