واجهت الثورة الجزائرية منذ انطلاقة الشعلة النوفمبرية الأولى (01 / 11 / 1954)، العديد من المشاكل السياسية والإيديولوجية والمذهبية المترتبة عن الخلافات بين زعماء الأحزاب ورؤساء الجمعيات والمنظمات التي ظهرت بين الحربين العالميتين الأولى (1914 1918م) والثانية (1939- 1945م)، والتي كانت لها انعكاسات مؤثرة على مختلف مناحي التحضير لثورة التحرير المجيدة، خاصة ما تعلق بمجالات التموين والتسليح الذي عرف العديد من التعقيدات المتفاوتة بين مناطق الوطن، التي اختلفت إستراتيجيتها الثورية من منطقة وولاية إلى منطقة وولاية أخرى. وقد كان ذلك النجاح المتميز الذي حققته الولاية التاريخية الأولى (أوراس النمامشة) مهد ثورة التحرير المباركة، بإشراف القائد الرمز محرك حرب التحرير الشهيد مصطفى بن بولعيد (1917-1956) رئيس خلية الأوراس المتفرعة من المنظمة السرية "o s« (1946)، والذي واصل نضاله الثوري بجمع وشراء السلاح من ماله الخاص من الجنود الألمان داخل الوطن، ومن الخارج (ليبيا وتونس) المتمثلة في تلك البقايا التي تركتها القوات الإيطالية غداة حرب دول التحالف ودول المحور (1942). الشيء نفسه قام به رفيق دربه في النضال والجهاد والاستشهاد عباس لغرور (1926-1957م)، الذي طلب حقه في الميراث من والده وهو على قيد الحياة فاستجاب لطلبه بمنحه قطعة أرض كبيرة وأعداد من الأغنام والمعز والخيل، فأقبل على بيعها عام (1953) من أجل دعم مسار الثورة بالمال وشراء السلاح. ذلك الموضوع متعدد الجوانب والخلفيات المغيّبة لدى الباحثين والكتّاب والمهتمين بقضايا التمويل والتسليح والتموين، وتضحيات فصائل وكتائب وفرق نقل الأسلحة والذخيرة عبر الحدود، وما لحق بهم من معاناة ومخاطر عسكرية وسياسية (اغتيال اعتقال انتقام إبعاد ...) بعد ذلك النجاح التاريخي الذي لم تتمكن الترسانة الاستعمارية (قوات برية، جوية، بحرية، سلاح مخازن الحلف الأطلسي) من إخمادها أو التضييق عليها، خاصة وأنها جندت لها أكثر من (850 ألف عسكري منها 600 ألف منهم متخصصون في حرب العصابات) قادمين من (حرب الأندوشين) يضاف إليهم ما يتجاوز 1.5 مليون من الحركي والقومية والعملاء المهيكلين في القوات الاستعمارية الفرنسية، وأكثر من 2.5 مليون من الكولون المعمّرين المثبتين فوق الأراضي الجزائرية (1830م) من أجل مواجهة 1200 مجاهد فجر نوفمبر 1954، قبل أن يزيد عدد المناضلين المتطوعين للجهاد من أجل النّصر والاستشهاد إلى 3000 مجاهد عام 1955، وفي عام 1956 وصل العدد إلى 40000 ألف مجاهد، وأكثر من 100.000 مجاهد عام 1958، ليصل العدد إلى 130.000 ألف عام 1959، وألحق بتلك القوافل من المجاهدين أكثر من 11000 ألف إمرأة مجاهدة 80 % منهنّ من القرى والبوادي و 20% من المدن والحواضر. في ذلك الفضاء الحربي غير المتكافئ عملت كتائب وفصائل تمرير السلاح والمناضلين المجاهدين المجندين عبر مختلف منافذ الحدود الجزائريةالتونسية ومسالكها الوعرة وطبيعة جبالها القاسية التي تتطلب قوة إيمانية صلبة ونفسية وجسدية قوية، وحيطة وحذر من صواعق الخطوط المكهربة ( شال وموريس) المدمرة المتمثلة في 3 ملايين لغم وخطوط ضغط عال يتراوح بين 6000 و8000 فولت، و5000 عسكري، وغيرها من مختلف وسائل الحرب والدمار البري والجوي والتخابر السري. إلى تلك الفرق العاملة في مجال إيصال السلاح والذخيرة ومختلف ملتزمات الثورة (تونس أوراس النمامشة) التي ينتمي الحاج أحمد نواصر، وغيره من قوافل المجاهدين والشهداء وغيرهم من الذين مازالت تضحياتهم ومواقفهم غير معروفة. ولد الحاج أحمد نواصر، عام 1921 بدوار تامزة عرش بني عمران بلدية جلال بين النمامشة وبني معافة، كانت طفولته على عادة عهد أجداده بداية بحفظ ما تيسر من القرآن الكريم بجامع القرية الذي يشرف عليه الشيخ الطاهر بن الحسين (كفيف البصر)، أحد جوامع مشايخ أولاد عمران المتواجدة في العديد من ولايات الجزائر (خنشلة، الطارف، جيجل، البويرة، تيزي وزو، بومرداس، عين الدفلى، المدية...). كان الحاج أحمد نواصر ضمن إحد البعثات إلى الزاوية البكرية بتونس (سبعة رقود) باب لقواس، إحدى روافد جامع الزيتونة، بعد أن قضى مدة بالزاوية الحملاوية (وادي سقين ولاية ميلة)، حاول التملّص من الخدمة العسكرية الإجبارية قبل أن يزج به في الحرب العالمية الثانية (1939-1945م). بدأ حياته العملية (1942) تاجرا متنقلا قبل أن ينتقل إلى تونس العاصمة (1948)، حيث واصل عمله التجاري والنضالي والسياسي، انخرط في ودادية الجزائريين المقيمين بتونس، وكان على اتصال مستمر وعلاقات خاصة بأعضاء من المنظمة السرية ونشطاء اللجنة الثورية للوحدة والعمل وحركة انتصار الحريات الديمقراطية، ومجموعة مصطفى بن بولعيد، المكلّفة بجمع الأموال وشراء السلاح تحضيرا لثورة التحرير المباركة. كما كان الحاج أحمد نواصر، من المناضلين المساعدين الأوائل بالنفس والمال واضعا محلاته الستة تحت تصرف جبهة التحرير الوطني، التي اتخذتها مكاتب وملاحق، بل مخازن للأسلحة والذخيرة وجميع ما جادت به الجالية الجزائرية، بعد اندلاع ثورة التحرير (1 / 11 / 1954). تخلى الحاج أحمد نواصر، عن النشاط التجاري لينخرط في العمل الثوري بجمع المال والسلاح وإيصال الرسائل ونقل الأسلحة الخفيفة وتجنيد الشباب منهم أخوه العقيد بلقاسم (1933 2018م) كربادو، بن جدو ومبروكي.. وغيرهم من المناضلين المجندين بتونس، لإلحاقهم بصفوف جيش التحرير الوطني داخل الولاية التاريخية، وقواعدها الخلفية بالقرى والمداشر الحدودية الجزائريةالتونسية. ونظرا لخبرته ومعرفته الجيدة بمختلف منافذ الحدود الشرقية للولاية التاريخية الأولى، واتصالاته بمختلف التركيبات الاجتماعية بالمناطق الحدودية الجزائريةالتونسية، وكذلك قربه وملازمته لبعض قادة المناطق الثورية خاصة المجاهد الشهيد إبراهيم عثماني (1928-1957م) المدعو "التجاني" الذي أمر بإلحاقه عام 1956 بأفراد الكتيبة المكلفة بإيصال الأسلحة والعتاد الحربي ومختلف حاجيات التموين، وكذا الأفراد المناضلين المجندين في صفوف جيش التحرير الوطني، والتحاقهم بمراكز ومناطق القيادات داخل الوطن (راس الحورية، القلعة، جلال، المحمل، الجرف، تامزه، غابة البراجة، خيران، ششار، غابة المصارة...) القادمين من المناطق التونسية (الكاف، فريانة، سليانة..) نحو الولاية التاريخية الأولى أوراس النمامشة. تلك المهمة الخطيرة والمعقّدة التي حملت أمانتها ومسؤوليتها فئة قليلة من المجاهدين خاصة رغم ما تتطلبه من الحيطة والحذر لقساوة المناطق الجبلية الوعرة التي كثيرا ما يفرض واقعها حمل أثقال الأسلحة والذخيرة على الأكتاف والأعناق ولمسافات طويلة تتطلب قوة إيمانية ونفسية عالية لمقاومة خطر الخطوط المكهربة (شال وموريس) وحواجزها المدمرة التي لن ينجو منها إلا واحد من عشرة(1/10). يضاف إلى ذلك بعض المشاكل التي واجهتها كتائب وفصائل نقل الأسلحة والذخيرة وكل ما يتعلق بالإمداد الحربي خاصة وأن عدد المجاهدين المجندين راح يتزايد من يوم لآخر في صفوف جيش التحرير الوطني، والذي كان دائما في حاجة إلى أسلحة وذخيرة لمواصلة الكفاح المسلّح واستمرارية الثورة المجيدة، مما أحدث خللا في حماية مسار القوافل وكتائب نقل السلاح وحراستها من هجمات وكمائن القوات العسكرية الاستعمارية التي كثيرا ما كانت على علم بتحرك القوافل على الحدود التونسية ومناطق الولاية التاريخية الأولى، مما أدى بقافلة الكتيبة التي ينشط فيها الحاج أحمد نواصر، المتكونة من أكثر من 300 مجاهد والقادمة من تونس محمّلة بالأسلحة والذخيرة إلى أن تقع في كمين لعساكر الاستعمار تحول إلى معركة كبري يوم 17 فيفري 1957 المعروفة ب«معركة تاوونت" التي جرت أحداثها بجبل دوار "على الناس" بقيادة المجاهد الشهيد بلقاسم قمعون وعمار السوفي. ذلك الكمين أو تلك المعركة التاريخية التي جندت لها القوات الاستعمارية الفرنسية أكثر من 500 عسكري، 10 دبابات، 5 طائرات مقنبلة لمواجهة أحد أفواج القافلة المتكون من 175 مجاهدا بداية من منتصف نهار يوم 17 فيفري 1957 إلى منتصف ليل نفس اليوم، وقد أسفرت عن قتل أكثر من 100 عسكري فرنسي وعدد كبير من الجرحى، في حين سقط من جيش التحرير الوطني 58 شهيدا، وغنم عددا هاما من الأسلحة. وقد خرج الحاج أحمد نواصر، ورفاق الجهاد (بلقاسم عراب، عمار مسعودي، صالح مباركي، الهاشمي بوزيد....) سالمين وغيرهم من أفراد الكتيبة المكلّفة بنقل الأسلحة ووصلوا بالمجاهدين من الحدود التونسية إلى مناطق الولاية التاريخية الأولى (أوراس النمامشة)، ليواصل هو عمله الثوري بمسالك ومنافذ أخرى وفق التنظيم الجديد الذي ظهر مع تأسيس الحكومة المؤقتة الأولى (1958-1960م)، وظهور وزارة التسليح والتموين (الوزير محمود الشريف)، التي تحولت مع التغيير الثاني والثالث للحكومة المؤقتة (1961-1962م) إلى وزارة التسليح والاتصالات العامة (الوزير عبد الحفيظ بوصوف سي مبروك) الذي أنشأ مديرية خاصة تكلف بمختلف عمليات التسليح والتموين عبر كل حدود الوطن. كما واصل الحاج أحمد نواصر، نضاله وجهاده بالمنطقة الثانية إلى يوم النصر (19 مارس) وعيد الاستقلال (5 جويلية 1962)، ليلتحق بالقيادة العسكرية العامة بمدينة قسنطينة، إلى عام 1963 حيث توجه نحو الجزائر العاصمة ليشتغل في ورشة الخياطة للشرطة الجزائرية من 1963 إلى 1965 قبل أن يفتح مقهى، وبذلك يعود الحاج أحمد نواصر، للنشاط التجاري بشوفالي ثم باب الزوار، ويبقى على عادة أجداده بمواصلة العمل الخيري في مساعدة الأيتام والمحتاجين والصلح بين المتخاصمين ملتزما بعهد المجاهدين والشهداء إلى أن كان له موعد مع القدر (4 / 01 / 2017) بمقبرة العالية فرحم الله شهداء الوطن. عمر بن عيشة (باحث في التاريخ المقدس الشعبي)