* email * facebook * twitter * google+ ما حدث في مسيرة الجمعة الثامنة من الحراك الشعبي يطرح سؤالا جوهريا حول «من يريد تكسير الحراك؟». فرغم أن المسيرات في كل ولايات الوطن وعلى رأسها العاصمة كانت مثل سابقاتها «سلمية» وعرفت خروج عائلات بأكملها للمشاركة فيها، فإن تسجيل مصابين من المواطنين وأفراد الأمن، وتعرض بعض الأطراف لصحفيين تابعين لقنوات أجنبية وإعلان قوات الأمن عن ضبط أجانب يخططون لتوتير المسيرات، يؤكد وجود نية لتكسير هذا الحراك الشعبي الفريد من نوعه. ففي الوقت التي أظهرت فيه الجماهير الغفيرة التي خرجت للهتاف بمطالبها السياسية وعيا ومستوى عال من الفطنة والحكمة، وفي الوقت الذي واصل فيه أفراد الأمن مرافقتهم السلسة للمسيرات، تفاجأ الجزائريون ببعض الصور ومقاطع الفيديو التي أظهرت إطلاقا للغازات المسيلة للدموع، وكذا بعض الاشتباكات بين أفراد الشرطة وبعض الشباب في نهاية المسيرات. وما يدفع إلى التساؤل هذه المرة أكثر من السابق هو ارتفاع عدد المصابين من الجانبين، ففي حين لا نملك أرقاما واضحة عن الإصابات وسط المواطنين فإن عدد المصابين في صفوف الشرطة وصل حسب بيانات المديرية العامة للأمن الوطني إلى 83 مصابا من بينهم 4 في حالة خطيرة، قال بيان المديرية إنهم أصيبوا إثر اعتداءات من قبل «منحرفين مندسين في مسيرات يوم الجمعة» وتم على إثرها توقيف 180 شخصا. وقام المدير العام للأمن الوطني عبد القادر قارة بوهدبة، مساء الجمعة، رفقة والي العاصمة عبد القادر زوخ، بزيارة للمستشفى المركزي للأمن الوطني (ليغليسين)، للإطمئنان على الحالة الصحية لعناصر الشرطة الذين أصيبوا بجروح متفاوتة الخطورة. وحسب المعلومات الصادرة عن المديرية العامة للأمن الوطني فإن «التحريات متواصلة من قبل مصالح الشرطة التي تحوز على صور وتسجيلات فيديو قيد الاستغلال، لتحديد هوية المتسببين الآخرين في أعمال الشغب لتوقيفهم وتقديمهم أمام الجهات القضائية». بالمقابل تم نشر صور وفيديوهات و معلومات تتحدث عن استعمال أفراد الأمن للغاز المسيل للدموع وللرصاص المطاطي تسبب في وقوع إصابات وسط المتظاهرين. وتم اتهام قوات مكافحة الشغب برمي المتظاهرين داخل النفق الجامعي بالغاز المسيل للدموع، وهو ما نفته المديرية العامة للأمن الوطني، مؤكدة أن أفراد الشرطة لايمكنهم استعمال الغازات المسيلة للدموع «بتاتا» في «الأماكن المغلقة»، وأوضحت أن قوات الشرطة «اعترضت مجموعة من المتظاهرين الذين تحول سلوكهم فجأة إلى سلوك عدواني على مستوى النفق الجامعي، حيث كانوا بصدد استعمال الشماريخ والألعاب النارية، وبعد ملاحقتهم وتوقيف بعضهم لجأ البعض الآخر قبل توقيفهم هم كذلك إلى انتهاج سلوك انتقامي بحرق مركبة تابعة للأمن الوطني وتخريب بعض المركبات التابعة للخواص». ودعت أحزاب وشخصيات أمس، إلى تجنب الانزلاق نحو العنف محذّرة من عواقب مثل هذا التوجه. وكانت المديرية العامة للأمن الوطني في بيان لها أول أمس، قد أعلنت عن توقيف «أجانب» كانوا يخططون «لإذكاء التوترات» ودفع الشباب للجوء إلى «أنماط متطرفة في التعبير» خلال المسيرات، وتحدث البيان عن تحديد هوية هؤلاء الأجانب، بل وتوقيفهم والكشف عن مخططاتهم، كما كشف البيان أن البعض ممن تم توقيفهم كانوا يحوزون «تجهيزات حساسة» و»عقاقير مهلوسة بكميات معتبرة». هذا الإعلان خلف تعليقات كثيرة تطالب بالكشف عن هويات هؤلاء «الأجانب» لاسيما بعد أن أكدت مصالح الجيش الوطني الشعبي بدورها توقيف «مجموعة إرهابية مدججة بالأسلحة والذخيرة»، كانت تخطط للقيام بأعمال إجرامية ضد المواطنين، مستغلة الكثافة البشرية الناجمة عن التعبئة الشعبية في المسيرات، بل أن التحريات المنجزة سمحت بالتوصل وفقا لمصالح الجيش إلى أن بعض الأسلحة التي كان يحوزها هؤلاء المجرمين «تم استعمالها في جرائم اغتيال في حق بعض منتسبي مصالح الأمن خلال العشرية السوداء». وكان نائب وزير الدفاع الوطني رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أحمد قايد صالح، قد نبّه من خطورة محاولات من وصفهم ب»بعض الأطراف الأجنبية» و»الأطراف المشبوهة»، لضرب استقرار البلاد وزرع الفتنة بين أبناء الشعب الواحد في خطاب ألقاه خلال زيارته الأخيرة لوهران. وأشار إلى أن هدف هؤلاء هو الوصول إلى «إعلان الحالة الاستثنائية» وهو ما يرفضه الجيش كما أوضح. وتظهر هذه التطورات الأخيرة عودة الحديث عن محاولة اختراق المسيرات من طرف «الأيادي الأجنبية»، وكذا «المجموعات الإرهابية» يضاف إليهم تسجيل تواجد «بعض الجانحين والأشخاص المغرضين» والناشطين بين «جماعات إجرامية» بين المتظاهرين، ممن حاولوا «بيع ممنوعات أو سرقة المواطنين وحتى التحرش بهم أو الاعتداء عليهم». هؤلاء تفطن المواطنون لتواجدهم منذ بدايات المسيرات وعملوا على الإبلاغ عنهم ونشر صورهم في وسائل التواصل الاجتماعي للتحذير منهم ومن نواياهم السيئة، لاسيما بعد تسجيل محاولات سرقة للهواتف وكذا محاولات اعتداء وحتى تحرش. وفي مثل هذا الوضع، فان اليقظة والحذر يبقيان الوسيلة الأمثل للحفاظ على أمن المواطنين وأفراد الأمن معا،لان المسيرات التي كانت مثالية في تنظيمها وفي سيرها منذ بدايتها في 22 فيفري الماضي، أصبحت مصدر إزعاج للبعض ممن لا يحبون الخير للجزائر وممن يرغبون في تحويلها عن مسارها السلمي المتحضر.