يسمونهم أشبال الحماية المدنية، ولعل هذه التسمية تنطبق على مجموعة من الاطفال المدربين على مواجهة الأخطار المحدقة بالإنسان.. يتعلق الأمر بتجربة انطلقت منذ 2003 لتشمل 14 ولاية تعمل على تكوين ما يفوق 500 شبل في الوقت الراهن، من بينهم 40 يتلقون تكوينا مفتوحا على مستوى المديرية العامة للحماية المدنية بالبليدة. من هم أشبال الحماية المدنية؟ وما هي مواصفات اختيارهم؟ "المساء" كانت لها فرصة الالتقاء ببعضهم وافتكاك بعض الحقائق منهم خلال زيارتها للصالون الدولي للطفل المنظم بقصر المعارض. عن دوافع تكوين أشبال الحماية المدنية حدثنا المكلف بالإعلام بالمديرية العامة للحماية المدنية بالبليدة والمكلف بالأشبال عادل الزغيمي، فقال إن هذا الأمر جاء استجابة لنتائج الدراسات الحديثة التي أثبتت أن الطفل كائن يتأثر ويؤثر في محيطه الأسري، المدرسي والاجتماعي ككل، وذلك عكس الدراسات التي كانت تنظر إليه على أنه عنصر متأثر ومكتسب فحسب. وتحدث الزغيمي عن أهداف هذا التكوين قائلا: "إنه ينصب في إطار التنمية المراد من خلالها إرساء التربية المدنية وغرس حس المواطنة لدى الطفل الجزائري، وكذا ثقافة الوقاية الجوارية التي يكون الطفل بموجبها سفيرا للحماية المدنية، وذلك بالموازاة مع تدعيم التربية وتشجيع المواهب الكامنة لدى الطفل". وعدّد نفس المصدر الشروط التي يتم على ضوئها اختيار المترشحين للاستفادة من التكوين الخاص بأشبال الحماية المدنية، فذكر أنه يشترط أن يكون المترشح من التلاميذ النجباء ويتمتع باللياقة البدنية وكذا حسن السيرة، وعمره يتراوح ما بين 8 سنوات و15 سنة. ويتلقن الأطفال الذين يستفيدون من التكوين بداية كيفية حماية الممتلكات والأشخاص من كافة الأخطار، انطلاقا من مبدأ أن أول طريق للحماية هو الوقاية، كما يتدربون على الإسعافات الأولية والحركات المنقذة، فضلا عن إعلامهم بمختلف الأخطار المتربصة بنا، والمتمثلة في 10 أخطار ذات طابع تكنولوجي وطبيعي بغرض إكسابهم ثقافة التحسيس والاتصال مع الغير. من جهة أخرى تحدثنا مع بعض الأشبال الذين يتلقون تكوينهم على مستوى المديرية العامة للحماية المدنية، فجمعنا هذه الانطباعات:
يستهويني الانضباط منذ سن الثامنة التحق نسيب محي الدين (10 سنوات) بالمديرية العامة للحماية المدنية للبليدة للاستفادة من التكوين.. وهو يقول: "شجعني أهلي على أن أكون شبلا من أشبال الحماية المدنية، باعتباري من التلاميذ النجباء، فكان لهم ذلك حيث استفدت منذ ثلاث سنوات من التكوين، كل يوم جمعة من الساعة الثالثة زوالا إلى الساعة الخامسة، وهو ما مكنني من تعلم طرق الإسعاف والإنقاذ" أما أفضل ما وفره التكوين لنسيب، هو الانضباط الذي يميز عمال سلك الحماية المدنية.. ورغم إعجابه بعالم الإنقاذ والإسعاف إلا أن طموحه يقوده إلى الحلم بممارسة مهنة قائد الطائرة.
حلم الطفولة العمل في قطاع الحماية المدنية كان أكثر ما حلمت به فريال طايبي (15 سنة) طالبة في السنة الأولى ثانوي، فجاءت تجربة تكوين أشبال الحماية المدنية لتمهد لها طريق تحقيق الحلم، وعندما باشرت التكوين الذي لقي ترحيب محيطها الأسري منذ ثلاث سنوات لم تكن تستسيغ بعض التعاليق التي استهدفتها بسبب الزي الخاص الذي ينبغي أن يرتديه كل شبل، مما كان يشعرها بالحرج. لكنها الآن تقول: "لقد تجاوزت هذا الإحساس وأعتز اليوم بانتمائي إلى قائمة أشبال الحماية المدنية، حيث تدربت على الإسعافات الأولية وطرق التصرف في حالة حصول الحادث". والأحب إلى قلبها تخبرنا فريال الروح الجماعية والانضباط اللذان يميزان عالم الحماية المدنية، ولهذا تتمنى أن تعمل مستقبلا في هذا القطاع.
أسعفت معلمة أغمي عليها! وإذا كانت فريال قد حلمت بولوج عالم الحماية منذ الصغر، فإن وسام درقاوي (12 سنة) لم ترق لها في البداية فكرة الترشح للاستفادة من التكوين الذي سمعت عنه والدتها لدى زيارتها لأحد معارض الحماية المدنية... لكن رأيها تحول بمجرد أن شاهدت الزي الخاص المصمم للأشبال، إذ سرعان ما أحبت مهنة الحماية المدنية بعد أن باشرت التكوين الذي يجمع بين الجانبين النظري والتطبيقي. وسام التي تطمح لأن تكون طبيبة في قطاع الحماية المدنية استطاعت ذات يوم أن تقدم الإسعافات الأولية اللازمة لمعلمة أغمي عليها. وجاء في التفاصيل أنها قامت بفتح أقفال ملابس المعلمة مع مراعاة إبعاد كل ما من شأنه أن يسبب الاختناق حتى لا تفقد الوعي. وتروي وسام: "فرحت كثيرا في اللحظة التي استفاقت فيها المعلمة.. وسرعان ما تهاطلت علي عبارات الشكر من طرف مدير المدرسة والمعلمين".
شاحنة الإطفاء كانت لعبتي المفضلة منذ سن الثالثة عشق محمد بحة (17 سنة) اللعب بشاحنات الإطفاء، وشاءت الصدفة أن يكون أحد جيرانه من رجال الإطفاء. حيث كان يصطحبه إلى الوحدة التي يعمل بها ويعرفه على عتادها الخاص. ويتذكر محمد: "عندما عرض علي جاري فكرة تلقي تكوين خاص بأشبال الحماية المدنية وافقت على الفور. لأني أحب بطبعي أن أساهم في عمليات الإسعاف والإنقاذ". ولعل أكثر حادثة تركت أثرا كبيرا في نفسه هي يوم تدخله لإسعاف شخص راح ضحية انفجار ناجم عن تسرب الغاز بالإكمالية التي كان يدرس بها. وأشار في هذا الإطار: "أبعدت كافة الأفراد المتجمهرين ثم درست وضعية الضحية، وعندما تأكدت بأن قلبه توقف عن الخفقان اتصلت بفرق الإنقاذ... والحقيقة أنهم أصبحوا يستنجدون بي كلما وقع حادث معين.. ولذلك أشعر بالفخر لأني أستطيع أن أقوم بما لا يمكن أن يقوم به زملائي وأمارس عملا نبيلا" ويرى محمد أن الناس يفتقرون عموما إلى ثقافة الإنقاذ، حيث يرتكبون أخطاء عندما يطرأ حادث لأنهم يجهلون كيفية التصرف لما يتعلق الأمر بإنقاذ ضحايا الحوادث.. أما هو فما يزال مصرا على أن يزاول مهنة رجل الحماية المدنية أو مهنة الدركي.. المهم هو أن لا يتخلى عن القبعة! وتبقى هذه التجربة أحد أهم أوجه استثمار الطاقة البشرية، خاصة وأنها تمهد الطريق لإرساء ثقافة الإسعافات الأولية وتعلم الحركات المنقذة من خلال تدريب الأطفال، الذين يصبحون بموجب هذا التكوين "سفراء" للحماية المدنية، باعتبارهم يمثلون الفئة الأكثر قدرة على تبليغ الرسالة، مما يدعو إلى التفاؤل بتكوين أجيال قادرة على تحمل المسؤولية.