❊ الجزائر تحكمت بفعالية في "كوفيد 19" ❊ التعاون الصينيالجزائري نموذج يحتذى به في العالم يصادف الفاتح أكتوبر هذا العام، الذكرى ال71 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، وبصفتي سفيرا لها في الجزائر، أود أن أشارك جميع الأصدقاء المهتمين بتطوير العلاقات الصينيةالجزائرية من خلال هذا المقال، الإنجازات العظيمة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية الصينية، وتلك المتعلقة بتنمية العلاقات بين بلدينا والمستقبل المشرق للشراكة الاستراتيجية الشاملة بينهما. يعد عام 2020 عام استثنائي في تحقيق التجديد الكبير للأمة الصينية، بعد أن صمدت في بداياته بالاختبارات القاسية ل"كوفيد 19"، التي يليق نعتها باسم "البجعة السوداء" جعلت العالم باسره يمر بأسوأ أزمة صحية منذ الحرب العالمية الثانية، وجعلت من هذه الجائحة تحديا مشتركا كان من المحتم على المجتمع الدولي مواجهته. وقد وضعت الحكومة الصينية حياة الشعب والبشرية فوق كل الاعتبارات بمجرد ظهور الفيروس حشدت له جميع مواردها واعتمدت نهجا علميا مركزا وبتصميم كبير للانتصار بجدارة على الوباء. وانطلاقا من وفائها لمفهوم المستقبل المشترك للبشرية جمعاء، دخلت الصين بخطى ثابتة في تعاون واسع مع كافة دول المعمورة وقدمت بشكل فوري مساعدات دولية سخية، كما نشرنا على الفور خطط التشخيص والعلاج وخطط الوقاية والسيطرة على الوباء. لقد قدمت الصين مساهمة مالية بقيمة 50 مليون دولار أمريكي لمنظمة الصحة العالمية، وأرسلت 34 فريقا من خبرائها الطبيين إلى 32 دولة، وقدمت 283 حزمة مساعدات ضمت معدات طبية لفائدة 150 دولة و4 منظمات دولية في نفس الوقت الذي قامت فيه بتوريد وتصدير المعدات الطبية لأكثر من 200 دولة ومنطقة. وبفضل هذه الخطة استطاعت الصين أن تضمن، بمفردها تقريبا منذ بداية تفشي الوباء، معظم الإمدادات بالمعدات الطبية لفائدة المجتمع الدولي بأسره، وساهمت بشكل كبير في الجهد العالمي لمكافحة الوباء وحماية حياة الإنسان في العالم أجمع. وضمن هذا الجهد المبذول لمواجهة الوباء، فقد طورت الصين في الوقت الراهن 11 نوعا من اللقاحات، 4 منها توجد في المرحلة الثالثة أو التي تعرف بمرحلة التجارب السرسرية التي تسبق التسويق التجاري لأي لقاح، وبمجرد أن تصبح متاحة في الصين، فإنها ستعمل على توسيع منفعتها عالميا وبصفة خاصة باتجاه الدول النامية حيث ستعمل بكين على توفيره وتحمل تكاليفه. إن القوة الحقيقية للدول تبرز خلال الأزمات والظروف الصعبة ولذلك فقد تمكنت الصين من التحرك لمواجهة كل التأثيرات الكارثية الناجمة عن تفشي الوباء وانعكاسه على المحيط الدولي المضطرب. وتعد الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والدولة الوحيدة التي طورت جميع الفئات الصناعية للتصنيف الصناعي للأمم المتحدة، وتمتلك قوة اقتصادية كبيرة وإمكانات استهلاك هائلة، مكنتها من الاحتفاظ بمكانتها ضمن قائمة الممونين العالميين إلى جانب مزايا في فعالية الإنتاج وإنشاء البنى التحتية والتي لم تتغير رغم تفشي الوباء. وتبنت الحكومة الصينية ضمن هذه الحقائق، مجموعة من الإجراءات المالية والنقدية والمالية الفعالة، رغم أن الصين كانت أولى ضحايا الوباء، إلا أنها تعد أول من هزمه وأول قوة اقتصادية عظمى تتعافى منه، مكنها من تحقيق نسبة نمو لناتجها المحلي الخام ب3,2 بالمئة، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. كما يعد العام 2020 عاما مهما بالنسبة للصين التي تعمل على تأسيس مجتمع متوسط الدخل واستكمال خطتها الحكومية الخماسية ال13، باعتبارها أكبر دولة نامية وثاني أكبر اقتصاد في العالم، وهي لأجل ذلك مقتنعة بانها ستكون قادرة على استكمال البناء المتكامل لمجتمع متوسط الدخل وانتشال جميع سكان الريف من الفقر، ومن ثم تحقيق هدف القضاء على الفقر قبل الموعد ب10 سنوات على ضوء خطة الأممالمتحدة 2030. لقد واجهت الصين تحديا صعبا وهو هجوم "وحيد القرن الرمادي" الذي تمارسه دولة غربية معينة، فإلى جانب "البجعة السوداء" لوباء "كوفيد -19"، وجدت الصين نفسها في مواجهة نهج الأحادية والحمائية المعتمد من قبل هذه الدولة، فضلا عن الترويج لأسلوب التشويه، استخدمت فيه هذه الدولة كل قوتها لمهاجمة الشركات الصينية مثل "هواوي" من أجل منع استفادتها من مزايا الجيل الخامس، كما استخدمت قوتها الحكومية للإطاحة ب "ByteDance"، وهي شركة صينية معروفة بتطبيقها لتقنية "TikTok" التي تحظى بشعبية في جميع أنحاء العالم . ولم تتوقف هذه الدولة في تشويه سمعة الصين للتغطية على فشلها إزاء تسييرها الكارثي للازمة الصحية ومن ثم تحويل الضغوط السياسية التي تعاني منها محليا نحو الخارج، كما أطلقت حربا تجارية بالقوة وانتهكت قواعد العلاقات الدولية وألحقت ضررا كبيرا بالنظام السياسي والاقتصادي الدولي الحالي. فكل التصرفات المتهورة المذكورة أعلاه، تبين أن جسد هذه الدولة دخل فعلا مرحلة القرن الحادي والعشرين إلا أن رأسها ما زال في العصر القديم كونها مازالت متشبعة بأفكار الحرب الباردة ولعبة المجموعة "الصفرية". ومثلما أشار إليه الرئيس، شي جين بينغ خلال المناقشة العامة للدورة ال75 للجمعية العامة للأمم المتحدة، فإنه من الطبيعي أن تكون هناك خلافات بين الدول ولكن الأهم من ذلك يبقى كيفية إيجاد حلول مناسبة لها عبر الحوار والمشاورات. كما يمكن أن تكون هناك منافسة بين الدول، لكن هذه المنافسة يجب أن تكون إيجابية وشريفة، تلتزم من خلالها هذه الدول بالمبادئ الأخلاقية والمعايير الدولية. كما يجب على الدول الكبيرة أن تتصرف بصفتها دولا كبيرة لتقديم مزيد المنافع العامة والوفاء بالتزاماتها عبر التحلي بحس كبير من المسؤولية. وتعد الصين أكبر دولة نامية، انتهجت طريق التنمية السلمي المنفتح والتعاون المشترك مما يجعلها بعيدة عن كل مسعى للهيمنة أو التوسع أو الاستحواذ على مناطق النفوذ وليست لها أية نية لشن حرب ساخنة أو باردة ضد أية دولة بل إنها ستواصل العمل على حل الخلافات والنزاعات من خلال الحوار والمفاوضات. فالصين دولة لا تتطلع لأن تكون الفائز الوحيد وترفض اللعبة الصفرية وسياسة الغلق ولكنها دولة تعمل بشكل تدريجي على إنشاء ديناميكية جديدة للتنمية، حيث تكون الدائرة المحلية هي الركيزة الأساسية والتي ستنعكس إيجابا على الدائرة الدولية ضمن مقاربة ثابتة لتعزيز السلام والتنمية في العالم ودعم النظام الدولي. لقد نجحت الصين بقدرتها على التعاطي مع الأحداث غير المتوقعة كما نجحت بفضل قوتها الاقتصادية والمادية، في ضمان مساحة كافية وقوة داخلية محركة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية على المدى الطويل. فلا "البجعة السوداء" ولا "وحيد القرن الرمادي" يمكن أن يوقفا النهضة الكبيرة للأمة الصينية ولا يمكن وصف هذا العام أيضا في ظل المسار التاريخي الذي تعرفه العلاقات الودية الاستثنائية بين الصينوالجزائر، سوى أنه عام للألوان الرائعة. وقد أقامت الصينوالجزائر في إطار جهودهما الرامية إلى مواجهة كارثة "كوفيد –"19 تعاونا نموذجيا للتصدي لهذا الفيروس حيث كانت الجزائر من أولى الدول التي قدمت مساعدات عاجلة بمواد مضادة للوباء للصين كما بعث رئيسها عبد المجيد تبون إلى نظيره الصيني الرئيس، شي جين بينغ ، رسالة تعاطف أعرب له فيها عن تضامن الجزائر القوي مع الصين في مكافحتها للوباء ضمن التفاتة سيحتفظ بها الشعب الصيني إلى الأبد. إن الصين تترجم شكرها للجزائر بمساهمتها دون تحفظ في مواجهة الجزائر للوباء من خلال تزويدها بعدة دفعات من التبرعات والمساعدات العاجلة من المعدات الطبية ، إلى جانب تبادل خبراتها في علاج المرضى وإرسال فريق من خبراء مكافحة الأوبئة. يسعدني جدا أن أشير إلى أنه، بقيادة الرئيس تبون وبفضل جهود الشعب الجزائري، تم التحكم بفعالية في انتشار "كوفيد 19" بليل أن عدد الحالات الإيجابية الجديدة في تناقص مستمر، وأنا على يقين بأن الشعب الجزائري سينتصر على الجائحة قريبا. وبينما نتشارك مبدأ الحكامة التي تضع الشعب والحياة كأولوية إلى جانب مقاربة توزيع الموارد وتعزيز التضامن، تضافرت جهود بلدينا بفضل مساعدة بعضهما البعض في المواجهة المشتركة لفيروس "كورونا"، مما يجعل التعاون الصينيالجزائري نموذجا يحتذى به في العالم. لم يتوقف قائدا البلدين عن التواصل سواء، عن طريق المكالمات الهاتفية أو عبر "دبلوماسية السحاب"، حيث شارك الرئيس تبون في القمة الصينية الإفريقية الاستثنائية حول التضامن ضد "كوفيد 19"، كما التقى الوزير الأول عبد العزيز جراد برئيس الوزراء الصيني، لي كه تشيانغ، وحضر وزير الخارجية الجزائري، صبري بوقدوم، الاجتماع الوزاري التاسع لمنتدى التعاون الصيني العربي، فضلا عن إجرائه مكالمتين هاتفيتين مع نظيره الصيني، يانغ يي ، عضو مجلس الدولة ووزير خارجية الصين. فقد بث الطرفان حياة جديدة في علاقاتهما الثنائية من خلال الاتصالات والتعاون المستمر والوثيق. لطالما دعمت الصينوالجزائر بعضهما البعض في القضايا التي تؤثر على مصالحهما الحيوية واهتماماتهما الرئيسية، وحافظتا على التواصل والتنسيق الوثيقين بشأن القضايا الإقليمية والدولية. فكلاهما يدعم التعددية والقضايا العادلة ويصون الحقوق والمصالح المشروعة للبلدان النامية. إن الصين تقدر تقديرا عاليا الدور الهام الذي تلعبه الجزائر في حربها ضد الإرهاب وفي إدارة شؤون الأمن الإقليمي، كما تدعم جهودها للعب دور بناء في حل النقاط الساخنة الإقليمية على غرار قضيتي ليبيا ومالي. لقد عززت الصينوالجزائر تعاونهما البراغماتي إلى مستوى أعلى على الرغم من الوباء، فالشركات الصينية وعمالها مازالوا يقيمون في الجزائر لتعزيز مشاريعهم. وبعد أن استقر الوباء نسبيا، اتخذت الحكومة الجزائرية العديد من تدابير التنمية الاجتماعية والاقتصادية، بهدف بناء جزائر جديدة. والصين تدعم بحزم جهود الجزائر لإحياء تنميتها الاجتماعية والاقتصادية في فترة ما بعد الوباء وتشجع الشركات الصينية على المشاركة بحيوية في البناء الاجتماعي والاقتصادي للجزائر، كما أنها ترغب في تعزيز التنسيق الاستراتيجي بين البلدين عبر البناء الصينيالجزائري للحزام والطريق وبناء جزائر جديدة، حتى يؤتي التعاون البراغماتي الصينيالجزائري ثماره أكثر ويصل إلى مستوى أعلى. ففي ذروة الصقيع يمكننا أن نميز أيا من الأشجار يمكنها الصمود أكثر، فبعد أن قدمت الصين مساعدات ودعما هائلين للنضال الجزائري الكبير من أجل الاستقلال الوطني، كانت أول دولة غير عربية تعترف بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية وقدمت مساهمتها التاريخية في قضية استقلالها الوطني ، كما أن الجزائر وباعتبارها واحدة من البلدان الرئيسية التي أصدرت قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2758، لعبت دورا حاسما وتاريخيا في استعادة الصين لمقعدها القانوني في الأممالمتحدة. وفي المعركة المشتركة ضد "كوفيد 19" ساعد البلدان بعضهما البعض، وبالتالي صاغتا نموذجا للتضامن مع المجتمع الدولي، وكتبتا فصلا جديدا في العلاقات الودية. كما أن الصينوالجزائر تعملان على تعزيز تعاونهما الودي لحقبة ما بعد الوباء. فالصين مستعدة للعمل يدا بيد مع الجزائر من أجل مستقبل أكثر إشراقا لشراكتهما الاستراتيجية الشاملة التي تتميز بالتعاون وتبادل المنفعة ، فضلا عن الربح المتبادل.