أكد الدكتور صالح بلعيد في حواره مع "المساء"، أن اللغة العربية في الجزائر بخير ولن تعرف أي مضايقات، ابتداء من سنة 2024، معتبرا أن الاستراتيجية التي تبناها المجلس تهتم بتوفير الأرضية المناسبة لاستعمال اللغة العربية في الحياة اليومية، ومن ثمة تحبيبها إلى المواطن وخدمتها، خاصة في المجال العلمي. كما تطرق إلى منجزات المجلس في جائحة "كورونا"، والتي عرف البعض منها النور العام الماضي، في حين ستقدم بعضها الآخر خلال المناسبات القارة التي يحتفي بها المجلس للسنة الجارية. ❊ كيف تكيف المجلس الأعلى للغة العربية مع تداعيات جائحة كورونا؟ ❊❊ لقد احترم المجلس الأعلى للغة العربية، البروتوكول الصحي الخاص بجائحة "كورونا"، فقد صرفنا 14 من النساء اللائي مسهن هذا البروتوكول، كما مست الجائحة ستة من نفر المجلس، لكنهم شفوا والحمد لله، في حين مددنا الذين اشتغلوا من بيوتهم بالأجهزة. كما علمتنا الجائحة أن نبدع في وضع التطبيقات. أما عن نشاط المجلس في هذه الجائحة، فلم يتأثر كثيرا بدليل صدور مجلاتنا بشكل عادي، في حين أجلنا بعض الملتقيات وكيفنا تنظيم البعض منها، إلا أنها جميعها أنجزت وطبعت. أما بخصوص الأيام الدراسية التي كنا ننجزها في الأيام القارة، فقد حققناها، ولكن عن بعد. ❊ ماذا عن منجزات المجلس التي استطاع تحقيقها رغم جائحة "كورونا"؟ ❊❊ صنعنا ثلاثة أعمال كبرى وهي: معجم ألفاظ الحياة العامة في جزئه الأول الذي يقع في 745صفحة، من الحجم الكبير، يتناول أكثر من 18 ألف مدخل، ويغطي 39 مجالا، وقد نال إشادة الكثيرين لما حمله من مجالات تتعلق بألفاظ الحياة العامة، ونحن الآن في مرحلة الجزء الثاني الذي يضم 38 مجالا، إضافة إلى الجزء الثالث، ونأمل تقديمهما بمناسبة الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية في 18 ديسمبر من السنة الجارية. أنجزنا أيضا جزأين من الموسوعة الجزائرية الخاصين بالأعلام الجزائرية، وقد تباطأنا في تقليص مادة الموسوعة نظرا للعدد الكبير لأعضاء لجنتها، فلم نستطع التحكم فيها بفعل الجائحة، فعملنا على تقليص أفرادها إلى ستة، واشتغلنا عن بعد، وسنعمل على حلحلة الموسوعة بشكل جيد. أما العمل الثالث فيتمثل في إنجازنا لثمانية مجلدات من المعجم التاريخي للغة العربية، حيث شرعنا في التحضير للعمل منذ سنة 2017، بالتعاون مع المجامع، وانطلق العمل الفعلي بداية من 19 جانفي 2020، وتتشكل المجموعة الجزائرية من 42 فردا، وتأتي الجزائر بعد مصر من حيث عدد الأساتذة الذين يشرفون على هذا المعجم. احتفينا بكل هذه التحف بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية في 18 ديسمبر 2020، إلا أننا أقمنا الفعالية في 19 ديسمبر، لأن 18 ديسمبر كان يوم جمعة، ولأول مرة غطت قناتان تلفزيونيتان نشاطنا في خمس ساعات كاملة، ولهما جزيل الشكر. ❊ هل من إصدارات أخرى للمجلس ستعرف النور هذه السنة؟ ❊❊ نعم، سنحتفي بمناسبة اليوم العالمي للغة الأم الموافق ل21 فبراير، بصدور الجزء الأول للمعجم الطوبونومي، في انتظار صدور الأجزاء الثلاثة المتبقية، وسيكون الاحتفاء في 24 فبراير، أما في الفاتح من مارس، فستكون هناك احتفائية كبيرة بمناسبة اليوم العربي للغة الضاد، بصدور ثلاث مجلات خاصة بالدبلوماسية موجهة لوزارة الخارجية، والقناصلة والأجانب في معاملاتهم الإدارية، وبالسياحة والفندقة والإطعام، كما سنقوم أيضا بتقديم دليل يخص استعمال العدد بالحروف وبالأرقام، إذ أنه في دراساتنا، تعرفنا على المضايقات التي يتعرض لها الصحفي في استعماله للأعداد، نفس الشيء بالنسبة لمن يريد قضاء مصالح مالية، لهذا خصصنا لهم مدونة خاصة ستكون جاهزة بدقة، وتهتم بتوثيق الوثائق الإدارية والمساهمة في منع التزوير من خلال الكتابة الصحيحة للأعداد بالحروف والأرقام . في المقابل، غطينا أكثر من 70 بالمئة من المعجم الثقافي ونرجو أن يكون جاهزا على الأقل شبكيا في 21 ماي، بمناسبة الاحتفاء بالتنوع الثقافي. ❊ هل أثر الدفق السيئ للأنترنت أو الشبكة على عمل المجلس؟ ❊❊ لا بد أن نحقق نقلة نوعية في التعامل مع هذه الوسيلة الحضارية المعاصرة، مثلما أقول دائما "اللغة العربية لا بد أن تأتينا على جناح هذه التقانة"، وإلا فلا يمكنها أن تنال موقعا أبدا. أحيانا يحدث انقطاع في الخط أو مضايقات لقلة الدفق، وهو ما يؤثر على عملنا لكن ليس بصفة مبالغ فيها. حينما دخلت المؤسسة نهاية 2016، كان المجلس يستخدم دفق 2 ميغا بايت، وهو دفق ضعيف جدا، وقد أوصلناه إلى 30 ميغا بايت، وهو أمر جيد إلا أن المجلس يحتاج إلى خط خاص بفعل المشاريع الكبرى التي ينجزها، أذكر معلمة المخطوطات التي تضم صورا وخطوطا قديمة، تحتاج إلى برامج ذكية لإدماجها في الجهاز، نفس الشيء بالنسبة للمعاجم الأخرى، مثل المعجم الطوبونومي والمعجم الثقافي، لهذا لا بد من دفق أكبر، بل ومن خط خاص للمجلس. وقد أقمنا شراكة مع المجلس الإسلامي الأعلى وبريد الجزائر ووزارة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية لإنجاز معلمة المخطوطات الجزائرية، وكذا شراكة أخرى مع وزارة البريد لإنجاز المعجم الثقافي، إضافة إلى مكتبتنا الرقمية التي تضم أكثر من 100 ألف عنوان، كل هذه المادة الضخمة يلزمها خادوم خاص (سرفر) يتعامل معها بذكاء، ننتظر ذلك من وزارة البريد، وقد أمضينا اتفاقية بهذا الشأن. ننتظر من وزارة البريد تزويدنا بخادوم ❊ ما هو مصير معلمة المخطوطات الجزائرية في ظل عدم تزويدكم إلى حد الآن، بخادوم من وزارة البريد؟ ❊❊ نظرا لحجم المادة الكبير في برنامجنا الرقمي، بما فيها شراكتنا مع مكتبات عربية، مثل مكتبات الفهرس العربي الموحد والمكتبة الرقمية عبد الله بن عبد العزيز لخدمة اللغة العربية، قمنا بوضع معلمة المخطوطات الجزائرية في خواديم خارجية إلى حين. في المقابل، أؤكد تحقيقنا للعديد من المشاريع في جائحة "كورونا"، إلا أن الجائحة عملت على تأخير إنجاز بعضها، فبدلا من أن ننجز عملا في ظرف 4 أشهر، أنجزناه في 6 أشهر. عملنا شراكة مع جامعة سيشوان بالصين وجامعة مرمرة بتركيا ❊ كيف يعالج المجلس المسائل اللغوية التي لها علاقة بمصالح المواطن؟ ❊❊ يعمل المجلس على تحقيق عدة مهام، وهي العمل على ازدهار اللغة العربية، فلا بد من إيجاد أرضية علمية ذكية لتجهيز المادة، وتشجيع استعمال اللغة العربية في العلوم، لأن اللغة العربية نالت وضعا جيدا في الآداب، لكن هل وجدت نفسها في العلوم والتكنولوجيات؟ لا، وهذا ما يدفعنا إلى الاعتماد على الترجمة، فاللغة العربية لا بد لها أن ترتقي عن طريق الترجمة كعماد منطلق وليس العماد الأساس، بل يجب أن تكتفي اللغة العربية بالانطلاق من الترجمة، ومن ثمة تبدع من ذاتها ولذاتها. وفي هذا السياق، أنجزنا أعمالا نتمنى أن تلبي مهام المجلس، وأن يكون المتلقي راضيا عنها، فنحن سدنة اللغة العربية ونقوم بخدمة الوزارات والجمعيات ذات العلاقة وكل المؤسسات ذات العلاقة، نشتغل معها جميعا والحمد لله، أعمالنا تنال القبول، ويقولون لنا هل من مزيد، ونحن نقول سنستزيد. كما نأمل في تقديم حلول نوعية لتعميم استعمال اللغة العربية في مختلف مناحي الحياة اليومية، لهذا وضعنا استراتيجية انقسمت إلى ثلاثة أبعاد؛ البعد الأول يتمثل في تحضير المادة الأم والركيزة لكل المجالات، أي استعمال اللغة في الحياة اليومية، أما الاستراتيجية الثانية، فتهتم بتحبيب اللغة العربية وتيسيرها وجعلها لغة وظيفية، وهنا أؤكد أن أزمة اللغة العربية ومضايقاتها وطرح قضاياها سينتهي في عام 2024، وهذه العهدة علينا. أيضا لا أذهب إلى صاحب القرار وأطلب منه صناعة قراره من دون أن أحضر له الأرضية لذلك، أما الاستراتيجية الثالثة، فهي لما بعد عام 2030، حيث سيكون للغة العربية مكانة رفقة اللغات الكوكبية الأخرى، وهي الإنجليزية والإسبانية والصينية والروسية والفرنسية، لهذا فقد بدأنا في وضع الأرضيات الذكية والمعرفية للتعامل مع هذه اللغات، والاستفادة من وإليها، وفي هذا عملنا شراكة مع جامعة سيشوان بالصين وجامعة مرمرة بتركيا، كما أنه بعد 2029 سننهي إنجاز المعجم التاريخي، لهذا نخطط من الآن لإعادة طريق الحرير وطرق الملح. استراتيجيتنا تبدأ باستعمال اللغة في الحياة اليومية، ومن ثم تحبيبها وخدمتها ❊ كيف ذلك؟ ❊❊ أدخل أجدادنا اللغة العربية باحتشام في طريق الحرير، انطلاقا من طاجكستان إلى القوقاز، ووصلوا إلى كازخستان التي تعد أكبر دولة إسلامية، لكن طريق الحرير تغير، بل تحول إلى طرق، وعلينا الآن أن ندخل إفريقيا، وأن نجعل من اللغة العربية لغة عولمة في هذه الدول التي تعشق اللغة العربية، بما أن أكثرية شعبها من المسلمين، مثل دول النيجر ونيجيريا والمالي وغيرها، من دون أن ننسى المناطق الأخرى من العالم، باعتبار أن عدد المسلمين في العالم بلغ في الحصيلة الأخيرة أكثر من مليار و800 مليون نسمة، وهم يستعملون اللغة العربية في صلواتهم، لهذا نريد أن نصل إلى هذه الدول، بالإضافة إلى دول إسلامية مثل إندونيسيا وماليزيا وحتى دول أوروبا الشرقية والغربية، وهذا انطلاقا من استراتيجيات تعتمد على ثلاثة أبعاد بداية من تهيئة الأرض المعرفية، ووضعها محل التطبيق لما بعد 2026، ومن ثمة فعل الأمر نفسه لما بعد 2050، حينما يتغير العالم أكثر، وتبقى هناك أربع لغات وهي؛ الإسبانية لانتشارها، والصينية لعدد الناطقين بها، والإنجليزية لعلمها، والعربية لحضارتها ودينها وقيمها، وهنا سنعيش نقلة أخرى لهذه الأنظمة الذكية، لهذا نخطط الآن لجعل كتابة اللغة العربية بصفر خطأ، من خلال تغذية الأنظمة الذكية، مثلا سنصدر دليلا لكتابة العدد بشكل صحيح، ويخص بالدرجة الأولى الإعلاميين، بما أن الاعلام لم يعد يعتبر سلطة رابعة، بل خامسة، وقد يهدم في عام ما بنته المدرسة، لهذا يجب أن نستثمر مع الإعلام، ومع مختلف الشركاء الاجتماعيين الذين يستعملون اللغة، ثم النزول إلى الميدان مع الجماهير والجمعيات. يجب استدراك الفجوة الرقمية، من خلال الانطلاق من اللغة الإنجليزية ❊ هل تعتقد حقا أن واقع اللغة العربية قد تغير في الجزائر إلى الأفضل؟ ❊❊ أكيد، لا يمكن أن نرى ربع الكأس الفارغة وننسى ثلاث أرباع الممتلئ، فأكثر من 10 ملايين تلميذ يدرسون اللغة العربية، وأكثر الطلبة الجامعيين، والذي يفوق عددهم المليون، يدرسون باللغة العربية أيضا، وعندنا أكثر من 500 مخبر جامعي يستعمل لغة الضاد، لهذا أقول، إن المستقبل للغة العربية، لكن يجب تحبيبها وترغيبها وخدمتها، وهذا عن طريق مرافقة الدارسين بها وتحبيبهم لهذه اللغة وتوفير الأرضيات المعرفية لها خاصة ذات العلاقة بالتكنولوجيات الحديثة، وإلا فلا فائدة منها، وستأتي هذه الخطة بحسن التخطيط بدءا من المدرسة، إلى غاية الشارع، وتجسد بتقديم أرضيات معرفية ومادة علمية، ومن ثمة بتجسيد المادة التي تقدم، بعدها نلجأ للقرار السياسي الذي لا يمكن له تتبع المخططات من دون توفير الأرضية المعرفية. في هذا، أرفض القول، إن للعربية رب يحميها، نحن لسنا في هذا الزمن، والذي يقول هذا يعرقل اللغة العربية، بل العربية تحتاج إلى جيوش من بحثة وعمال، فمثلا المعجم التاريخي للغة العربية الذي نقوم على إنجاز جزء منه، من ضمن عشر مؤسسات عربية، يشتغل عليه 300 أستاذ من موريتانيا ولبيبا وتونس والسعودية وسوريا وسودان والإمارات والأردن، وقد استطعنا انجاز 8 مجلدات في 8 أشهر، إذن اللغة رفد جماعي وقضية مشتركة تدخل في الشأن العام ولا تتعلق بالمسؤول. لا يمكن أن نطالب السلطات باتخاذ القرار السياسي من دون توفير الارضية المناسبة ❊ كيف ترد على الانتقادات التي تطول المجلس بين الحين والآخر؟ ❊❊ هناك من يقول "ماذا قدمتم للغة العربية؟" و"هل حللتم هذه المضايقات؟" وهناك من يرى بأن اللغة العربية تفتقر إلى المصطلح العلمي، وأرد بأن المجلس يقدم أفكارا ولا يصنع القرار، والزمان كفيل بأن تُرى النقلة النوعية التي بدأ المجلس يقطف ثمارها للصالح العام، فنحن سدنة هذه اللغة، وخدام كل الجزائريين، على الأقل عملنا على إمداد المعنيين بالمادة اللغوية المطلوبة. وهنا أتساءل "هل اللغة العربية من صلاحيات المجلس وحسب؟" وأجيب بالنفي، بل هي قضية عامة تمس وزارات التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي، وكذا التعليم والتكوين المهنيين ووزارة الداخلية، كما أن استراتيجيتنا قائمة على الرهان على هذه الوزارات، وأعيد وأؤكد أن مشكلة اللغة العربية في الجزائر ستحل عام 2024. عندنا أيضا المجمع الجزائري للغة العربية، وأتساءل مجددا "ماذا يقدم؟" وكأنه هيكل من دون روح، وهناك مؤسسة ثالثة تعنى باللغة العربية، وهي تابعة لوزارة التعليم العالي، وتسمى بالمركز العالي والتقني لتطوير اللغة العربية بفرعيه، مقره ببوزريعة وله ملحقة بتلمسان وأخرى بورقلة، لو حدث التنسيق بيننا، لكنا فعلنا فعلا كبيرا، لهذا نحتاج إلى التنسيق بيننا حتى لا تتكرر نشاطاتنا، هناك أيضا مركز الحضارة الإسلامية بالأغواط والكراسك بوهران، كلها تخدم اللغة العربية، وما أحوجنا إلى أن تتعاضد جهودنا جميعا، صحيح أننا نختلف في المنهجيات، لكن لا بد أن يكون لنا هدف واحد. في المقابل، هناك برامج أيقونات وضعها المجلس الأعلى للغة العربية في نظام "الوورد"، وقد تعرف عليها البرنامج الذكي، لهذا لا مشكلة في المصطلح العلمي المكتوب باللغة العربية. كما أن هناك فراغات تحتاج إلى أن تسد من خلال البرلماني والمجتمع المدني، فعندما يرى منتخب ما لافتة مكتوبة بشكل خاطئ، يمكن أن ينبه ذلك، ولكن هذه ليست مسؤولية المجلس، لهذا من ينتقدنا يجب أن يفعل ذلك بأسلوب مهذب، سواء على موقعنا أو على الفسبكة أو التوترة، والذي يشتغل هو الذي يقع في خطأ، لكن أخطاؤنا غير مقصودة، وأحيانا تبدو الأشياء خطأ، لكنها غير كذلك، بل هي اختلاف في الرأي والمنهجية.. نعم، نحن نختلف لا نخالف. ❊ حدثنا عن الاتفاقيات التي يبرمها المجلس مع الوزارات؟ ❊❊ أكثر الوزارات التي تعاملنا معها هي وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، لأنها خير من يجسد مهام المجالس المتمثلة في العمل على ازدهار اللغة العربية، فلا يمكن أن تزدهر لغة الضاد من دون الجامعيين والباحثين ومخابر اللغات، ولا يمكن للغة العربية أن تنال موقعا في العلم من دون الرجوع إلى الأساتذة المنتجين للمصطلحات، ولا يمكن أن تُترجم من اللغات الأجنبية أو يترجم منها إلى اللغات الأخرى من دون جامعات. كما تمدنا الجامعات بالباحثين حينما نحتاجهم، في المقابل، نعمل على أن تكون لدينا بطاقة وطنية لكل الباحثين في التخصصات، حتى نستعين بهم بكل سهولة. كما لدينا شراكات مع المجلس الإسلامي الأعلى ومع وزارات الصيد والبيئة والتربية والمديرية العامة للغابات، إضافة إلى شراكات كثيرة مع المجتمع المدني من جمعيات ذات العلاقة ودور النشر ودور الثقافة. نحن لا نمنع أي عمل يعطي قيمة مضافة للغة العربية، فنحن نشتغل على جبهتين، الجبهة الأولى اشتغال يومي روتيني من لقاءات عديدة، لكن هناك لقاءات أخرى تتم ليلا، نستغلها في هذه المشاريع، فقد فرضت علينا الجائحة أن نشتغل عن بعد، وقد أنجزنا أعمالا كبيرة من خلال تفرغنا الليلي وكانت النتائج مشاريع مائزة. أصبح المجلس مرجعية في اختصاصه، وينتج قيمة مضافة، وهذا لا يعود إلى رئيسه بقدر ما يعود إلى الفاعلين الاجتماعيين، والذين يخدمون الشأن العام بالمجان، ومن ينشدوننا ويخدمون اللغة العربية. ❊ هل سيتم تقديم الدليل الخاص بالصيد البحري هذه السنة؟ ❊❊ بالنسبة لمشروع دليل الصيد البحري وتربية المائيات، فقد قطعنا شوطا معتبرا، من خلال تغطية كل المصطلحات ذات العلاقة بالصيد البحري وتربية المائيات في نظام اكسل (12 ألفا و200 مدخل)، كنا نرغب أن يصدر هذا الدليل في المجلد الثاني لمعجم الألفاظ العامة، لكن لكبر حجمه سيكون دليلا مستقلا نحتفي به في 18 ديسبمر 2021. نصبو إلى تعميم اللغة العربية في القارة الإفريقية ❊ هل يعمل المجلس الأعلى للغة العربية على ازدهار اللغة العربية خارج الجزائر؟ ❊❊ نعم، كنا نرعى طلبة صينيين في جامعة "أبي بكر بلقايد" بتلمسان، وكذا طالبات ماليزيات من جامعة الوادي، وطلبة أتراك من جامعة الجزائر، إلا أنه بفعل الجائحة لم يعد الأمر ممكنا، لكن مجلسنا متواجد في جامعة سيشوان الصينية التي تعلم اللغة العربية وفي جامعة مرمرة في تركيا، من خلال المشاركة في الملتقيات والأيام الدراسية، وتقديم الأفكار. كما أننا في كامل الاستعداد لتقديم تكوينات سواء عن بعد أو عن وجاهة، كما أذكر إصدارنا الجديد حول الدبلوماسية، والذي يهم وزارة الخارجية والأجانب. لكن يمكن القول إن العلاقات في هذا المجال صعبة، لأنه لا بد من المرور عبر وزارة خارجية، واحترام قوانين الدول، وهو أمر طبيعي، ومع ذلك فالحدود غير موجودة في الجانب العلمي. أعود إلى تأثير جائحة "كورونا" على عملنا، حيث لم أتمكن من تلبية دعوة "الايسيكو" الخاصة بالنقاش حول شعار "اليونسكو" الذي كان كالآتي "مجامع اللغة العربية: ضرورة أم ترف؟" لكنني شاركت عن بعد، ونفس الشيء بالنسبة للعديد من الفعاليات، فالتقانات علمتنا أشياء كثيرة، مثل أن لا نيأس وأن نصبر وأن نبدع وأن نضع تطبيقات خاصة ذات العلاقة بخصوصيات اللغة العربية، وأن نسد بعض الفراغات الموجودة على مستوى "وورد"، ونعتمد على الإضافة النوعية لقاموس اللغة العربية وغيرها. بدأنا نتأقلم مع هذه الخطوة الرابعة لاستراتيجيتنا المتمثلة في تعميم اللغة العربية لما بعد عام 2026، بدأنا نتأقلم مع كيفية التعامل مع الآلة، وأقدم مثالا بعمل أنجز قبل أن أتولى رئاسة المجلس، وقد استغرق ذلك أربع سنوات لتكون ثمرته مؤلف من 250 صفحة، وبعد أن أصبحت رئيسا للمجلس، عملنا بطريقة مختلفة، بتكلفة مادية ضئيلة وبعنصرين بعدما كانوا ستة عناصر في اللجنة السابقة، وأصبح الكتاب في 500 صفحة من الحجم الكبير، وأتممناه على الآلة في مدة لا تتجاوز 5 أشهر. لو تعاضدنا رفقة المجمع ومركز تطوير اللغة العربية، لخدمنا لغتنا ❊ كيف يمكن الحفاظ على خصوصيات اللغة العربية في الآلة؟ ❊❊ لا بد أن نعتمد لتحقيق ذلك، على لغة أكثر علمية وإنتاجية وبرمجية من اللغة العربية، ونجعلها منطلقا، أي نأخذ ما هو مشترك، خاصة أن هذه اللغات هي لاتينية بينما اللغة العربية سامية، بالتالي لها خصوصياتها الجغرافية والدينية والثقافية وغيرها، فكيف نجعل هذا الذكاء الصناعي يعالج ما هو مشترك، أي يدخل فيه الحرف العربي، ثم يعالج الخصوصيات، مثل وجود المثنى في اللغة العربية وعدم وجوده في اللغات اللاتينية؟ نحن لا نبحث عن صناعة العجلة التي في أصلها بكرة، بل كيف نجعل العجلة أسرع وتدير عجلات أخرى، إذن لا يمكن أن نعود إلى البداية، لأننا لن نلحق العالم الذي يشهد تطورا بشكل يومي، بل يجب أن نستدرك الفجوة الرقمية، من خلال الانطلاق من اللغة الإنجليزية تحديدا، لأنها لغة العولمة، لكن لا يجب أن يكون الانتقال مباشرة إليها، بل يجب أن نواصل اعتمادنا على اللغة الفرنسية في هذا الشأن لفترة قصيرة، ومن ثمة الانتقال السلس إلى اللغة الإنجليزية، كما من الضروري النظر في لغات دول متطورة اقتصاديا كالصين وإندونيسيا وتركيا، وأن ننظر أيضا في اللغات الشرقية التي تنتمي إليها اللغة العربية، وهي الفارسية والعبرية والتركية، فلا بد أن نعتمد على ذاتنا وأن يكون لنا موقع في الخارج، أي من ميناء الحمادية إلى إفريقيا. فدول مثل التشاد والنيجر والكاميرون ومالي لديها من المخطوطات العربية الكثير، والجزائر دولة قوية بخيراتها ومساحتها الشاسعة وموقعها الجغرافي الاستراتيجي، يمكن أن تكون لها كلمتها في إفريقيا. أصبح المجلس مرجعية في اختصاصه ❊ لكن كيف يتم ذلك تحديدا؟ ❊❊ من خلال سفاراتنا هناك، والتي من الضروري أن تفتح دور الثقافة لتعليم اللغة العربية في الدول الإفريقية، واحتضان معلمين وعلماء يقومون بمثل هذه المهام هناك، وتوزيع الكتب العربية، وأخذ المخطوطات التي تهمنا من عند هذه الشعوب ومساعدتهم اجتماعيا، فتمبكتو بالمالي تملك من المخطوطات العربية الكثير. حقيقة لن يكون الأمر سهلا، لكنه سيحدث بعد أمد ولو كان بعيدا، كما يجب مرافقة هذه الشعوب في مسعاها في تعلم اللغة العربية، وبالأخص الاعتماد على التجارة لتحقيق أهدافنا، فالعربية خرجت من الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام عن طريق التجارة، لهذا لا بد أن يكون هناك تجار يتاجرون معهم باستعمال اللغة العربية، لذا أؤكد أن المجلس لا يمكن له أن يقوم بكل الجهود لوحده بغية ازدهار اللغة العربية، بل يجب أن يتشارك الجميع في هذه المهمة. ❊ إذن لا خوف على اللغة العربية في الجزائر، أليس كذلك؟ ❊❊ نعم أكيد، والعول على الإعلاميين والمدرسة والإدارة، فإذا نجحنا في هذه الاستراتيجية ووصلنا الأمانة إلى هذه الأطراف وعملوا بها، فاللغة العربية بخير وهي بخير، أنا متفائل جدا. لم تقم لغة راقية إلا وعرفت هذه المراحل وعرفت هذه المضايقات، فاللغة الفرنسية مثلا، فرضت بصفتها الحالية بعد إعدام 170 ألف شخص، إلا أننا لا نبتغي استعمال القوة، لهذا لا يمكن للغة العربية أن تفلح إلا بما يلي: أولا لا بد أن نربط القول بالفعل، ثانيا لا بد من إيجاد أرضيات معرفية ينطلق منها، ثالثا نشدان العلمية، فلا ننفي الجانب الأدبي للغتنا، والعربية لا تعاني مضايقات من الجانب الأدبي لكن تعاني مضايقات في الجانب العلمي، فنرجو تحقيق هذه الأشياء الثلاث.