يعود العيد العالمي لحرية التعبير والصحافة، كلّ سنة، لنقف ونتوقف، وقفة إجلال وإكبار، إلى كلّ من ضحّى بنفسه وقلمه، من أجل إعلام وطني نزيه ومسؤول ومهني ومحترف وذي مصداقية، بعيدا عن حرية "التعنتير" و"التدمير" و"التكسير"، التي اعتقد وما زال البعض يعتقد أنها التفسير الصحيح لحرية التعبير ! للأسف، مثلما استخدم البعض السياسة لتسويس وتلويث الممارسة السياسية والانتخابية، هناك أيضا من ركب الإعلام لملء "الشكارة"، ومنهم من أرادها لتصفية الحسابات، وآخرون اعتقدوا أنها للابتزاز والمساومة وليّ الذراع، وهناك من أرادها أن تكون أداة للثراء الاحتيالي من خزينة الدولة بإشهار عمومي تمّ توزيعه خلال العهد البائد تحت الطاولة على دخلاء و"بزناسية" وسماسرة وانتهازيين ومفسدين، شوّهوا الممارسة الإعلامية وظلموا الصحفيين وتفّهوا المهنة ولطخوا الرسالة تلطيخا! مثلما تركت "العصابات" إرثا مسموما في كلّ القطاعات، فإنها أفرزت حقلا إعلاميا مزروعا بالألغام، بعد سنوات من "صناعة" صحافة خاصة على المقاس، تحت برنوس "استقلالية" مزعومة وولاء مفضوح لجماعات ضغط ولوبيات، تضع مصالحها الخاصة فوق كلّ اعتبار، تزامنا مع مخطط بليد وبائس لتكسير الإعلام العمومي بالشروع في اغتياله، فلولا رحمة الله، وتدخل الدولة الوطنية في آخر المطاف، لكانت الكارثة حتما مقضيا! اليوم، وقد انطلقت مسيرة ومسار بناء الجزائر الجديدة، تطال التغييرات والإصلاحات، الصحافة الوطنية، المكتوبة منها والسمعية البصرية والإلكترونية، في مسعى "ثوري" لإنقاذها من كمّاشة التلاعب والاستغلال و"الأفسدة"، وكذلك، وهذا مهم أيضا، لتخليص عموم الصحفيين والإعلاميين وكلّ المهنيين العاملين في القطاع، من قبضة سوء التسيير والعشوائية والاستفادة دون الإفادة! تنظيم المهنة وتطهيرها من الدخلاء والسفهاء، وردّ الاعتبار للنزهاء والشرفاء من أبنائها المخلصين والأوفياء، هي خطوة في مسافة الألف ميل، ترافقها إعادة النظر في مقاييس توزيع الإشهار العمومي، وإرغام الناشرين، خاصة الخواص منهم، على تمكين الصحفيين من حقوقهم المادية، التي هي في الأصل والفصل مدفوعة من أموال ودعم الدولة! لقد ضاعت خلال سنوات "الفوضى المنظمة"، المنافسة الشريفة والنظيفة بين مختلف وسائل الإعلام، بعدما حلّت محلها أساليب غير قانونية ولا أخلاقية، وتمّ تقوية و"تسمين" أقلية "محظوظة" بالمساعدات والرعاية والتوصيات والحماية، لتكشف الأيام، أن بعضها أخذ ولم يعط، و"تحدّى" الدولة أو حاول مقايضتها، بعدما "تغوّل" بإشهارها وعدم تسديد مستحقات المطابع والضرائب والضمان الاجتماعي! الآن، وقد عادت القاطرة إلى السكّة، بحزمة الإصلاحات التي أعلنتها وزارة الاتصال، وفي ظلّ تعهّدات والتزامات السيد رئيس الجمهورية، الذي يعرف جيّدا خبايا وخفايا وسائل الإعلام، ينبغي على المهنيين والإعلاميين الحقيقيين والصادقين، أن يشاركوا جماعيا في تغيير واقع القطاع بالتي هي أحسن، وبما يفرض النزاهة والمهنية والاحترافية وأخلاقيات المهنة، ويجعل من الصحافة وسيلة بناء وتطوير، وليس معول هدم وتدمير. الصحافة في كلّ دول العالم، حتى الديمقراطية منها، هي عين الدولة ولسان الأمة، وضمير الوطن، وهيئة دفاع المواطن..لا تعتدي على رموز المؤسسات، ولا على وحدة الشعب وترابه وسيادته، ولا تتطاول على التاريخ ولا تتحامل على الجيش، ولا تبيع أو تشتري مع الأجانب، لا تتآمر ولا تخضع للتحريك المشبوه وإبرام الصفقات تحت ذريعة "حرية التعبير" التي تبقى بريئة. انتكاسات.. سقطات.. نكسات.. ضربات.. "فضائح"، تقابلها بالطبع ودون شكّ، نضالات وتضحيات وانتصارات.. "جهاد" و"اجتهاد"، إصلاحات ومبادرات ودفوعات، من أجل أن لا تكون الصحافة "سخافة"، وحتى لا يكون "الصحّ" "آفة"، وحتى لا يكون كذلك الصحافي مثل "الاسكافي" يدقّ آخر مسمار في نعش مهنة المتاعب والمصاعب والمصائب، إلاّ أنها شريفة ونبيلة، تذود عن الوطن والمواطن، وتقف في صفّ البلد "ظالما أو مظلوما"، لا تركع ولا تخنع، ويتحوّل عندها القلم والميكروفون والكاميرا، إلى سلاح دمار شامل للردّ على المتآمرين والمتحاملين والمتطاولين والمندسّين والمشكّكين والمتربّصين..فكلّ عام وأنت يا صحافة القيم والقمم والهمم والذمم بخير.