يحيي العالم، يوم 16 ماي الجاري، ولأول مرة، اليوم العالمي للعيش معا في سلام، الذي بادرت به الجزائر في سياق ترقية المصالحة والعيش معا في سلام والتسامح والتعايش السلمي والتناغم والتفاهم والاحترام المتبادل بدون تمييز عرقي أو جنسي أو ثقافي أو حضاري أو لغوي أو ديني،حيث حظيت مبادرة الجزائر التي تندرج في إطار جهود ترقية قيم ثقافة السلم والمصالحة على المستوى الدولي بموافقة 172 بلدا. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد صادقت على القرار 130/72 في ديسمبر 2017، كما عينت الجمعية العامة منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) كهيئة دولية مكلفة بتسهيل عملية إحياء هذا اليوم العالمي للعيش معا بسلام، بالتعاون مع الهيئات الأخرى المختصة. وأشادت العديد من البلدان بأهمية هذا الاقتراح، معربة عن شكرها لمبادرة الجزائر التي قدمتها على مستوى الأممالمتحدة كمساهمة تهدف إلى ترقية ثقافة السلم والمصالحة، إذ تم التأكيد في هذا الصدد بأن المبادرة الجزائرية هي ثمرة مسار طويل قامت به وزارة الشؤون الخارجية، بالشراكة مع الجمعية الدولية الصوفية العلوية التي شارك رئيسها الشرفي وشيخ الطريقة العلوية الشيخ خالد بن تونس في جلسة المصادقة على اللائحة. ومن خلال هذه اللائحة، تدعو الجمعية العامة الدول إلى مواصلة ترقية سياسة المصالحة الوطنية في بلدانهم، على غرار التجربة الجزائرية التي بادر بها رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، من أجل المساهمة في السلم والتنمية المستدامة، بالتعاون مع الأطراف الفاعلة، خاصة المجتمعات الدينية وزعمائها. وسيكون الاحتفال السنوي للدول والأممالمتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية والمجتمع المدني والأشخاص بهذا اليوم العالمي، فرصة للجميع من أجل التعبير عن الرغبة في العيش والعمل معا موحدين في ظل الاختلاف والتنوع من أجل إقامة عالم في كنف السلام والتضامن والانسجام. وإذ تعد هذه المبادرة الأولى من نوعها في ظل تفشي النزاعات وبؤر التوتر في العالم وانعكاس ذلك على النسيج الاجتماعي، مما ولد الكثير من الضغائن والأحقاد، فإن الكثير من الفاعلين الدوليين يستشهدون بتجربة الجزائر في إرساء سياسة السلم والمصالحة الوطنية عبر ميثاق زكاه الشعب بأغلبية ساحقة، لدرجة أضحت هذه التجربة محل اهتمام المجموعة الدولية. بل يمكن القول أن استرجاع الجزائر لأمنها واستقرارها بعد عشرية سوداء تركت آثارا غائرة في المجتمع،مع اعتمادها و بشجاعة كبيرة نهج التسامح لطي صفحة دموية راح ضحيتها خيرة أبنائها، جعل منها بلدا مصدرا للسلم والأمن في المنطقة والعالم ككل. من هذا المنطلق، تعمل الجزائر على نشر قيم السلم والتسامح المستقاة من تجربتها مع تفضيلها لغة الحوار في فض النزاعات، قناعة منها بأن العنف لا يولد سوى العنف وأنه لا مفر من العيش والعمل معا موحدين في ظل الاختلاف والتنوع من أجل إقامة عالم في كنف السلام والتضامن والانسجام. وبغرض التعريف أكثر بهذه المبادرة أصدرت اللجنة الجزائرية للتربية والعلوم والثقافة، بالشراكة مع كرسي اليونيسكو الأمير عبد القادر لحقوق الإنسان وثقافة السلام بجامعة الجزائر1، مؤلف جماعي تحت عنوان «أصول ثقافة السلم: المساواة بين الجنسين والمواطنة العالمية». وشارك 10 مؤلفين في تحرير هذا المؤلف الذي يقع في 180 صفحة. ويتضمن ثلاثة فصول، الأول مخصص لموضوع «الإسلام ومفهوم المساواة بين الجنسين» والثاني موضوع «التراث في خدمة العيش معا»، فيما يتعلق الثالث ب»التربية والقانون والعيش معا». وعليه، فإن إحياء العالم هذا اليوم في طبعته الأولى سيكون بمثابة اعتراف وتقدير لتجربة الجزائر في نشر السلم عبر كل نقطة في العالم، من خلال تفضيل كفة حل النزاعات بالحوار الذي لطالما رافعت عنه الدبلوماسية الجزائرية وعملت على تجسيدها في الميدان كما هو الشأن لحل النزاع الإثيوبي الاريتري، فضلا عن قيامها بوساطة دولية لحل أزمة مالي والتي أفضت في النهاية إلى إبرام اتفاق السلم والمصالحة بين الأطراف المتنازعة، بعد أن كان عصيا تحقيق هذه الخطوة بسبب تعنت بعض الأطراف وتشبثها بمواقفها، في حين مازالت جهود الجزائر متواصلة لحل الأزمة الليبية بالطرق السلمية، لتفادي العودة إلى خطا التدخل العسكري الذي ادخل البلاد في دوامة معقدة.