تعرف عملية اكتتاب التوقيعات للترشح للانتخابات الرئاسية القادمة تباينا كبيرا بين الراغبين في خوض المعترك الرئاسي، فإذا كان المنتسبون لأحزاب سياسية أو الذين نالوا دعم الأحزاب الممثلة في المجالس المنتخبة في راحة من أمرهم، فإن المترشحين الأحرار أو رؤساء التشكيلات المسماة "الصغيرة" دخلوا مرحلة السباق ضد الساعة لاجتياز أول امتحان قبل إعلان الترشح. مع إعلان المجلس الدستوري تاريخ ال23 من الشهر الجاري كآخر اجل لتسلم التوقيعات يكون المترشحون قد دخلوا مرحلة مهمة في السعي وراء اجتياز اول امتحان في مسعى خوض الانتخابات الرئاسية، ففي الوقت الذي يجد فيه البعض نفسه مرتاحا للعملية بعد تعبيد الطريق أمامه بالنظر الى حجم الدعم الذي يحظى به من المنتخبين المحليين فإن البعض الآخر يرى مرحلة جمع التوقيعات العملية الأصعب في مسار رؤية اسمه ضمن القائمة التي سيعلن عنها المجلس الدستوري لدى دراسته لملف الترشح الذي من بين ما يتضمنه التوقيعات. ففي انتخابات 2004 عبر 42 مترشحا عن نيتهم في الترشح لكن "عقبة" التوقيعات لم يجتزها سوى ستة مترشحين كلهم تلقوا دعما من قاعدة حزبية وشعبية. ونفس السيناريو تعيشه اليوم الساحة الوطنية حتى وإن كان عدد الذين أعلنوا نيتهم الترشح لم يتجاوز العشرين إلى حد الآن، ولكن تبقى عملية جمع التوقيعات تمثل هاجسا لغالبيتهم إلى درجة أن البعض يحجم عن الحديث عن المدى الذي بلغته العملية كما كان الحال مع السيد فوزي رباعين الذي رفض تقديم اية معلومات حول الموضوع، واكتفى لما سألته "المساء" أمس عن المستوى الذي بلغته العملية بالنسبة اليه بالتعهد بتنشيط ندوة صحفية للكشف عن تفاصيل حملة اكتتاب التوقيعات. وللإشارة فإن المترشح للرئاسيات مطالب بجمع 75 ألف توقيع للمواطنين او 600 توقيع للمنتخبين في 25 ولاية. كما أن الصورة بدأت تتضح شيئا فشيئا بخصوص الأسماء المحتملة لخوض الرئاسيات القادمة، وقائمة المترشحين بدأت معالمها ترسم على ضوء معطيات ميدانية متعلقة بمدى تقدم جمع التوقيعات، فالرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي قد يعلن عن ترشحه غدا الخميس قد حسم مساندوه أمر جمع التوقيعات حتى قبل ان يعبر عن رغبته في التقدم للتنافس من اجل الفوز بعهدة رئاسية ثالثة ويعود ذلك الى "الآلة الانتخابية" التي تدعمه والمشكلة من أحزاب التحالف الرئاسي بالإضافة الى منظمات المجتمع المدني، وتؤكد التشكيلات السياسية الثلاث للتحالف أن أصوات منتخبيها لن تذهب سوى للسيد عبد العزيز بوتفليقة وذهب البعض الى القول إنها ستكون حكرا له دون غيره. وينتسب الى أحزاب التحالف بالإضافة الى كتلة الأحرار قرابة 500 عضو بالبرلمان بغرفتيه. وأسرت مصادر من حزب جبهة التحرير الوطني، امس، أن جميع ممثلي الأفلان بالبرلمان سلموا توقيعاتهم لقيادة الحزب، وأن جميع المحافظات تلقت توقيعات المنتخبين المحليين للحزب المقدر عددهم ب4201 مقعد، وأنهم ينتظرون فقط اعلان السيد بوتفليقة ترشحه وتنصيبه لمديرية الحملة لتسليم تلك التوقيعات، وأضاف المصدر أن عملية جمع توقيعات المواطنين عرفت هي الأخرى تقدما كبيرا وأن الهدف هو جمع اكبر عدد ممكن من التوقيعات وتجاوز العدد المعلن عنه في انتخابات أفريل 2004 وهو 1.5 مليون توقيع. ونفس الترتيبات اتخذها التجمع الوطني الديمقراطي الذي ضمن جمع قرابة 100 توقيع لأعضاء ينتسبون للحزب بالبرلمان بغرفتيه، وأكد عضو في المكتب الوطني للارندي رفض الكشف عن هويته أن توقيعات كل النواب وصلت الى المقر المركزي للحزب، وأن المكاتب الولائية تكفلت بعملية جمع توقيعات المنتخبين المحليين المقدر عددهم بأكثر من 3400 منتخب. وبلغت السيدة لويزة حنون التي من المقرر أن تعلن ترشحها نهاية هذا الأسبوع في اجتماع للجنة المركزية للحزب مرحلة مهمة في السعي نحو التقدم للرئاسيات لثاني مرة على التوالي، وذكر نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني والعضو القيادي في الحزب السيد رمضان تاعزيبت ل"المساء" امس أن اللجنة المكلفة بجمع التوقيعات تجاوزت الحد المطلوب وهو 75 الف توقيع للمواطنين و600 توقيع للمنتخبين وأن العملية متواصلة الى غاية انتهاء آجال التسليم الى المجلس الدستوري. اما السيد موسى تواتي رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية الذي فشل سنة 2004 في امتحان جمع التوقيعات فقد كان أول من أعلن عن نجاحه في تجاوز النصاب المحدد قانونا وذكر قبل اسبوعين انه تمكن من جمع 95 الف توقيع للمواطنين و1500 توقيع للمنتخبين. وفي خضم وضوح الرؤية حول هذه الأسماء الثلاثة فإن الأنظار ستتجه الى السفير الأسبق السيد محمد السعيد وكذا رئيس حزب عهد54 السيد فوزي رباعين. فالأول الذي رفع تحدي الترشح، مطالب بجمع 75 الف توقيع للمواطنين باعتبار أنه من الصعب أن يقنع المنتخبين المحليين بمنحه صوتهم مادام أن كل واحد منهم قد اختار وجهته مسبقا، وأمام صعوبة المهمة تحدث السيد محمد السعيد اول امس للقناة الاذاعية الاولى عن عراقيل إدارية، وأخرى تتعلق بعزوف المواطن عن منح توقيعه من منطلق اتساع الهوة بينه وبين ممارسة السياسة، وهذا ما يجعل رحلة البحث عن الدعم الشعبي امتحانا عسيرا بالنسبة له. كما أن السيد فوزي رباعين الذي ترشح سنة 2004 سيكون تحت الضغط خلال الأيام المتبقية لعملية جمع التوقيعات وسيكون مطالب أكثر من أي مترشح آخر بإثبات أحقيته في الترشح بناء على تجربته السابقة. وفي الجهة المقابلة يعاني المترشحون الأحرار ورؤساء الاحزاب المسماة الصغيرة من "التيهان" وسط إجراءات إدارية قد لا يجدونها بالسهولة التي يتصورنها، وغياب قاعدة شعبية تسهل لهم العملية، وإذا نجح أي واحد منهم في جمع التوقيعات فسيكون ذلك من قبيل المفاجأة.