تعكف الحكومة في الفترة الأخيرة على دراسة الملف المتعلق بإعادة انتشار القطاع العمومي التجاري وإعادة هيكلته الذي يقدم على أنه جزء من الاستراتيجية الصناعية التي يجري وضع آخر الرتوشات عليها قبل الشروع في تطبيقها· وخصص مجلس الحكومة اجتماعاته الأخيرة لدراسة أهم ملامح هذا الملف الذي اشرف على إعداده وزير الصناعة وترقية الاستثمارات حميد تمار وسط حديث عن وجود نقاش ثري وحاد أحيانا حول مستقبل هذا القطاع الذي عرف تغيرات عديدة وطبقت عليه سياسات مختلفة لم تنجح لحد الآن في تحقيق النجاعة المطلوبة منه· فهذا القطاع الذي تم الحديث عن التخلي عنه تماما في فترة سابقة لاسيما في إطار برنامجي الشراكة والخوصصة باعتباره لايستطيع مواكبة التغيرات والتحولات، ولأن الدولة قررت التخلي تدريجيا عن القطاع الاقتصادي لصالح المبادرات الخاصة، عاد إلى الواجهة بعد ان قررت الحكومة وضع استراتيجية صناعية تهدف إلى إعادة الاعتبار للنسيج الصناعية الجزائري· في هذا الإطار تمت في مجلس الحكومة الأخير الذي عقد يوم الثلاثاء دراسة الوسائل الكفيلة بالحفاظ على القدرات الإنتاجية للبلاد وآليات إنعاش الجهاز الصناعي، والشروط الموضوعية التي تضعف تنافسية الجهاز الإنتاجي الوطني والمؤهلات التي من شأنها تعزيز هذه القدرات من اجل إقامة نسيج صناعي تنافسي على أساس إنتاجية تشهد تحسنا مستمرا· كما قام مجلس الحكومة بتحليل وضعية القطاع العمومي التجاري على ضوء الإستراتيجية الصناعية واستعرض الطاقات التنموية الملموسة للبلاد التي تتشكل من نشاطات يمكن أن تضمن تخصصا على مستوى الأسواق الخارجية ونشاطات مهيكلة و واعدة في آن واحد ونشاطات أخرى ترمي إلى الدعم الضروري لتنافسية المؤسسات وتعزيز إنتاجيتها· وأوضح بيان المجلس أن التحليل الذي تم سمح بتحديد النشاطات الواجب تشجيعها والتي تعد عموما ذات قيمة مضافة عالية ومستوى تكنولوجي رفيع والتي تتوفر على مزايا مطلقة أو نسبية أكيدة· وكان مجلس الحكومة قد شرع في دراسة ومناقشة هذا الملف في 25 ديسمبر الماضي بغرض إجراء تقييم شامل للوضعية المؤسساتية والاقتصادية للقطاع العمومي التجاري قبل تحديد شروط إعادة نشره من أجل ضبط السياسات الضرورية لإعادة هيكلته· وانصب التقييم أساسا على إطار تسيير القطاع بما في ذلك إحترام الإجراءات القانونية والنقائص المسجلة في النصوص المتعلقة بتنظيم المؤسسة العمومية الاقتصادية ومعايير تحديد الحافظات، والوضعية الاقتصادية والمالية بهدف تمكين المؤسسات من إستعادة قدرتها على الاستمرار من خلال توخي النجاعة في ظل إقتصاد معولم وتهيمن عليه المنافسة· كما مكن هذا التقييم من تحديد اختلالات هذا القطاع وأسبابها من أجل إدخال التصحيحات الضرورية لتداركها· وبخصوص مسألة إعادة انتشار القطاع العمومي التجاري وإعادة هيكلته فتمت الدراسة على ضوء التجربة المكتسبة ومقتضيات الإستراتيجية الصناعية والرغبة في العمل على ضمان إنتاجية وتنافسية أكبر للاقتصاد الوطني· ولهذا فإن الحكومة تحدثت عن وضع أسس إعادة إنتشار جهاز الإنتاج وذلك بإعتماد سياسة متعددة الأبعاد ترمي الى إعادة بناء النسيج الصناعي وضمان إنتعاش معتبر للإنتاج، اضافة الى الحد من تراجع القدرات الإنتاجية والحفاظ على النشاطات الإستراتيجية وتشجيع التخصص في الفروع التي تتوفر فيها الجزائر على مزايا مادية وتاريخية مطلقة · وسمح طرح هذا الملف بالتطرق ايضا الى مسألة الملكية من أجل إحاطة أدق بما يمكن أن يشكل إزدواجية لمسؤوليات شركات تسيير المساهمات المكلفة بخوصصة حافظاتها وتطويرها في آن واحد، لاسيما عبر تحديد التناقضات المحتملة التي يمكن أن تنطوي عليها هذه المهمة الثنائية وتعميق فكرة فصل نشاطات التسيير العادي للمؤسسة وتطويرها عن نشاطات الخوصصة· وبصفة عامة تم الحديث في هذا الاطار عن تحديد إطار جديد لتنظيم القطاع العمومي التجاري · وتصور مستقبل هذا القطاع في ظل مقاربة مجددة مع توخي هدف المحافظة على هذه القدرات التي تشكل مكسبا هاما في السياسة التنموية للبلاد وإدماجها في السوق العالمية· وكان وزير الصناعة وترقية الاستثمارات حميد تمار قد اكد ان الحكومة ستلجأ إلى إعادة النظر في نشر التوزيع الحالي للمؤسسات العمومية ملمحا إلى إمكانية حل شركات مساهمات الدولة دون ان يوضح الصيغة التي سيتم من خلالها تسيير هذا القطاع على هامش حضوره ملتقى حول مكانة القطاع العام في الإستراتيجية الصناعية الذي عقد عشية البدء في مناقشة الملف· وشدد حينها على ان الأمر لن يتعلق باستبدال هيئة بهيئة أخرى وقال "إذا كان الأمر يتعلق بتغيير الكلمات فانه لاداعي من التغيير" · ويرجع الحديث عن التغيير في القطاع العمومي إلى عدة أشهر بعد أن أظهرت شركات مساهمات الدولة محدودية في النجاعة لاسيما في تطبيق برنامج الخوصصة بالرغم من الامكانيات الكبيرة التي منحت لها· وكان تمار من معارضي صيغة الهيئة المديرة منذ توليه الاشراف على هذا القطاع الذي بقي حبيس وضعية جامدة منذ اكثر من خمس سنوات· وكان وضع مجموعة الاتصال التي تضم مؤسسات الإعلام والاتصال العمومية تحت وصاية وزارة الاتصال مؤخرا مؤشرا نحو احداث تغييرات هامة في هذا القطاع لاسيما بعد ان اشتكى عدد من الوزراء من تداخل الصلاحيات في الإشراف عن المؤسسات العمومية مما يجعل مسار اتخاذ القرارات بشانها معقدا·