لا زالت العائلات البرايجية متمسكة بعاداتها وتقاليدها القديمة، لأنّ الماضي الأصيل يفرض نفسه غير متأثر بإفرازات العادات الدخيلة، ولعلّ من أهم تلك العادات والتقاليد هو الاستعداد لشهر رمضان وأخرى عند الإفطار أو عند صيام الأطفال لأول مرة، والسهرات الليلية التي تزيد العلاقات العائلية ترابطا وتماسكا، كما يتيح شهر رمضان المعظم للبرايجية فرصة توطيد العلاقات التضامنية التي تزيد من التكافل الاجتماعي وتعد موعدا لإحياء مختلف مظاهر التراث. يشكل شهر رمضان لدى البرايجية فرصة مواتية لترسيخ علاقات التضامن والتكافل، وموعدا لإحياء القديم من العادات واسترجاع عديد التقاليد التي كانت إلى عهد قريب جزءا من حياتهم اليومية، قبل أن تعصف بها رياح التحول الاجتماعي، فمن مظاهر الشهر الفضيل قيام بعض المحسنين بالتعاون مع الجمعيات الناشطة، كالهلال الأحمر الجزائري والكشافة الإسلامية الجزائرية، بتنظيم موائد إفطار جماعية، كما يشرف بعض ملاك المطاعم على توفير وجبات ساخنة لعابري السبيل، إذ قبل الإفطار بنصف ساعة يقوم السكان بتوقيف الشاحنات والسيارات ودعوة السائقين والركاب لهذه الموائد، كما تكثر في هذا الشهر عمليات التبرع والتصدق على الفقراء والمساكين، كما أن مطاعم الرحمة بمختلف المناطق تفتح أبوابها للفقراء وعابري السبيل بأغلب البلديات باعتبارها فضاء يجمع الناس ولا تكاد تميز بين المقيم والعابر، أما ببعض البلديات فمن المحسنين من ينتشرون عبر الشوارع للبحث عن الغرباء والظفر بإفطارهم وحبذا لو كان فقيرا أو يتيما أو معوزا أو عابر سبيل، وتقدّم لهم أشهى المأكولات في جو من البسمة والترحاب، قد لا تختلف كثيرا عن أيام الأشهر الأخرى لكن رمضان تميزه نفحات من الخشوع تضاعف من صنع الألفة والتضامن، حيث لا يكاد بيت يخلو من الضيوف. اهتمام خاص بالأطفال الذين يصمون لأوّل مرة لازال التمسّك قائما بعادة الاحتفال بالأطفال الذين يصومون لأول مرة، حيث توضع الحناء على يد كل طفل صغير يستطيع صيام يوم كامل، وغالبا ما يكون اليوم الخامس عشر أو السابع والعشرين قصد تشجيعه وتحبيب تأدية هذا الركن من الدين إلى قلبه، إذ يولي البرايجية أهمية كبيرة لأبنائهم الذين يصومون لأول مرة، وذلك من خلال الاحتفال المميز الذي يقام لهم والتكريم الذي يحظون به، حيث لا يفارقون ذويهم طيلة يوم صيامهم، وعادة ما يبدأ الأطفال في التدرب على الصيام وهم في السنة الأولى من دراستهم، وفي بعض الأحيان قبل ذلك، ويقرب الآباء أطفالهم في أول صيام لهم، ويجلسونهم إلى جانبهم على مائدة الكبار. ويكتسي صيام الأطفال لأول مرة في البرج أهمية خاصة للطفل والعائلة، ويحاط الطفل الذي يصوم لأوّل مرة بمظاهر احتفالية خاصة، كتعبير عن انتقاله من عالم الطفولة إلى عالم البالغين ويتحوّل الطفل في ليلة صومه الأولى إلى سلطان تلبي العائلة رغباته، ويحضر له إفطار خاص يبدأ عند الأذان بإعطائه كأس ماء أو شربات بها القرفة وماء الزهر، يوضع بداخله خاتم من الفضة أو الذهب، وعند الأذان يقوم أحد كبار العائلة، الجد أو الأب، بحمل البنت أو الطفل على كتفه ليوضع في أعلى منطقة من البيت (السطح أو القرميد)، حيث تعتقد العائلات أنه بهذا التقليد سيكون محظوظا في حياته المستقبلية ويسود قومه ويكون دائما في رفعة، وبعدها تعطى للطفل حبة تمر وبيضة مسلوقة، ثم يجلس لأول مرة للإفطار على مائدة البالغين من أفراد العائلة، حيث تعد له أكلة خاصة عادة ما تكون البيض أو السفنج في بعض المناطق، أو الغرايف بالعسل وعند الأذان يفطر الطفل على حبة البيض أو الغرايف بالعسل قبل أن يجلس إلى مائدة الإفطار رفقة الكبار. السهرات الرمضانية وتبادل الدعوات تطغى العمليات التضامنية والكرم الفياض على أغلب العائلات الجزائرية عبر الوطن، أما العادات والتقاليد فهي من خصوصيات كل منطقة منها عاصمة البيبان، فبين المنطقة الشمالية للولاية وجنوبها تتباين العادات والتقاليد وتتوحد في القلوب التي لا تسع إلا الحب والرحمة، ويتلهف الناس لأداء صلاة التراويح، ويتشوقون لجماعات السمر وحكايات الزمن المنقضي ومعها توطيد علاقات المحبة والتواد، فمن العادات المتوارثة بالمنطقة كذلك "العرضة"، وهي دعوة الأصدقاء والأقارب وحتى عابري السبيل إلى مائدة الإفطار، حيث تعتبر سنة حميدة يتسابق إليها السكان. ولعل أبرز مظاهر التكافل والتضامن الاجتماعي التي غدت علامة رمضانية مسجلة هو تبادل الأكلات مع الجيران، فضلا عن عادة "الدور" المتمثلة في تناول أبناء الحي أو الدوار الواحد لوجبة الإفطار مجتمعين عند أحدهم على أن يتم ذلك بالتداول، كما تظهر مع حلول شهر رمضان حلة إيمانية، فتتزين المساجد ويزداد روادها، حيث لا تستوعب هذه المساجد العدد المتزايد من المصلين، ما يفرض على القائمين عليها تخصيص الساحات المجاورة من أجل أداء صلاتي العشاء والتراويح، ويفضل الكثير من المصلين اختيار المرتلين من أصحاب الحناجر العذبة، في حين يختار آخرون الأسرع ومنهم من يختار المسجد الأقرب، لكن أغلب المصلين يفضلون الأحسن تلاوة، ومن المصلين من لا يداوم على مسجد واحد بل يتنقل بين المساجد طيلة شهر رمضان، وتبقى أبواب المساجد مفتوحة بعد صلاة التراويح لقيام الليل والتهجد وتلاوة القرآن، وإن كانت هذه المظاهر ليست حكرا على البرايجية فقط. تبدأ السهرة بعد عودة الناس من صلاة التراويح، فالشباب يدعون بعضهم البعض أو يخصصون أماكن للقاء، فمنهم من يتسامرون بحكايات ومغامرات، وتسطير مشاريع دنيوية ودينية وآخرون يقضون سهرتهم في لعب "الدومينو" أو "الكارطة"، حيث تتعالى أصوات التشجيع وتحتدم المشاحنات في أجواء تنافسية أخوية مميزة، وآخرون يقضونها بمقاهي الإنترنيت أو الساحات العمومية ومنهم من يخصصها لزيارة الأهل والأقارب، أما الرجال فمنهم من يخلد إلى النوم كعادته في سائر الأشهر الأخرى، ومنهم من يقضيها في التسبيح والذكر ومنهم من يرافق أسرته في الزيارات المبرمجة لبعض العائلات على امتداد أيام شهر رمضان ومنهم من يذهب إلى المقاهي. اللمة العائلية بالنصفية وليلة السابع والعشرين بعد مضي 20 يوما من الصيام تبدأ العائلات البرايجية في التحضير للاحتفال بليلة السابع والعشرين بعد أن تم الاحتفال "بالنصفية "وهي منتصف شهر رمضان، حيث تقوم ربات البيوت بتحضير وجبة خاصة في اليوم الرابع عشر من الصيام، وتسمى هذه الاحتفالية عند البرايجية بعشاء النصفية والتي يتم فيها تحضير طبق من العجائن كالشخشوخة أو الرشتة أوالثريدة أو البربوشة، وهذا يختلف من عائلة إلى أخرى حسب ذوق كل عائلة، وإلى جانب هذا الطبق الذي يعتبر رئيسيا في ذلك اليوم، هناك طبق من اللحم المشوي والشربة وأطباق السلطة المتنوعة إلى جانب طبق الفواكه والمشروبات حيث يتواصل السهر في ذلك اليوم إلى غاية السحور، هذا بعد أن تقوم ربة العائلة بتحضير إبريق الشاي مع بعض الحلويات والتمور وتستمر السهرة به إلى مطلع الفجر حيث يرفع الأذان. وبعد أيام قليلة من الاحتفال بالنصفية يبدأ التحضير للاحتفال بليلة السابع والعشرين، هذه الليلة المباركة التي فضلها الله عز وجل على ألف شهر والتي يتم فيه ختان الأطفال خاصة أبناء الفئة المعوزة، وكذا تنظيم دورات دينية خاصة للأطفال حفظة القرآن هذا ناهيك عن الاحتفالات الدينية التي تقوم بها العائلات البرايجية والتي تتميز من عائلة إلى أخرى. ❊ آسيا عوفي