عادت قضية البرنامج النووي الإيراني إلى الواجهة في ظل اشتداد قبضة جديدة بين طهران وواشنطن، غذّتها تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالانسحاب من الاتفاق الموقّع بين إيران والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وألمانيا قبل ثلاث سنوات. وبين لغة التهديد والوعيد المتبادل بين إيرانوالولاياتالمتحدة تحول هذا الجدل إلى قضية طاغية على المشهد العالمي وخاصة في عواصم الدول الموقعة على الاتفاق التي بدأت تبدي امتعاضها من الرئيس الأمريكي الذي طعن بمواقفه المتقلبة في مصداقيتها كقوى فاعلة في النسق الدولي وشكل ذلك ضربة لالتزاماتها على الساحة الدولية. وهو ما يفسر موقف الرفض الذي أبدته الصينوروسيا على حد سواء أمس، لإعادة النّظر في مضمون الاتفاق النّووي وراحتا تؤكدان وتتوعدان بالتصدي لكل مسعى يرمي الى «تخريب» الاتفاق النووي الموقع شهر جويلية 2015. وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن بلاده والصين تعتبران كل محاولة لتغيير بنود الاتفاق تبقى غير مقبولة. وجاءت تصريحات وزير الخارجية الروسي في ختام اللقاء الذي جمعه أمس، بالعاصمة الصينيةبكين بنظيره الصيني وانغ يي، حيث عدّد فوائد الاتفاق النّووي واعتبره بمثابة أكبر إنجاز تحققه الدبلوماسية الدولية خلال السنوات الأخيرة . وهي القناعة التي جعلته يؤكد أن كل محاولة لمراجعته تبقى مرفوضة، وأن بلاده والصين ستعملان سويا من أجل منع كل محاولة للطعن في هذا الاتفاق الذي تمت المصادقة عليه عبر لائحة أممية. ويمكن القول إن الصينوروسيا وجدتا نفسيهما مرغمتين على التحرك لمواجهة تهديدات الرئيس الأمريكي وضغوطه الملحة لمراجعة نص الاتفاق وذهابه إلى حد منح الدول الموقّعة عليه مهلة إلى غاية 12 ماي القادم، من أجل فعل ذلك وفق الشروط التي وضعتها إدارته. ولم تستسغ لا روسيا ولا الصين ولا حتى ألمانيا وفرنسا هذه الشروط وسياسة الأمر الواقع التي يسعى الرئيس الأمريكي تمريرها، وحتى الأممالمتحدة التي حذّرت هي الأخرى من تمادي الإدارة الأمريكية في تجاهلها لهذا الاتفاق وسعيها إلى إلغائه بجرّة قلم. وأكدت الرئاسة الروسية ضمن تنسيق المواقف بين الدول الموقّعة على الاتفاق أن الرئيس فلاديمير بوتين، ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، اتفقا خلال مكاملة هاتفية بينهما أمس، على «مواصلة تنفيذ بنود الاتفاق النّووي حول إيران. وأعلنا حسب بيان قصر الكريملين على «مواصلة تنفيذ خطة العمل الشامل المشترك حول البرنامج النّووي الإيراني كونها تعد عاملا هاما لضمان الأمن الدولي. يذكر أن المكالمة الهاتفية تمت عشية شروع الرئيس الفرنسي، في زيارة رسمية إلى الولاياتالمتحدة. حيث سيكون الملف الإيراني أحد أهم ملفاتها المطروحة على طاولة النقاش بين الرئيسين ترامب وماكرون. وكان الرئيس الفرنسي حث في لقاء صحفي نشر أول أمس، نظيره الأمريكي بالالتزام بالاتفاق النّووي الإيراني بقناعة أنه أفضل خيار يمكن الأخذ به في التعامل مع إيران، في نفس الوقت الذي أكد فيه أنه لا يوجد حل بديل عنه. وهي نفس المهمة التي ستحاول المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، المرافعة لأجلها يوم الجمعة القادم، خلال الزيارة التي ستقودها إلى الولاياتالمتحدة وعقدها لقاء قمّة مع الرئيس ترامب. وتزامنت هذه التحركات مع تحذير إيزومي ناكاميتسو، الممثلة السامية للأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح باتجاه الدول الموقّعة على الاتفاق، داعية إيّاها إلى عدم التخلّي عن الاتفاق. وقالت «نأمل أن يظل جميع المشاركين فيه ملتزمين بتنفيذه والإبقاء عليه على المدى الطويل. وحذّرت المسؤولة الأممية في سياق اشتداد حدّة الجدل حول النّووي الإيراني من سباق محموم نحو التسلّح النّووي واستعمال الأسلحة النّووية. والمفارقة أن الرئيس الأمريكي في نفس الوقت الذي يسعى فيه إلى طي ملف البرنامج النّووي الكوري الشمالي، راح يفتعل كل الذرائع من أجل إعادة إحياء الملف النّووي الإيراني رغم الاتفاق المتوصل إليه، والذي حفظت من خلاله كل الأطراف ماء الوجه في قبضة كادت أن تؤدي إلى حرب مفتوحة في منطقة الشرق الأوسط. ولا يستبعد أن يكون الرئيس الأمريكي، رضخ لضغوط اللوبي الإسرائيلي الذي بقي الطرف الوحيد الذي لم يرقه الاتفاق وراح يروّج لفكرة أن إيران ستجعل منه غطاء لمواصلة برنامجها النّووي وامتلاك أول قنبلة نووية، وهي فكرة ما لبث أن تبنّاها الرئيس ترامب، وبرر من خلالها دعوته إلى إعادة النّظر في الاتفاق النّووي الإيراني.