استضاف منتدى الثقافة الإذاعي أول أمس، الدكتور أمين الزاوي للحديث عن اشكالية المثقف في الجزائر وما يحيط بها من تداعيات وعلاقات متفرعة الى السياسة والثقافة والتاريخ، وقد حاول الضيف بهدوئه إيجاد مساحة من التوازن بين حرية المثقف وبين التزاماته تجاه المجتمع والسلطة، لكنه بدا شرسا في دفاعه عن لغة الضاد وفي الدفاع أيضا عن المكتسبات التي حققتها الثقافة الجزائرية. بداية حدد الضيف مصطلح »المثقف« والذي يعد مصطلحا مائعا لم تعرفه العرب بهذا الإسم إلى غاية عصر النهضة العربية الحديثة أي بعد الإحتكاك مع الخارج من خلال البعثات العلمية، وقد سار منذ ذلك الوقت مصطلح »المثقف المحرك« ضمن نظرية »انطونيو غرامشي« الإيطالي الذي تحدث عن المثقف التقليدي والمثقف العضوي ومما قاله »أن كل إنسان مثقف على الرغم من جهله فإنه يمارس الثقافة من حيث لايدري«. إلا أن الزاوي قال أن هذا الرأي مائع وأطروحته غير دقيقة خاصة في المفاهيم الراهنة، ولابد من أن يعاد النظر في هذه القراءة في المجتمعات العربية والجنوبية. عن واقع المثقف في الجزائر أشار الزاوي الى مدى ارتباط هذا المثقف بالمقاومة، حيث لم يسبقه إليها أحد في العالم العربي، إن المثقف الجزائري هو أكثر نماذج النخب العربية تجسيدا للمقاومة من خلال الأعمال الإبداعية وغالبا ما شارك المثقف في هذه المقاومة، ومن الذين حملوا لواء المقاومة مثلا مفدي زكريا، كاتب ياسين، محمد ديب، مالك حداد، آل خليفة، ومولود فرعون وغيرهم كثيرون، وهناك مثقفون آخرون عرفوا بمثقفي الوسط وكانوا همزة وصل بين الجزائر وفرنسا وبين الاستقلال والاستعمار ومنهم محمد برحال مثلا. كما أن حالة الجزائر نموذجية في اللغة باعتبارها آلية فعالة في أي إبداع، وفيما يتعلق باللغة دائما فإن المثقف الجزائري يعمل ضمن محورين هما اللغة العربية أوالفرنسية، فالذي يستعمل العربية قراءة وكتابة تكون مرجعيته عربية - إسلامية أوقراءاته للإنتاج الفكري المترجم. وبخصوص الترجمة توقف الزاوي ليقول أنه طوال 50 عاما ترجم العرب 10 آلاف كتاب حسبما أكده الباحث عبد السلام شدادي، وأغلب الترجمات هذه كانت مشوهة لما طالها من قص كلما تعلق الأمر بالسياسة أوالدين أوالتاريخ أوغيرها من المحرمات، كما كان الحال مع الكلاسيكيات العالمية التي ترجمتها مثلا الهيئة المصرية للترجمة باشراف طه حسين. وهناك المثقف ذو المرجعية الفرنسية الذي لا يعرف الكثير عن التراث العربي الاسلامي ولا يختزن سوى الثقافة العربية بعيدا عن أية ثقافة محلية أوجنوبية. والعلاقة بين المثقف بالعربية والفرنسية -حسب الزاوي- تمتنت إبان حرب التحرير، حيث أجلت كل الخلافات السطحية للدفع بالقضية إلى الأمام، واستمرت هذه الوحدة والتلاحم بينهما الى ما بعد الاستقلال خاصة مع ظهور جريدة "1 نوفمبر" سنة 1963 التي كانت منبرا لحوارات ثقافية رائدة تخص الاستراتيجية الثقافية لجزائر ما بعد 1969. إلا أن هذه الفترة شهدت بعض الخروقات منها تسييس اللغة وأدلجتها بتعليم سياسي وايديولوجي وغياب الكفاءات العلمية في تدريسها حتى مع قدوم 7 آلاف أستاذ عربي الى الجزائر، ولم تواكب العربية طموح الجزائريين الذين تعاطوها حتى قبل الإستقلال من خلال قراءاتهم لدار الهلال المصرية التي تصل انتاجاتها النخبة الجزائرية أولا بأول، وهكذا عادت الفرنسية لتتربص بلغة الضاد. تخوف الزاوي من ازدهار اللعة الفرنسية في كل دول المغرب العربي ربما أكثر من أي وقت مضى وفق استراتيجية مدروسة ومستمرة وعميقة، وليس المطلوب - كما قال- الحرب على الفرنسية بل علينا وضعها في موضع الثقافة الأجنبية باستراتجية موازية وليست معادية، ذلك أن الثقافة تقوم على الاستراتيجية وليس على الفعل وردة الفعل. ويرى الزاوي أن لغة التعليم ليست هي لغة الثقافة، اللغة المهيمنة هي التي تنتج ثقافة وتروج لها وبكل ما يحيط بها من اقتصاد وفن واجتماع، وللأسف اليوم فإن إطارات جزائرية معربة تضطر للتعامل بالفرنسية في عالم الشغل، وهذا ما يعكس التدبير الفرنسي والفراغ الجزائري على الرغم من الدعم الذي توليه القيادة الحالية للثقافة من خلال مضاعفة الميزانية الخاصة بوزارة الثقافة. ويعتبر الزاوي أن علينا أن نعامل وزارتي الثقافة والشؤون الدينية كوزارات سيادة لأن راهن ومستقبل البلاد والعباد مرهون بهما. في الأخير، فضل الزاوي تجاوز بعض أسئلة الصحافة الخاصة بإبعاده عن منصبه في المكتبة الوطنية وقال »هذه سنة المناصب تأتي وتذهب، والسلطة لم تظلمني بل اتخذت إجراءًا هو من حقها، وقد صفيت دمي من الموضوع ولا أحمل ضفينة لأي أحد، بل أعتبر ذلك تجربة حياة«. بالمقابل، أشار الى أنه سيصدر في سبتمبر القادم رواية بالفرنسية بعنوان »غرفة العذراء« وأخرى بالعربية لم يتحدد عنوانها بعد وربما سيكون »قلب غيمة« أو»لب إبليس«. للتذكير فإن للزاوي 10 روايات منها 5 بالعربية، وترجمت أعماله إلى 13 لغة وله عدة دراسات في النقد منها آخر كتاب له وهو »عودة الإنتلجنسيا«.