نزل رئيس جمعية "الفجر" الوطنية لمساعدة مرضى السرطان، الدكتور الحاج مكراشي، ضيفا على منتدى "المساء"، تزامنا وفعاليات "أكتوبر الوردي"، حيث تعتزم الجمعية التي يرأسها إطلاق حملة تحسيسية في العديد من ولايات الوطن، وكشفية على مستوى ولاية البليدة، إذ ستكون السيدات على موعد مع الفحوصات بالمركز التجاري "فامليلي شوب" الذي يعد مقصدا لهن للسنة الثالثة على التوالي يوم 8 أكتوبر. كما شرح الطبيب الجراح واقع مريض السرطان في الجزائر ووصفه ب''المحارب"، وكذا طرق الوقاية والفحص المبكر وكيفية التعامل مع المرض ونفسية المريض، نقص الأدوية والمراكز وما له من تأثير سلبي في تماثل المريض للشفاء، إلى جانب تقديم مجموعة من النصائح للأصحاء من أجل الحفاظ على الكنز المكنون الذي وهبه الله تعالى لكل نفس بشرية، من خلال المراقبة والمتابعة واتباع نمط غذائي صحي أساسه العودة إلى المطبخ الجزائري الأصيل، الذي كان يصنع فيه الخبز الكامل بالخمائر الطبيعية، بعيدا عن المصنعات الكيمائية. مناشدا الفلاحين في نفس الوقت، الابتعاد عن استعمال الأسمدة القاتلة التي تعتبر سببا للعديد من السرطانات، في الوقت الذي تعمل الدول الغربية على العودة إلى الطبيعة، من خلال زراعة الخضر الخالية من الأسمدة والمواد الكيميائية. اختار الطبيب الجراح أن يبدأ حديثه بالتعريف بظروف ميلاد الجمعية، الذي يعود إلى سنوات الانفتاح السياسي والاجتماعي في الجزائر عام 1989، كونها أول جمعية اعتمدت مع طرف وزارة الداخلية لمساعدة المرضى، قائلا "تعد جمعية الفجر الوطنية الأولى التي أسست بهدف مساعدة مريض السرطان، وفكرة تأسيسها تعود إلى صديقتين فرقتهما ظروف الحياة، لتلتقيا من جديد في باريس من أجل علاج سرطان الثدي وسط مجموعة من الأحاسيس المتضاربة، منها الحنين والشوق للماضي الجميل، المرض، الغربة، الألم والدموع، حيث أصيبت إحداهن في الجهة اليمنى والأخرى باليسرى"، موضحا بالقول، إن العلاج وقتها لم يكن متاحا في الجزائر، بالتالي كان المرضى يقصدون أوروبا، خاصة فرنسا، للعلاج، وهناك ولدت فكرة تأسيس جمعية في أرض الوطن لمساعدة مرضى السرطان، خاصة أنه كان لدينا مركز واحد في مستشفى "مصطفى باشا"، يتكفل بعلاج المرضى بوسائل بدائية، وكان السرطان وقتها مرادفا للموت، فالعائلة كانت لا تتحدث عنه وتخفي سر موت أحد أفرادها به، حتى إعلاميا كان يطلق عليه اسم المرض المزمن أو العضال، فقد عمدت السيدتان إلى الاتصال بالمختصين في الأمراض السرطانية وكذا المرضى، ثم تكوين الجمعية. السرطان كان ولايزال"طابوها" أضاف الأخصائي أن مرض السرطان كان ولا يزال "طابوها"، مشيرا في السياق، إلى الدور الذي لعبته كل الجمعيات في سبيل محاربة السرطان، من خلال التوضيح بأنه داء يمكن الشفاء منه تماما، يقول "لقد عمدت جمعية الفجر من خلال العمليات التحسيسية التي قادتها لسنوات عبر الكثير من ولايات الوطن، وانطلاقا من البليدة التي تعد مركزها، إلى تعريف المواطنين بماهية المرض وخاصيته، أي ما هو السرطان؟ مع التأكيد على إمكانية الشفاء منه، إذا تم تشخيصه والتعرّف عليه مبكرا وعلاجه كما يجب، خلافا للأمراض المزمنة التي يمكن أن تكون لها مضاعفات، كالسكري الذي يتسبّب في القصور الكلوي، ففرص الشفاء منه كثيرة. مع التأكيد على أن الحذر منه واجب طيلة الحياة، لأن الإصابة به مرة والشفاء منه ليس معناه أنه لا يعود، وأول مكافحة له تتم عند تقبل الشخص للمرض وعزمه على علاجه، وهو ما عمدنا إلى ترسيخه لدى الأفراد لسنوات مضت". يشرح محدثنا "عمدنا إلى عرض تجارب لأشخاص تم شفاؤهم منه وحاولنا تغيير مفهوم "السرطان القاتل" والنظرة الهستيرية إليه. كما قمنا بشرح كل ما يتعلق بالمضاعفات الجانبية عند العلاج الإشعاعي، وهي التي يخشاها الكثير من الناس، على غرار سقوط الشعر، الإسهال وفقر الدم، وهذه المضاعفات التي تنتهي فور إكمال العلاج ويعود كل شي إلى نصابه". الأسرة لابد أن تلعب دورها أضاف الأخصائي حيال طريقة الرفع من معنويات المريض ومساعدته على تجاوز الأزمة، بعيدا عن نظرة الشفقة والمسكنة، وسط أجواء من الحب والحنان والثقة، أنّه يمكن أن يشفى، قائلا "هنا أود الإشارة إلى كم من مريض سرطان، أصبح أكثر صحة بعد العلاج الإشعاعي، وهذا مرده قوة الوازع الديني، إلى الجانب النفسي الذي يتسلح به، وكذا الدور الإيجابي الذي لابد أن تلعبه الأسرة مع مريضها، فالأسرة تعد الطبيب الأول والمعالج لمريضها". وأشار المتحدث إلى أن للمجتمع والعائلة دور مباشر في مساعدة المصاب بالسرطان على الخروج من الأزمة سريعا، فهناك نساء للأسف يتخلى أزواجهن عنهن، ولعل وقع هذا الأمر يفوق مرض السرطان، ولنا أن نتصور الحالة التي تمر بها المرأة التي يتركها زوجها في المستشفى تعاني الأمرين، ولا يعود لاصطحابها إلى البيت، فعند تخلي الأسرة عن المريض "يتمنى الموت بعد أن يهزم نفسيا وتغيب عنه فرص المقاومة". العامل النفسي يضمن 80 بالمائة من العلاج يستطرد الجراح عارضا الحالات التي لابد أن يقتدى بها قائلا "أود الإشارة إلى النوع الثاني من الأزواج المخلصين الطيبين، الذين يبقون إلى جانب زوجاتهم ويعاملوهن بكل رحمة، وهو ما يقوّي من عزيمتهن في سبيل مواجهة الداء، فقد صادفت في مساري المهني أزواجا يبكون بسبب تألم زوجاتهم، فالمرأة إذا لاحظت أن زوجها قبِل المرض، فإنها ستقبله بدورها، وإذا رفضه تتحطّم المسكينة ولا ينفع معها علاج، إلا في حالات خاصة تتمثل في السيدات اللواتي يتمتعن بوازع ديني وقوة إيمانية". أوضح الدكتور أن الدراسات أثبتت أن من لا يستسلم للمرض يشفى منه، وهناك أمثلة رائعة عن أشخاص يتمتعون بقوة نفسية فولاذية، مثل رئيس جمعية بشلالة العذاورة الذي تحدى السرطان وقال "لدي قوة ويقين بالله، أن السرطان لن يقتلني"، وفضل العيش بدون رجل على أن يموت به، فقوة الاعتقاد محفزة، والعامل النفسي مهم قبل العلاجات الأخرى، وهو يمثل 80 بالمئة من العلاج، وهناك مثال آخر لسيدة خضعت لعملية استئصال الثدي ثلاث مرات، إلا أنها لم تتخل يوما عن واجباتها وتعيش حياتها بطريقة عادية وتتميز بقوة حديدية، حيث قالت "الأجل هو الذي يقود إلى الحد وليس السرطان". أضاف الأخصائي عارضا حالة أخرى لسيدة تقاوم ثلاثة سرطانات في جسمها، ولم تهزمها، حيث وصفها بالقوية جدا قائلا "هناك جزائرية مقيمة في باريس، مصابة بسرطانات مختلفة، وهي من رواد الجمعية وناشطة في مجال محاربة السرطان، هي الآن ستينية وجدة، والناظر إليها لا يمكن في أي حال من الأحوال، أن يخمن عمرها، فهي تتبع نمطا غذائيا جيدا وتمارس الرياضة وترفض الموت، بالتالي قهرت السرطانات، وتحاضر للرفع من معنويات المرضى، وقال بشأنها "نتمنى أن يحذو المرضى حذوها، وشخصيا أرى أنه إذا كانت هناك إرادة، سيكون الشفاء، فالجزائر استقلت بعقيدة أبنائها بعد أكثر من قرن من الاستدمار".