الفنان التشكيلي مصطفى مصباحي، مجاهد رسم الثورة ولون الاستقلال يمضي إلى رضوان ربه مطمئنا عن عمر يناهز ال 70 سنة مجاهد ملأ حياته بكل ألوان الوطن ونضالاته من البندقية والجبال إلى المصانع والغلال، كتب أجندة الثورة بكل ألوانها الحمراء والخضراء وملاحمها المشتعلة وزغاريدها الملعلعة، هاهو يرحل عنا وقد عرفته جريدة المساء وزين صفحاتها الموسومة بعيد الاستقلال بأجمل لوحاته. لست أدري كيف أفتح موضوع الكتابة، من أي حرف أحرك مفتاح الكلام، بأي لون أسكب قطرات الحبر، أنا أدرك أن المجاهدين يملكون الكثير من الصبر عند الصدمة الأولى، يملكون من الفرح المنجز ومن الحب الذي أضاء الجزائر بعد قرن وربع قرن من ظلمات الجور والبطش والحقد. مصطفى مصباحي أضاء الألوان على كل القامات التي شاركت في تشييد الوطن، استسقى من شرايينها الحياة ثم رفعها نجمة وغرسها نخلا وزيتون، عمل مجاهدا على كل ساحات الجهاد المفتوحة على التضحية والعمل وتخليد مآثر الثورة ومنجزاتها في رسوماته التي مازالت تزين وزارة المجاهدين ومتاحف الجهاد، قال ذات يوم من شهر الثورة نوفمبر 1998 في حوار أجرته معه جريدة المساء بمناسبة الذكرى ال 44 لاندلاع الثورة التحريرية: (حينما استحضر ذكرى الكفاح أجدني كأني خلقت في نوفمبر 1954 لأنني ولدت ثائرا، وشاء لي القدر أن أكون ثائرا). المرحوم مصطفى مصباحي واكب الثورة والاستقلال واستمر مع الثورة يعيد تأجيجها من خلال لوحاته وينقلها مستعرة إلى الأجيال القادمة، قام بانجاز جداريات تجسد تاريخ الثورة من ولاية البويرة إلى مدينة الشلف، ساهم لحد بعيد بالتعريف بالثورة وكتابة تاريخها عن طريق الريشة واللون. قال رحمه الله: "الفنان كالمنجم متى أحسنت استغلاله عاد عليك بالخير الكثير، نحن من شاركنا في الثورة وحملنا الريشة والبندقية مازلنا نعشق ألوان الثورة ونعطيها كل طاقتنا الإبداعية". وعن اللون والفن والثورة قال أيضا رحمه الله: "لو اخترت لونا واحدا لأصبحت عاريا، الألوان هي سبعة، والثورة هي سبع سنوات، ولو احتجنا إلى تجهيز عروس لاحتجنا إلى سبعة ألوان". هو ذا المجاهد مصطفى مصباحي يضع ريشته في مرسمه وورشته بالمركز الثقافي عيسى مسعودي بحسين داي ويمضي ويداه تقطر ماء، وعيناه باقة ألوان، وابتسامته على شفتيه لوحة جمعت كل ألوان الفرح بالنصر والاستقلال. يمضي الفنان المجاهد مصطفى مصباحي وفي ريشته شيء من الثورة، وفي عينيه بقايا الملاحم تتدفق من قمم جبال، الجزائر والتاريخ والكتابة، الجزائر التي كتبت تاريخها بكل ألوان الحرية التي افتقدتها حتى عثرت عليها واستردتها لمجدها الذي أبى السير إلا بها. مصطفى مصباحي يترك مشعله ويمشي لكن أعماله الكثيرة تشي بفنه وثورته، انتقل إلى رحمة ربه وفيه فقدت الأسرة الثورية واحد من أبنائها المخلصين الذين منحوا الوطن الحب ووهبوه الحياة والأمن وفتحوا له أبواب الأمل.