بعث رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، ببرقية تعزية إلى كافة أفراد أسرة المجاهد محمد الصالح يحياوي، الذي وافته المنية أمس، عن عمر ناهز 81 سنة، مؤكدا فيها «أن المرحوم من الذين عاشوا على الكفاف حتى غدا الإيثار لديهم طبيعة والتضحية منهجا والشهادة مطلبا». وقال الرئيس بوتفليقة: «لا أحتمل وقع الزرء على النفس وأنا أعزّي في أخ عزيز رفيق سلاح شجاع ومناضل صلب في دفاعه عن المبادئ السامية والمثل العليا، إنه المجاهد والمناضل والصديق الحميم، والخل الودود محمد الصالح يحياوي الذي ألفته ميادين النزال، وتماهت معه ساحات الوغى مع أولئك الذين استبسلوا سنين المعارك الكبرى على قمم الجبال وسفوحها وفي كل واد ومنحنى، ما لانوا يوما ولا بدلوا تبديلا، عاشوا على الكفاف حتى غدا الإيثار لديهم طبيعة والتضحية منهجا والشهادة مطلبا. وأضاف «إن ابن مدرسة جمعية العلماء المسلمين الذي نهل في السلسبيل الصافي لذلك النبع المتدفق رحمة واستقامة وعزة وحبا للوطن، هذا الشبل، شبل الثورة لم يتخلف يوم حصحص الحق وهب نساء ورجال إلى حمل عبء ثقيل تتقاعس عنه الفحول وتتهيبه الأبطال، ومنازلة جحافل محتل ألقى سدوله الكثيفة على وطن عزيز وشعب أبيّ مدة قرن ونيّف، ظن بعدها المحتل أن جذوة الحرية قد خمدت في النفوس واستكان الشعب إلى سلطة البطش والقهر إلى أن انفجرت ثورة التحرير وهب المجاهدون يدقون حصونه المتهاوية وعروشه الخاوية. ورغم انعدام التوازن في القدرة بين قوة الشر وقوة الخير، فإن المخلصين رجحوا بإيمانهم كفة الحق ليستّأثروا بعون من الله وبأزر من شعبهم». واستطرد الرئيس بوتفليقة قائلا: «وقد التحقت بالرفيق الأعلى قوافل تترى الواحدة إثر الأخرى لينعموا بما وعدهم الحق. وبقيت ثلة كان لها فضل الإسهام في بناء صرح الدولة الحديثة. وما الأخ محمد الصالح إلا واحدا من هذا الرعيل الذي فرض بشمائله شرف الاقتداء وحق العرفان بالتضحيات الجسام، إنه اليوم بين يدي الرحمن نتضرع إليه سبحانه وتعالى أن يحتسبه مع من سبقوه على محجة الاستشهاد ومسيرة الإخلاص للوطن في الجهاد والاستبسال. وقبل أن أعزّي أسرته وأهله ورفاقه في السلاح وكل محبّيه أعزّي نفسي فيه وأبكيه، كما بكيت وأبكي كل وطني عزيز رحل أو يرحل عنّا». جثمان المرحوم الصالح يحياوي يوارى الثرى ... شخصيات وطنية تعزّي عائلة الفقيد ووري جثمان المرحوم العقيد محمد الصالح يحياوي أمس، الثرى بمقبرة سيدي يحيى بحضور مسؤولين وشخصيات وطنية مختلفة. وكان الفقيد قد توفي فجر أمس، بالمستشفى العسكري بعين النعجة (الجزائر العاصمة)، بعد مرض عضال كابده لمدة سنوات. وعلى إثر هذا المصاب الجلل توالت برقيات التعازي من مختلف الشخصيات الوطنية، حيث أبرزت خلالها الخصال الحميدة التي كان يتميز بها المرحوم. في هذا الصدد قدم رئيس مجلس الأمة السيد عبد القادر بن صالح، خالص تعازيه لعائلة الفقيد، مضيفا أن حياته كانت حافلة بالعطاء والبذل، وأن مسار مساهماته كان ثريا عبر المواقع التي تولاها في خدمة الجزائر. كما أشار رئيس مجلس الأمة في بيان تلقت «المساء» نسخة منه إلى أن المولى عز وجل شاء ولا راد لمشيئته أن يتوفاه ملتحقا بإخوانه المجاهدين والشهداء، ليستطرد «وليس لنا إلا أن نسلم بما كتب الله سبحانه وتعالى من آجال ونحتسب في ذلك إليه مع الدعاء له بالرحمة والمغفرة.. ولكم بالصبر والسلوان». من جهته بعث الوزير الأول أحمد أويحيى، برقية تعزية إلى أسرة المرحوم العقيد محمد الصالح يحياوي، مؤكدا أن الفقيد ينتمي إلى «جيل عظيم صنع أمجادا وملاحم سيظل يحفظها التاريخ إلى الأبد». وكتب الوزير الأول في برقية التعزية قائلا: «لقد تلقيت بعميق التأثر ومزيد الأسى نبأ الفاجعة الأليمة التي أصابتكم، بوفاة المغفور له بإذن الله المناضل والمجاهد الكبير العقيد محمد الصالح يحياوي، رحمه الله بواسع رحمته وطيب ثراه وأفاض على روحه مغفرة وثوابا. والذي كان مجاهدا من الرعيل الأول في جيش التحرير الوطني إبّان الثورة المباركة، قبل أن يتقلّد بعد استعادة الاستقلال والسيادة عدة مناصب عليا عسكرية وحزبية ويضطلع بمسؤوليات جسام بكفاءة واقتدار». وتابع السيد أويحيى قائلا: «وبهذه المناسبة الأليمة التي تفقد فيها بلادنا هذا الرجل الذي ينتمي إلى جيل عظيم صنع أمجادا وملاحم سيظل يحفظها التاريخ إلى الأبد، فإنه لا يسعني أمام قضاء الله وقدره، إلا أن أشاطركم آلامكم وأحزانكم في هذا المصاب الجلل، وأن أتقدم إليكم ومن خلالكم إلى كل الأسرة الثورية ورفقاء الراحل وذويه جميعا بأخلص عبارات العزاء وأصدق المواساة، داعيا المولى العلي القدير أن يتغمّد روحه الطاهرة بواسع رحمته وغفرانه ويسكنه فسيح جنانه مع الصدّيقين والأبرار وحسن أولئك رفيقا. كما أسأله سبحانه وتعالى، أن ينقله برحمته من عتمة القبور إلى نور وسعة الدور والقصور، وأن يلهمكم وذويه جميعا جميل الصبر وعظيم السلوان. وأن يجازيكم عنه الجزاء الوفير والخير الكثير». وخلص رسالته بآيات من القرآن الكريم: «وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة وأولئك هم المهتدون». كما عزى وزير المجاهدين السيد الطيب زيتوني، عائلة الفقيد ورفاقه في الجهاد، سائلا الله أن يتغمّده بواسع رحمته وشامل غفرانه و عميم رضوانه، وأن يرزق ذويه جميل الصبر ووافر السلوان. وأوضح الوزير في بيان تلقت «المساء» نسخة منه أن المرحوم ظل وفيا لخصاله ولتضحيات الشهداء الأبرار والمجاهدين الأخيار، متمسكا بمبادئه ملتزما بشرف الجهاد والنضال من أجل الحرية والانعتاق، مضيفا أن الاستقلال الوطني كان محطة في مسيرته التي تواصلت بنفس الروح والالتزام لبناء مؤسسات الدولة الجزائرية المستقلة في كل المناصب والمسؤوليات التي تقلدها، سواء في مؤسسة الجيش الوطني الشعبي أو في الحياة المدنية، مقدما بذلك للأجيال أروع الصور في حب الوطن والتفاني في خدمته. ويعد المرحوم المولود سنة 1937 بعين الخضرة بولاية المسيلة، من الرعيل الأول لضباط جيش التحرير الوطني حيث التحق بالثورة سنة 1956، وكان عضوا في قيادتها ومقربا من الرئيس الأسبق العقيد هواري بومدين. تقلد المرحوم عدة مناصب عليا في الحكم بعد الاستقلال حيث كان عضوا بمجلس الثورة من 1965 إلى غاية 1977. وفي هذه الفترة عين على رأس الأكاديمية العسكرية متعددة الأسلحة بشرشال التي أدارها من 1968 إلى غاية 1977 وهي السنة التي عينه فيها الرئيس الراحل هواري بومدين، أمينا عاما لحزب جبهة التحرير الوطني. وحسب بعض المناضلين الذين سايروا المرحوم محمد الصالح يحياوي، عندما كان أمينا عاما لحزب جبهة التحرير الوطني، فإن الفقيد عرف بحنكته الكبيرة في التسيير وإدارة المواقف السياسية على السواء وبتواضعه بين أوساط المناضلين كما كان خطيبا مفوها.