قطع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الشك باليقين إزاء الجدل المثار بخصوص اعتماد مرجعية بيان أول نوفمبر 1954، في سياسات الدولة على ضوء الحديث عن مشروع تعديل الدستور، وما تبعه من قراءات متباينة من قبل تشكيلات سياسية عبّرت عنها خلال جولات النقاش التي كان الغرض منها استحداث توجه توافقي لهذا المشروع، الذي صادق عليه مجلس الوزراء في اجتماعه الدوري قبل عرضه على البرلمان. وإذ حرص رئيس الجمهورية، خلال هذه الاجتماع المخصص لمناقشة مشروع تعديل الدستور، على ضرورة وضع الأسس القانونية الدائمة للجزائر الديمقراطية الجديدة، بدءا بالتغيير الجذري لنمط الحكم وآلياته عبر توسيع الصلاحيات الرقابية للبرلمان، فقد وضع الرئيس تبون، حدا للتأويلات المشككة بخصوص امكانية مراجعة تغيير العقيدة المرجعية لسياسة الدولة. وبلاشك فإن اختياره تاريخ الفاتح من نوفمبر موعدا لإجراء استفتاء تعديل الدستور، يحمل دلالات كثيرة ورسالة واضحة للمشككين بخصوص امكانية الخروج عن "النهج النوفمبري"، بل اعتبره رئيس الجمهورية، في الكثير من المناسبات نموذجا لاستلهام العبر ولم الشمل في سياق مشروع وطني توافقي يعزّز التوجه نحو بناء الجمهورية الجديدة التي يتطلع إليها الجميع، فضلا عن أن بيان أول نوفمبر يركز على بناء دولة ديمقراطية واجتماعية. وتم تسجيل مشروع تعديل الدستور ضمن الورشات السياسية الأولى التي وعد الرئيس تبون، بمباشرتها فور انتخابه رئيسا للبلاد، من منطلق أنه يعد من المطالب الرئيسية للحراك الشعبي، داعيا إلى ضرورة التحلّي بالواقعية والابتعاد عن الانغماس في الجزئيات والشكليات على حساب الأمور الجوهرية ذات العلاقة بالأسس الدائمة للدولة. استحداث تصور جديد في الممارسة السياسية تنبع قناعة الرئيس تبون، بضرورة تسبيق التعديل الدستوري في سياق استحداث تصور جديد للممارسة السياسية، وتعزيز المشهد السياسي بجيل جديد من المنتخبين، ومن ثم وضع قطيعة مع النظام البائد الذي هز الثقة بين المواطن ومؤسسات دولته بسبب ممارسات يشوبها الكثير من الغموض، بسبب استشراء المال الفاسد في العمل السياسي. وعليه يراهن من خلال التعديل الدستوري تكريس قوانين جديدة تتكيف مع المرحلة الجديدة ضمن منظور الإصلاح الشامل للدولة ومؤسساتها المنتخبة، حيث لا يتأتى ذلك إلا عبر إرساء نمط حكم جديد يعيد للدولة هيبتها، ويحظى بقبول شعبي وتكون سلطة القانون فوق الجميع دون تمييز أو إقصاء. ويرى مراقبون أن تسبيق تعديل الدستور من شأنه أن يفسح المجال أمام التفرغ لورشات أخرى تمس الجانب الاقتصادي بالخصوص، ويفسح المجال أمام مبادرات الشباب والأجيال الصاعدة في سياق تطبيق برنامج الانعاش الاقتصادي و الاجتماعي، الذي يصبو لبناء اقتصاد وفق رؤية جديدة مرتكزة على بدائل جديدة خارج قطاع المحروقات. وتجسد محاور التعديل الدستوري، الفصل بين السلطات وتحديد سقف العهدات الرئاسية بهدف الوصول إلى دستور توافقي بعيدا عن الشخصنة، فالمحور الأول يركز على توسيع وإثراء حقوق وحريات المواطنين وبشكل أخص حماية حرية التظاهر السلمي وحرية التعبير وحرية الصحافة المكتوبة والسمعية -البصرية وعلى الشبكات المعلوماتية، لكن دون المساس بكرامة وحريات وحقوق الغير. أما المحور الثاني فيركز على مكافحة الفساد وتفادي تضارب المصالح بين ممارسة المسؤوليات العمومية وتسيير الأعمال من أجل إبعاد نفوذ المال عن تسيير الشؤون العامة، في حين يشير المحور الثالث إلى تعزيز فصل السلطات وتوازنها من خلال ترقية العمل السياسي في دفع وتنشيط الحياة السياسية في إطار احترام القواعد الديمقراطية المبنية على مبادئ التداول على السلطة وترقية التعددية السياسية، ويخص المحور الرابع تعزيز سلطة الرقابة البرلمانية في مراقبة وتقييم عمل الحكومة بتعزيز سلطة المنتخبين، لاسيما المعارضة البرلمانية عبر وضع جدول أعمال جلسات غرفتي البرلمان، وتكريس جلسة كل شهر على الأقل لمراقبة عمل الحكومة، بينما يتعلق المحور الخامس بتعزيز استقلالية السلطة القضائية. ويتناول المحور السادس تعزيز المساواة بين المواطنين أمام القانون بمراجعة نطاق الحصانة البرلمانية من خلال حصرها في النشاط البرلماني بالمعنى الدقيق للمصطلح والذي يستثني كل الأفعال التي ليس لها علاقة مباشرة بالمهام البرلمانية، واستعادة الجالية الوطنية المقيمة بالخارج كامل مواطنتها، أما المحور السابع فيكرس آليات تنظيم الانتخابات بإعطاء سند دستوري للسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، حيث أن تنظيم الانتخابات أضحى الآن من اختصاصها منبثقة حصريا عن المجتمع المدني. ❊ مليكة خ أهم مضامين مسودة تعديل الدستور ... 46 مقترحا موزعا عبر 6 محاور كبرى ❊ دسترة الحراك الشعبي وحرية الصحافة وسلطة الانتخابات ❊ إمكانية استحداث منصب نائب الرئيس..الحكومة واستقلالية العدالة ❊ الفصل بين السلطات..صلاحيات البرلمان..الحريات ومحاربة الفساد تضمن مشروع تعديل الدستور، المصادق عليه الأحد المنصرم، مجلس الوزراء، الذي ترأسه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، على جملة من المقترحات موزعة على ستة محاور. وتتمثل هذه المحاور في "الحقوق الأساسية والحريات العامة"، "تعزيز الفصل بين السلطات وتوازنها" و«السلطة القضائية" و«المحكمة الدستورية" و«الشفافية، الوقاية من الفساد ومكافحته" و«السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات". ❊المحور الأول: الحقوق الأساسية والحريات العامة.. ومن بين المقترحات المدرجة: 1- إدراج حكم بإلزام السلطات والهيئات العمومية باحترام الأحكام الدستورية ذات الصلة بالحقوق الأساسية والحريات العامة. 2- النص على عدم تقييد الحقوق الأساسية والحريات العامة إلا بموجب قانون ولأسباب مرتبطة بحفظ النظام العام، أو حماية حقوق وحريات أخرى يكرسها الدستور. 3- الحق في التعويض عن التوقيف والحبس المؤقت. 4- حماية الأشخاص الطبيعية عند معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي. 5- حماية ممارسة العبادات بدون تمييز. 6- إقرار مبدأ التصريح لممارسة حرية الاجتماع والتظاهر. 7- إقرار مبدأ التصريح لإنشاء الجمعيات ومبدأ عدم حلها إلا بقرار قضائي. 8- دسترة حرية الصحافة بكل أشكالها ومنع الرقابة القبلية عليها. 9- إلزام الدولة بضمان جودة العلاج واستمرارية الخدمات الصحية. 10- تكريس مبدأ حياد المؤسسات التربوية. ❊ المحور الثاني: تعزيز الفصل بين السلطات وتوازنها: 1- تكريس مبدأ عدم ممارسة أحد أكثر من عهدتين رئاسيتين متتاليتين أو منفصلتين. 2- إمكانية رئيس الجمهورية من تعيين نائب له. 3- تعزيز مركز رئيس الحكومة. 4- إقرار حق المحكمة الدستورية في رقابة القرارات المتخذة أثناء الحالة الاستثنائية. 5- إقرار التصويت داخل البرلمان بحضور أغلبية الأعضاء. 6- تحديد العهدة البرلمانية بعهدتين فقط. 7- التمييز في الاستفادة من الحصانة البرلمانية بين الأعمال المرتبطة بممارسة العهدة وتلك الخارجة عنها. 8- إلغاء حق التشريع بأوامر خلال العطل البرلمانية. 9- إلزام الحكومة بإرفاق مشاريع القوانين بمشاريع النصوص التطبيقية لها. 10- إلزام الحكومة بتقديم المستندات والوثائق الضرورية إلى البرلمان لممارسة مهامه الرقابية. 11- إقرار إمكانية ترتيب مسؤولية الحكومة على إثر استجواب. ❊المحور الثالث: السلطة القضائية: 1- تعزيز مبدأ استقلالية العدالة. 2- دسترة مبدأ عدم جواز نقل القاضي والضمانات المرتبطة به. 3- دسترة تشكيلة لجنة المجلس الأعلى للقضاء. 4- إسناد نيابة رئاسية المجلس الأعلى للقضاء إلى الرئيس الأول للمحكمة العليا الذي يمكن له أن يرأس المجلس نيابة عن رئيس الجمهورية. 5- إبعاد وزير العدل والنائب العام لدى المحكمة العليا من تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء . ❊ المحور الرابع: المحكمة الدستورية: 1- إقرار المحكمة الدستورية بدلا من المجلس الدستوري. 2- تعديل تشكيلة المحكمة الدستورية لاسيما طريقة تعيين أعضائها. 3- توسيع الرقابة الدستورية إلى الأوامر، وإلى رقابة توافق القوانين والتنظيمات مع المعاهدات. 4- إقرار الرقابة الدستورية البعدية على الأوامر والتنظيمات. 5- إقرار حق طلب الهيئات في طلب رأي تفسيري من المحكمة الدستورية. 6- الخلافات التي قد تحدث بين السلطات الدستورية بعد إخطار الجهات المختصة. 7- توسيع رقابة الدفع لتشمل التنظيم إلى جانب القانون. ❊ المحور الخامس: الشفافية، الوقاية من الفساد ومكافحته: 1- دسترة السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، وإدراجها ضمن الهيئات الرقابية. 2- منع الجمع بين الوظائف العمومية والنشاطات الخاصة أو المهن الحرة. 3- التصريح بالممتلكات في بداية الوظيفة أو العهدة وعند انتهائها لكل شخص يعين في وظيفة عليا في الدولة، أو منتخب أو معين في البرلمان، أو منتخب في مجلس محلي. 4- معاقبة القانون لاستغلال النفوذ. ❊ المحور السادس: السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات: 1- دسترة السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات. 2- تعزيز مهام السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، وتشكيلتها، وتنظيمها وعملها. ❊ مقترحات أخرى: ومن أهمها: 1- دسترة الحراك الشعبي ليوم 22 فيفري 2019 في إطار ديباجة الدستور. 2- حظر خطاب الكراهية والتمييز. 3- إلزامية تعليل الإدارة لقراراتها والرد على الطلبات في الآجال التي يحددها القانون. 4- لا يحتج بتطبيق القوانين والتنظيمات إلا بعد نشرها بالطرق الرسمية. 5- إدراج لغة تمازيغت ضمن الأحكام التي لا تخضع للتعديل الدستوري. 6- دسترة مشاركة الجزائر في عمليات حفظ السلام تحت رعاية الأممالمتحدة. 7- دسترة مشاركة الجزائر في المنطقة على استعادة السلم في إطار الاتفاقيات الثنائية مع الدول المعنية. ❊س.س