تأكيدا على قدرة الفن على علاج مرض السكري، يقدم الفنان شادي ولاية، مداخلة وعرضين راقصين في الملتقى الدولي حول مرض السكري المزمع تنظيمه من 19 إلى 21 أفريل الجاري، من طرف جمعية "اليعسوب الأزرق" التي يترأسها كل من الطبيبة الأخصائية نادية بوجناح والمهندس أحمد مرزوق.. "المساء"، وللتعرف على هذه المبادرة، التقت الفنان ومنظمي الملتقى، فكان هذا الموضوع. مصمم الرقصات شادي ولاية: الفن مطية أكيدة للعلاج لم يجد مصمم الرقصات شادي ولاية مانعا من المشاركة في ملتقى حول السكري، يحضره كبار العلماء والمختصين للتأكيد على دور الموسيقى في علاج مرضى السكري، وهو الذي طالما اهتم بهذا الموضوع، من خلال دراسات قام بها وقراءات اطلع عليها، ليخرج بنتيجة لا غبار عليها "نعم الموسيقى والرقص مهمان جدا في علاج مرض السكري والوقاية منه". تحدث الفنان السوري المقيم بالجزائر منذ قرابة عشرين سنة، عن سعادته بالمشاركة في هذا الملتقى الدولي من خلال محاضرة وعرضين راقصين يقدمهما في افتتاح واختتام التظاهرة، بمشاركة مصابين بالسكري من الذين دربهم في مدرسته الكائنة بالرويبة أو الذين تعرف عليهم عبر وسطاء. نوه ولاية بترابط العلم بالفن في هذا الملتقى الذي صممه مهندس رفقة طبيبة، واستضافا الفن ليقدم نكهة جديدة في ملتقى علمي، في بادرة حميدة، مشيرا إلى أنّ معرفته بمرض السكري لم تمنعه من الولوج إلى تفاصيله والتعمق فيها، ليخرج بنتيجة تتمثّل في تقديم مداخلة وعرضين راقصين، تقدم فيهما حركات مدروسة لمصابين بهذا المرض من مختلف الأعمار. كما يظهر ولاية المتحصل على دكتوراه في الإخراج والرقص المسرحي، في شكل يعسوب شعار الجمعية المنظمة- كأنه ملاك الرحمة ليسلط الضوء أكثر على مرض عنوانه "كلمة حلوة"، لكنه عنيد وتداعياته يمكن أن تكون خطيرة. تأثير الموسيقى اللامتناهي على النفس والجسد عاد المتحدث إلى موضوع ترابط الفن بالعلاج، مذكرا بالمستشفيات القديمة المبنية بهندسة فريدة، حيث تذاع موسيقى في غرفة وتسمع في كل حجرات القلعة، وهو دليل قاطع على حكمة الأطباء القدامى في معرفة دور الفن في علاج وتهدئة نفوس المرضى. في هذا السياق، لاحظ تأثير الرقص على نفوس وأجساد المنخرطين في مدرسته، مما حفّزه على نقلهم إلى حالات من الفرح. في المقابل، يؤمن شادي ولاية بالتخصص في كل ميدان، فهو يعتبر الرقص حالة تعبيرية للجسد، كيفما كان صاحبه حتى ولو كان أصما أو معاقا، فالإيقاع هو نبض الحياة، والفن حسبه إطار لاهوتي رباني يوجد في الإنسان بالفطرة، مؤكدا أنه استطاع عبر فنه هذا أن يحوله إلى حاسة سادسة. قدم ولاية مثالا عن تأثير الموسيقى في علاج المرضى عن قصة روتها له الطبيبة بوجناح، لعجوز لم تعد تتحرك بسبب مرض السكري، ولم تستجب للعلاج، فما كان من الطبيبة إلا أن طلبت من أفراد عائلة المريضة إسماعها الموسيقى، فتحسنت صحة المريضة وأصبحت ترقص أيضا. ويضيف المتحدث أن الدورة الدموية للإنسان لها اتجاهان؛ يسار ويمين، وتتأثر بأي صوت خارجي، وهي بذلك تتأثر أكثر بالموسيقى، خاصة التي ترتبط بالطبيعة. الجزائر.. بلد يعشقه قام الفنان باختيار مقطوعات موسيقية ارتجالية، موقعة بأسماء جزائرية، مؤكدا أنه في هذين العرضين لا يقوم باستعراض عضلات الراقصين، بل التعريف بالمرض في ملتقى علمي تنظمه جمعية جزائرية في بلد جميل مليء بالعطاء والصدق يضيف ولاية- الذي عبر عن سعادته الغامرة وهو يضع بصمة في بلد احتضنه ويعتبر نفسه ابنا له وسط نساء ورجال أكفاء. تطرق المتحدث إلى عشقه للجزائر وطبوعها الموسيقية والراقصة المتنوعة، خاصا منها النايلي، السطايفي، الشاوي والعاصمي، مؤكدا وجود نقاط مشتركة بين العديد من الطبوع الجزائرية والعالمية، خاصة المتوسطية منها، وهو ما لاحظه في تيميمون، حينما سمع عجوزا تغني بالترقية، معتمدة على ترانيم سمعها في جنوبسوريا. الرقص انعتاق للروح والجسد يدرس شادي الرقص بكل أنواعه، ويرفض كل رقص مبتذل. كما يعلم الرقص لأطفال وشباب وشيوخ، خاصة من الجنس اللطيف، جميعهم يعبرون بأجسادهم وروحهم أيضا، مؤكدا أن كل مهنة لها أساسياتها وخصوصياتها، فهو يركز على البيداغوجية في تعليمه الرقص، وينقل الحركات بشكل فني وعلمي إلى كل الفئات العمرية. كما يدرس ولاية الموسيقى بمدرسة خاصة، حيث أدخل فيها المنهاج الموسيقى والنشاط الطلابي المسرحي الذي يساعد الطلبة كثيرا في حياتهم اليومية. يحيي شادي ولاية حفلات في الفنادق والفضاءات المحترمة، وفي العادة يقدم أعماله في شكل فردي. أما إذا كان العمل جماعيا فيتصل براقصين جزائريين، كما يهتم بالانضباط كثيرا في عمله، وهو ما يقوم به في مدرسته الخاصة وفي قاعة بديدوش مراد. الدكتورة نادية بوجناح: أطلب توحيد الجهود لمحاربة السكري أكدت الدكتورة الأخصائية في مرض السكري، نادية بوجناح، اهتمام جمعيتها "اليعسوب الأزرق" بتكوين الأطباء وشبه الطبيين في علاج ورعاية مريض السكري، مضيفة أن الجمعية ليست على علاقة مباشرة مع المريض، بل بكل ما يتعلق به، لهذا تقوم بتنظيم تكوينات وملتقيات منذ نشأتها الحديثة، حيث نظمت في ديسبمر الماضي، ملتقى ب«الشيراتون"، كما تنظم خلال أيام 19، 20 و21 أفريل الجاري، ملتقى دوليا بقاعة المؤتمرات "عبد اللطيف برحال"، يشارك فيه أكثر من أربعين أخصائيا، بحضور أكثر من ألف مهتم، سيتبادلون الخبرات وفق أسس علمية عالمية. أضافت الدكتورة أن جمعيتها التي ترأسها رفقة زوجها المهندس أحمد مرزوق، لها علاقات وطيدة بأخصائيين من دول العالم، وبالأخص من الولاياتالمتحدةالأمريكية، وكذا جامعات مرموقة مثل جامعة "هارفرد"، وهي بذلك تسعى من خلال هذا الملتقى إلى الاستفادة من خبرات المختصين العالميين والتعرف على جديد العلم فيما يتعلق بمرض السكري، مؤكدة "لا نملك نفس التقاليد فيما يخص الأكل وطريقة العيش"، في المقابل، سيتم تعريف الآخرين بالتجارب الجزائرية. الوقاية وأهمية الكشف عن المرض وتعقيداته انتقلت الدكتورة بوجناح إلى الحديث عن أهمية الوقاية لدى مرضى السكري، مضيفة أن جمعيتها تولي اهتماما خاصا ليس بالتشخيص المبكر للمرض فحسب، بل وبالتعقيدات التي يمكن أن تصيب مريض السكري، وهو ما لا يتم في العادة، لهذا تحالفت جمعية "اليعسوب الأزرق" مع عدة مؤسسات عمومية وخاصة لفحص المرضى العاملين بها، ومن ثمة القيام بنفس الخطوة في المدن والقرى، مشيرة إلى أن هذا الفعل الحميد سيمكّن من ترسيخ أسس التربية الصحيحة، مثلا، في طريقة مشي المريض واختياره الحذاء المناسب، وهو ما يتم أيضا عبر الورشات والتكوينات التي تنظمها الجمعية. كما تشارك الجمعية في عدة فعاليات عالمية، مثل مشاركتها مؤخرا في ملتقى بمصر، حيث تستعلم عن جديد العلم في علاج والوقاية من مرض السكري، خدمة للمريض في الجزائر. غياب إحصاءات دقيقة أشارت الدكتورة بوجناح إلى غياب إحصاءات دقيقة حول عدد المرضى المصابين بداء السكري في الجزائر، مضيفة أننا لا نعرف عدد المرضى في الجزائر ولا فحوى التعقيدات التي تصيبهم، ولا يمكننا حتى شرح أسباب وفاة مرضى السكري، أو دوافع بتر سيقانهم. كما قدمت رقما هائلا يخص نفقة بتر الساق في الجزائر، ويصل إلى مليار ونصف المليار، علاوة على الإعاقة التي يعاني منها المعني طيلة حياته، مؤكدة أن كل هذه المواضيع يجب مناقشتها، لهذا تقوم الجمعية بتكوين المهتمين للوصول إلى أسلوب علاجي موحد في الجزائر، مثلا؛ كيف نهتم بالقدم السكري من خلال رعاية تقف على أسس علمية، وكيفية محاربة السمنة عند مرضى السكري. التمارين الرياضية لتوازن نسبة السكر في الدم أكدت الدكتورة على أهمية التمارين الرياضية في اتزان نسبة السكر في الدم، معتبرة أن تحقيق هذه الغاية لا يتطلب جهودا كبيرة ولا إمكانيات وفيرة، فيمكن للمريض أن يمشي في بيته أو حتى أن يرقص وفق موسيقى تطربه، من خلال حركات مدروسة لا تعيقه ولا تسبب له أي مشكل صحي، مضيفة أن السباحة رياضة تنفع مرضى السكري كثيرا، لكن الجزائر لا تتوفّر على مسابح كثيرة، فليمارس المريض رياضة خفيفة في بيته. توقفت الدكتورة مطولا عند هذه النقطة، حيث برمجت محاضرة حول أثر الموسيقى في علاج مرضى السكري، يقدمها مصمم الرقصات، شادي ولاية، علاوة على عرض كوريغرافي يقدم في افتتاح واختتام الملتقى الدولي المزمع تنظيمه في الشهر الجاري، لإبراز أهمية هذه النقطة بالذات. السكري ظاهرة عالمية ومحاربتها ممكنة بشروط أشارت الدكتورة إلى عالمية ظاهرة السكري، مؤكدة على أهمية الفحص المبكر للمرض والكشف عن أسباب تناميه، وذكرت تغيّر نمط معيشتنا في الجزائر وانعكاساته على صحتنا، مثل قلة الحركة والاعتماد كليا على السيارات. وما زاد الطين بلة، الوسائط الاجتماعية التي تجعلنا "مسمّرين" أمام شاشات الكمبيوتر والهواتف النقالة، كما أصبحت النساء يغسلن ملابسهن بالغسالة والرجال يعملون في المكاتب وليس في الحقول، بالتالي لا يبذل الجميع جهدا كبيرا، دون أن ننسى تضيف الدكتورة -، الأكل غير الصحي الذي نتناوله والبعيد جدا عن ذلك الذي كانت تجهزه جداتنا وتطعمنا به، فأصبحنا نتناول أكلات غير صحية مليئة بالدهون والسكريات، وأخرى تتحول إلى سكريات، مثل الخبز الأبيض. في هذا السياق، يمكن للشخص أن يصاب بالسكري حينما يكثر من الأكلات التي تتحوّل إلى سكر، وقد يصاب بالسمنة التي تصيبه بالمرض، علاوة على القلق الشديد الذي عاشه الجزائريون طيلة العشرية السوداء، والذي أثّر سلبا على صحتهم. العلاج مكلف جدا والمشكل في التعويض تطرقت الدكتورة إلى مشكل عدم تعويض الكثير من الأدوية التي تخص مرضى السكري، علاوة على تكاليف العلاج، خاصة فيما يتعلّق بأنواع الفحوصات التي تتم عبر الموجات فوق الصوتية، فالتحاليل الدموية فقط قد يصل ثمنها إلى مليوني سنتيم، إضافة إلى تكاليف النقل والفحص الطبي، وتبني تغذية سليمة وارتداء أحذية ملائمة، كل هذا مكلف جدا. كما أضافت أن مريض السكري إذا لم يعتن بصحته جيدا فستحدث له مضاعفات على مستوى القلب والكليتين والعينين. كما يتجه بعضهم إلى المستشفيات ويجد نفسه أمام مواعيد بعيدة المدى، زيادة على أن معظم مرضى سكري من المتقاعدين، أي لا يملكون حق تكاليف العلاج. نصائح لمرضى السكري نصحت الدكتورة بوجناح المرضى المصابين بداء السكري، بالحركة، ثم الحركة، وهذا لا يعني اللجوء إلى قاعة لممارسة الرياضة، بل يمكن القيام ببعض الحركات في البيت، فهي تنصح المريض قبل تناول فطور الصباح، أن يقوم ويتحرك في رواق البيت لمدة ربع ساعة، ومن ثمة تتزايد المدة إلى نصف الساعة، نفس الشيء يقوم به بعد الغذاء وقبل العشاء، وهكذا نصل إلى نسبة سكر متزنة في الدم، قد تتطور الحركات إلى رقصات من خلال موسيقى محبوبة. أما عن الأكل، فيحبب تناول تقريبا كل شيء، إلا ما هو أبيض كالسكر. كما دعت كل المهتمين بمرض السكري وبالأخص الجمعيات لحضور الملتقى، منوهة بالعمل الجبار الذي تقوم به، حتى من ناحية تقديم النصائح فيما يخص الأكل المناسب. كما طالبت الدكتورة بتأسيس فيدرالية تجمع الجميع وتنتخب ممثلا عنها، يقوم بهذه المهمة على جميع المستويات المحلية والدولية. المهندس أحمد مرزوق: الاعتناء بصحة المريض.. مكلف جدا قال المهندس أحمد مرزوق، أحد مؤسسي جمعية "اليعسوب الأزرق"، إنه ليس من السهل أن يهتم مريض السكري بصحته، مشيرا إلى ضرورة تبني تغذية سليمة، لكن هل يمكن لعائلة متواضعة ماديا أن تخصص غذاء للمريض أو أن تطبخ وجبات متزنة لجميع أفراد العائلة؟ يجيب المهندس على سؤاله هذا بالنفي في الكثير من الأحيان، لينتقل إلى موضوع الوقاية الذي يجده في غاية الأهمية، خاصة أمام تزايد عدد المصابين بهذا الداء، مقدما مثالا بالولاياتالمتحدةالأمريكية التي تقريبا ربع سكانها مصابون بالسكري، فما هو عدد الجزائريين المصابين بهذا المرض؟ لم يشأ المهندس أن يختم حديثه بنبرة تشاؤمية، حيث تحدث عن شركة لصنع كسكسي خاص بمرضى السكري، ومصنعا في سور الغزلان سيقدم منتوجا لنفس الشريحة من المجتمع، ليطلب من الإعلام تسليط الضوء أكثر على هذا المرض وإنقاذ المواطنين من براثن هذا الداء.