* email * facebook * twitter * linkedin تقدم منشورات "البرزخ" في الجزائر إصدارين شعريين، احتفاء بالذكرى الحادية عشر لرحيل الشاعر الكبير محمود درويش، ويمثل العملان تجربة محمود درويش عن كثب، من حيث المختارات المقدمة بالفرنسية والعربية. تضع منشورات "البرزخ" القارئ الجزائري باللغتين العربية والفرنسية أمام وجبة درويشية نادرة، منتقاة بعيني شاعرين ومترجمين كبيرين، هما الفلسطيني إلياس صنبر والمغربي عبد اللطيف اللعبي اللذين اختارا عددا من القصائد التي أحدث صدورها صدى في الذاكرة القرائية الشعرية، مازال مستمرا منذ عقود. يقترب الكتاب الأول، وهو انطولوجيا شعرية بعنوانه "rien qu'une autre année" المأخوذ عن قصيدة "سنة أخرى فقط"، من تجربة الشاعر بين سنتي 1966 و1982، تضم تسعة دواوين شعرية اختارها المترجم عبد اللطيف اللعبي لينقلها إلى اللغة الفرنسية. افتتحت الأنطولوجيا بقصائد من ديوان "عاشق من فلسطين" (1966)، وهي الغنائيات الأولى لمحمود درويش التي عرف من خلالها القارئ العربي قصيدة "إلى أمي"، وقصائد عن "عشق قديم"، وغيرها من النصوص الشعرية التي رسمت مولد الشاعر في العالم العربي. اختار اللعبي ست قصائد من ثاني دواوين درويش "آخر الليل" (1967) الذي صدر محملا بالهم السياسي والنكسة، فنقل قصيدة "ريتا والبندقية" بما تحمل من شجن وأسئلة عشق وغضب وانكسار وقصيدة "المستحيل" التي تستلهم من الواقع آنذاك وغيرها من النصوص. كانت المجموعة الشعرية الثالثة "العصافير تموت في الجليل" (1970) أكثر حضورا في الإصدار بتسع قصائد، وهي المجموعة التي شهدت تحولا في شعرية درويش، وحملت النصوص المحفورة في الوعي الشعري العربي، على غرار "مطر ناعم في خريف بعيد" و«ريتا... أحبيني" و«سقوط القمر" وغيرها من الأشعار التي تنتصر للحب والإنسان ولا تتخلى عن مساءلة الظلم والطغيان. من ديوان "حبيبتي تنهض من نومها" (1970)، اختار المترجم ثلاثة نصوص، أبرزها "جواز سفر" التي غناها مارسيل خليفة و«يوميات جرح فلسطيني" التي أهداها الشاعر لفدوى طوقان وعاد فيها لأوجاع النكسة سنة 1967، و«كتابة على ضوء البندقية" وهي القصيدة السردية بامتياز حيث توجد حكاية وأبطال ودراما. من مجموعة "أحبك أو لا أحبك" (1972) ترجم اللعبي قصائد مختارة "مزامير" و«عازف الغيثار المتجول" و«مرة أخرى" و«عابر سبيل" والقصيدة الشهيرة "سرحان يشرب القهوة في الكافتيريا" التي يتقمص فيها سرحان سيرة ممكنة لكل فلسطيني. من "محاولة رقم 7" (1975)، اختار المترجم "كأني أحبك" و«الخروج من ساحل المتوسط" و«النهر غريب وأنت حبيبتي" و«طوبى لشيء لم يصل"، وهو ديوان رمزي في مسار درويش، حيث اختار له عنوانا يوحي بمراجعته لتجربته السابقة، كما أنه مهد لتجربة مختلفة على رأسها ديوان "أعراس" 1977 الذي قدمت منه الأنطولوجيا سبع قصائد. افتتح المترجم مختارات مجموعة "أعراس" بقصيدة عنوانها "أعراس"، وضمنها "كان ما سوف يكون" و«هكذا قالت الشجرة المهملة" و«الحديقة النائمة" والرائعة "قصيدة الأرض"، وقصيدة "أحمد الزعتر" التي قرأت حصار "مخيم تل الزعتر" في لبنان ومقتل وتشريد آلاف الفلسطينيين بصوت الشعر. قدم المترجم القصائد والدواوين المطولة "أقبية، أندلسية، صحراء" 1978 و«قصيدة بيروت" 1981 التي خلدت في الذاكرة "بيروت خيمتنا بيروت نجمتنا"، و«سنة أخرى فقط" 1982، التي يستجدي فيها الزمن مكتفيا بما تبقى من رفاق ليعيش مكثفا. يعد مترجم نصوص الأنطولوجيا الشعرية "سنة أخرى فقط" عبد اللطيف اللعبي (1942)، اسما مرموقا في عالم الأدب، صدرت له الكثير من الأعمال الأدبية وترجم الكثير من الأدب العربي، سبق أن حاز جائزة الغونكور الفرنسية سنة 2010. في الإصدار الثاني الذي يكاد يكون جزءا ثانيا غير معلن، يقترح المترجم الياس صنبر سبعة دواوين ومطولات، تمثل تجربة محمود درويش منذ عام 1992 إلى غاية 2005، وهي أنطولوجيا باللّغتين العربية والفرنسية، صدر لها فاروق مردم بك، معتبرا أن كل عمل من المختارات "اعتبر لدى صدوره كعمل كبير وإضافة مهمة في تاريخ الشعرية العربية". ترجم صنبر من "أحد عشر كوكبا" اثني عشر نصا وترجم "خطبة الهندي الأحمر ما قبل الأخير أمام الرجل الأبيض"، وست قصائد من ديوان "لماذا تركت الحصان وحيدا"، وأربع قصائد من "سرير الغريبة"، بالإضافة إلى مقطع من "جدارية" وحالة حصار" وتسع قصائد من "لا تعتذر عما فعلت" وست قصائد من "كزهر اللوز أو أبعد". يعتبر إلياس صنبر (1947) أحد أبرز مترجمي محمود درويش، وقد اشتهرت ترجماته لدى المتلقي الفرانكفوني، سمحت له بالاقتراب من عوالم درويش، وهو مؤرخ وشاعر ودبلوماسي فلسطيني. توفي محمود درويش في 9 أوت 2008، إثر عملية جراحية في هوستن الأمريكية، وما زال يعتبر أحد أبرز الأصوات الشعرية في العالم في القرن العشرين، عاش متنقلا بين العديد من عواصم العالم، حاملا ذاكرته المجروحة وقلبه الموجوع والكثير من القصائد الحالمة والقاتمة والمضيئة في آن واحد.