قدّم الكاتب أديب بن عزي والكاتبة أمينة بقاط كتابيهما، على التوالي، "الجزر"، و"دروب النسيان"، الصادرين عن دار النشر "داليمان"، نهاية الأسبوع الماضي، بمدرسة الفنون كريشاندو بالبليدة. تحدثت الكاتبة أمينة بقاط عن الكتاب الذي ألّفته رفقة ابنتها نسيمة المصورة الفوتوغرافية، والذي عنونته ب "دروب النسيان"، فقالت إنّها زارت منطقة سيدي بلعباس، مسقط رأسها، رفقة ابنتها، وجالتا في أراضيها الخصبة، وتفقّدتا قصورها، التي تعرضت معظمها للخراب. كما تمتّعتا بالكثير من المناظر الطبيعية هناك، خاصة أن هذه المنطقة وتحديدا هضبة التسالة، حافظت على عمرانها القديم وكذا طبيعتها الخلابة، فكانت، بالفعل، رحلة امتزج فيها الحنين بالاكتشاف. وتابعت الروائية أنها لم تشعر بالحنين لفترة كانت فيها الجزائر مستعمرة، بل إنها تذكرت طفولتها التي قضتها في سيدي بلعباس، قبل ان يتلقى والدها تهديدات بالقتل باعتباره أول محام مسلم في المنطقة، لتغادر العائلة المكان. وأشارت إلى أن نظرتها إلى المنطقة تقاطعت مع نظرة ابنتها، التي وُلدت بعد الاستقلال، واكتشفت جمال هضبة التسالة بشكل منبهر، لتلتقط صورا عن المنطقة، وتزيّن بها هذا الكتاب الذي صدر حديثا، والذي يضم نصوصا لأدباء فرنسيين لهم علاقة بالجزائر، مثل نص الأديب كامو عن روايته الأخيرة "الرجل الأول"، التي اعترف فيها بضرورة رحيل فرنسا عن الجزائر، لأنها لا تمتلك جذورا بها، إضافة إلى نصوص كتّاب آخرين، مثل جون بيليغري، وكذا شهادتي كل من كريتسيان عاشور شولي، والأستاذ فوزان. كما اعتبرت المتحدثة أن الروايات التاريخية تعلّمنا تاريخنا وتاريخ غيرنا بشرط أن يكون كاتبها صادقا. ومن جهته، قدّم الكاتب أديب بن عزي تفاصيل عن روايته الأولى التي اختار لها عنوان "الجزر". ويدور موضوعها حول وليد، محام صاحب ماض مشبوه، يكون شاهدا على ذبح طفلة في تمنراست، فيلجأ إلى مركز الشرطة للإبلاغ عن هذا الحدث الشنيع، إلا أن الشرطة لا تقتنع بأقواله، خاصة مع غياب الجثة، ومحو كل آثار الجريمة بفعل زوبعة رملية، وهكذا يقرر وليد التحول إلى محقق، فينطلق في مغامرة لم تكن في الحسبان، تتخللها أحداث مختلفة، مثل الحرب الأهلية اللبنانية، ومقتل رئيسة الوزراء الهندية أنديرا غاندي، واحتضنتها عدة مدن في العالم مثل بيروت ودمشق ونيودلهي وموسكو وغيرها. وقال أديب إنه لم يكن يستطيع أن يكتب رواية تقع أحداثها في بلد واحد، باعتبار أنه يعيش في لندن، وقد تنقّل بحكم عمله، إلى عدة مدن في العالم، مثل نيويورك ودوبلن ومدغشقر وفرنسا، إلا أن الجزائر تموقعت في قلب روايته، لأنه "جزائري بكل بساطة". وتطرق أديب في روايته للعلاقة المعقدة بين الجزائروفرنسا. وفي هذا قال: "عيشي في لندن لفترة تزيد على 15 سنة، مكنني من الكتابة عن هذا الموضوع بشكل حيادي. يجب بناء حوار جاد بين الطرفين، لأننا مرتبطان ببعضنا البعض. وأي حدث كبير يقع في الجزائر سيمسّ فرنسا، والعكس صحيح". وتابع أن أصدقاءه الإنجليز لا يعرفون شيئا كبيرا عن الجزائر، أو يعتقدون أن الجزائر بلد لا يعترف، مثلا، بحقوق المرأة، وهو ما نكِره أديب. وفي هذا قال مجددا: "لا يفهم الإنجليز تعقّد العلاقات الجزائرية الفرنسية، حيث يعتبرون أن إنجلترا بالرغم من احتلالها زمبابوي وتحويلها إلى مستعمرة تابعة لها، إلا أن علاقتها، اليوم، بهذا البلد، طيبة، عكس العلاقة التي تجمع بين الجزائروفرنسا. وللرد على مثل هذه الأسئلة كتبتُ هذه الرواية". وأضاف أنه تناول في روايته أحداثا تاريخية لم يتم التطرق لها بشكل واضح من طرف المؤرخين والكُتاب، مؤكدا في السياق نفسه، عراقة تاريخ الجزائر، وضرورة الافتخار به، خاصة أنه يعود ألى 3000 سنة. ويضم الكثير من الأحداث التي يحكي عنها لأصدقائه الأجانب، مثل سرده وقائع حول يوغرطة للإيطاليين. ودحض أديب مزاعم أبناء جلدته أننا الوحيدون الذين عشنا مآسي وغيرها، بل أكد أننا مثل الجميع، ارتكبنا أخطاء، وتعرضنا لصدمات، وقدّم مثلا عن ذلك بما حدث لصديقته الإيرلندية، التي قتل جدها أخاه لخيانته الوطن، فحدثت عداوة بين أبناء وأحفاد الجد المناضل، وأبناء وأحفاد (الحركي) إلى غاية اللحظة رغم أن هذه الحادثة وقعت منذ قرن من الزمن. أما اختياره عنوان "الجزر"، فهو دليل على بروز أشياء قد نعتقد أنها اختفت، أو حتى إيجادنا أشياء غير متوقعة، وهي حال مرحلة الجزر التي يحدث فيها انخفاض وقتي تدرجي في منسوب مياه سطح المحيط أو البحر. وأضاف أن مقتل الطفلة الغامض في روايته، ستظهر حقيقته في آخر الرواية، مثل أن الأرشيف المحكم عليه والمعني بتاريخ الثورة الجزائرية، سيأتي يوم ويعرف فيه النور، ليؤكد حاجته إلى تعريف الآخرين ببلده وليس بحثا عن حبهم له.