لم تنتظر أسعار الخام سوى ساعات لتتفاعل إيجابا مع قرارات غير منتظرة لوزراء نفط الدول 23 المنضوية تحت مظلة "أوبك +" بعد اتفاقهم على إبقاء سقف إنتاجهم الحالي ضمن بادرة للمحافظة على الأسعار التي سلكت منحنيات تصاعدية منذ شهر نوفمبر الأخير إلى قرابة 55 دولارا للبرميل لأول مرة منذ 11 شهرا. وكان لقرار العربية السعودية "المفاجئ" وقعه الإيجابي على واقع السوق بعد أن قرّرت وبشكل انفرادي تقليص سقف إنتاجها بمليون برميل يوميا رغبة منها في امتصاص الكمية التي أقرها الاجتماع لكل من روسيا وكازاخستان لرفع إنتاجهما ب 65 ألف برميل و10 آلاف برميل يوميا على التوالي مراعاة لأوضاعهما المناخية الصعبة. واتخذت الرياض قرارها رغم أنها كانت من أشد الداعين إلى رفع الإنتاج خلال أعوام سابقة إلا أن تأثر عائداتها النفطية بسبب تداعيات جائحة كورونا وتراجع نمو الاقتصاد العالمي إلى مستويات كارثية جعلها تعيد النظر في حساباتها في اتجاه يمكنها من عائدات إضافية لتقليص نسبة العجز في ميزانيتها السنوية. وتم التوصل إلى خيار الإبقاء على سقف الإنتاج المتفق عليه بداية شهر ديسمبر بعد مفاوضات عسيرة، استدعت تمديد الاجتماع الذي انطلق مساء الاثنين إلى ساعة متأخرة من نهار الثلاثاء بما عكس صعوبة التوصل إلى اتفاق بالتراضي. ويبدو أن وضعية الاقتصاد العالمي الهشة وعدم اتضاح أفقه والضبابية الكاملة التي مازالت تخيم عليه جعلت وزراء نفط الدول 23 يقتنعون بضرورة عدم المغامرة بضخ 500 ألف برميل يوميا خلال هذا الشهر وخاصة في ظل بداية محتشمة لعمليات تلقيح ضد فيروس "كوفيد 19" مما أبقى مؤشرات نمو الاقتصاد العالمي دون التوقعات التي عرفها قبل الجائحة بداية العام الماضي. وهي القناعة التي فرضت نفسها على اجتماع "أوبك +" وخاصة بعد لجوء السلطات البريطانية إلى اتخاذ إجراءات حجر جديدة بعد تفريخ الفيروس لفيروسات أخرى أكثر سرعة وانتشارا وجعلت وزراء "اوبك +" يتفقون وفق هذه المعطيات على خفض سقف إنتاج بلدانهم بمعدل 7,2 مليون برميل خلال الشهر الجاري و7,125 مليون برميل شهر فيفري و7,05 شهر مارس، وعقد اجتماع بداية كل شهر لدراسة الموقف واتخاذ القرارات التي تتناسب لإبقاء أسعار الخام عند معدلات لا تضر باقتصاداتهم. وكان إعلان وزير النفط السعودي، عبد العزيز بن سلمان، التزام بلاده تخفيض حصتها بمليون برميل يوميا وقعه الإيجابي على مجريات الاجتماع ومنه على سعر برميل النفط وجعل روسيا تتراجع عن رغبتها في رفع سقف الإنتاج بنحو 500 ألف برميل يوميا خلال الشهر القادم تماما كما تم الاتفاق بشأنه بداية شهر ديسمبر. وكان لاجتماع ثلاثة عوامل مؤثرة بدءا بعودة موجة الإصابات ب"كورونا" وإجراءات الحجر الصحي في عديد البلدان الصناعية وعدم التأكد من نمو الاقتصاد العالمي وقعها المباشر على اتفاق مساء الثلاثاء. ضمن قناعة مشتركة للتعامل مع وضعية السوق ب "حذر" على الأقل للمحافظة على الاتجاه التصاعدي للأسعار التي كسبت منذ اجتماع بداية ديسمبر 30% من قيمة سعر البرميل الذي ارتفع من حدود 38 دولارا إلى اكثر من 54 دولارا، أول أمس، ضمن صعود لم يسبق تسجيله منذ نهاية بداية العام الماضي بينما ارتفع سعر خام برنت البرميل المرجعي لبحر الشمال إلى حدود 54 دولارا. وكانت لبقاء الضبابية التي غطت أفق السوق النفطية هي التي حتمت على الدول الثلاث والعشرين انتهاج خطة، مراقبة شهرية وعقد اجتماعات دورية لمناقشة الوضع العام واتخاذ القرارات المناسبة مراعاة لمصلحة كل الدول المنتجة التي تضررت أكثر من غيرها بسبب انهيار نسبة نمو الاقتصاد العالمي خاصة وأنها دول تعتمد في إعداد ميزانياتها السنوية على ما تدره عليها مبيعاتها النفطية والغازية. وكسب برميل نفط تكساس الوسيط الأمريكي مباشرة بعد ذيوع مضمون اتفاق "أوبك +" 5% من قيمته متجاوزا عتبة 50 دولارا بينما ارتفع سعر خام برنت البرميل المرجعي لبحر الشمال إلى حدود 54,09 دولارا للبرميل.