تضمّن خطاب رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، للجزائريين بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم، رسائل وتطمينات يجب التوقف والوقوف عندها، فقد دعا إلى تجنّب سوء الاستهلاك والتبذير، داعيا بالمقابل التجار إلى أن يكونوا رحماء بإخوانهم المواطنين، مع الدعوة أيضا إلى مواصلة خصال التضامن والقناعة والتسامح. الرئيس، أشار في معرض حديثه إلى تقلبات وتحوّلات عالمية عميقة، انجرّ عنها دخول دول في مواجهة شحّ المؤونة وسوء التغذية وحتى المجاعة، وذلك نتيجة حتمية لتداعيات "سنوات كورونا" وكذا آثار الحروب في بعض بقاع العالم. صحيح، أن القدرة الشرائية تراجعت بشكل ملحوظ بالجزائر، وصحيح أن الأسعار ارتفعت كثيرا وصحيح أن جيوب "الزوالية" احترقت، لكن لا ينبغي تفسير هذه المتغيّرات الطارئة والاستثنائية بقراءات وتخمينات محلية حسب المقاس، فالأزمة الاقتصادية عالمية، وقد ضربت دولا كبرى ومتطوّرة وعصفت ببلدان فقيرة ونامية، بينما تحافظ الجزائر على قدرة فائقة بشهادة هيئات مالية واقتصادية عالمية، في حفظ التوازنات وسيادتها الغذائية، مقارنة بعديد البلدان الأخرى التي فقدت البوصلة أو تكاد تستسلم للضربات. رمضان الكريم هو فرصة ذهبية للوبيات وبقايا "العصابات" والبارونات و"مافيا الأسواق"، من أجل التوبة، توبة نصوحة، وخوف الله في هذا الشعب، والخوف كذلك من "دعاوي الشرّ" ولعنة الأتقياء والنزهاء والشرفاء، وليستغلّ أولئك المغامرون تصفيد الشياطين في هذا الشهر، ليصفّدوا أنفسهم عن النهب والسلب وركوب الأزمات واستغلال المحن والإحن لرفع الأسعار، وفبركة الندرة من أجل المضاربة والربح السريع خارج القانون والأخلاق! لقد اعتمدت الدولة الجزائرية، إجراءات سيادية لضمان أمنها الغذائي، وهذا ما غاب في عديد البلدان التي أعلن بعضها إفلاسه المالي، وبعضها الآخر أصبح قاب قوسين أو أدنى من مستنقع "الجوع"، نتيجة التبعات الاقتصادية الخطيرة، وتراكمات ومخلّفات جائحة كورونا التي لم تبق على أخضر ولا يابس في عدّة أرجاء من المعمورة. إن التضامن والتراحم والقناعة والتسامح والتلاحم هي ميزات جزائرية بامتياز، ولذلك خسئ وسيخسأ اليوم وغدا المضاربون و«الباندية" والمتلاعبون بقوت الجزائريين، وحتى إن أراد هذا "الرهط" من مرضى النفوس والقلوب، استغلال الأزمات والمآسي، فإن تماسك الشعب وتعاونه سيخلط أوراق وحسابات هؤلاء، ويُثبت مرّة أخرى مثلما تعوّد عليه في السراء والضراء أن الخير دائما المنتصر وأن الشرّ مهزوم ومنبوذ إلى يوم الدين. لقد اعتمدت الدولة الجزائرية، بكلّ سيادية، قرارات سريعة وليست متسرّعة بلغة الاقتصاد والأعمال والتجارة، حيث قرّرت خلال اجتماع مجلس الوزراء، منع تصدير السلع المستوردة ومنها الغذاء الأساسي لمختلف فئات وشرائح المجتمع، وذلك حفاظا على قوت "الزوالية" وسيادة الدولة، ووضع حدّ لاستغلال أموال الدعم والخزينة العمومية من طرف أفراد وجماعات استيراد "الخردة" و"أحشاء الدواجن" وتصدير ما لا يجب تصديره! إن أزمة التموين التي بدأت تلوح في الأفق عبر عديد البلدان، نتيجة كورونا والحروب الظاهرة والمستترة، يقابلها والحمد لله استقرار من حيث الغذاء في الجزائر، وإن طفت بعض علامات الندرة ومؤشرات المضاربة الوحشية وإشعال النّار في الأسعار، فإن ذلك ليس إلاّ اصطيادا في المياه العكرة من طرف من لا يخاف ربّ العباد، ولسان حال الأغلبية الساحقة والمطلقة تردّد بلا تردّد: "وكيلكم ربي".