تروّج العديد من الأعمال الرمضانية؛ دراما أو كوميديا، بصرف النظر عن الحصص الحوارية، للتراث الجزائري وثقافته. وقد طفت، بشكل لافت، خلال الموسم الرمضاني الحالي؛ لعل ذلك مرده إلى تزايد الوعي بأهمية حمايته والتعريف به. والأكثر من ذلك الاعتزاز به؛ لكونه يحدد الهوية والشخصية الجزائرية. الجزائريون فخورون بثقافتهم، وعاداتهم وتقاليدهم. والتفت المضمون الدرامي والكوميدي للمسلسلات التي تُبث على القنوات التلفزيونية الجزائرية العمومية والخاصة، إلى هذا الأمر الهام، وليس بهدف الصون من الادعاءات الواهية فقط؛ فقد أعطت لمجمل الأعمال جمالية فنية مدهشة، كانت السبب في استقطاب جمهور أكبر يشاهد قصصا تشبهه، في ديكور ولباس وأكسسوار وكلام يعرفه، قريب من قلبه، يعكس بحقٍّ واقعه. الحديث عن الواقعية التي كثر عنها الحديث في الموسم الرمضاني الجاري، لا يتعلق، فقط، بالمواضيع المتطرَّق لها؛ كمواضيع الإدمان وتهريب الآثار والذهب والعنف وغيرها، وإنّما، أيضا، يرتبط بأشياء كثيرة، تتعلق بسلوكات المجتمع الجزائري وحياته؛ على غرار الكلام الحواري الذي استغنى أخيرا عن المفردات العربية الفصحى التي لا يتداولها الجزائريون في يومياتهم، وتم الاستعانة باللهجة الجزائرية على اختلاف مناطقها، وبذلك ضمنت الأعمال التلفزيونية ملح الفرجة. ويبدو أن كتّاب السيناريو والمخرجين انفكت عقدتهم من اللهجة؛ فالاستعمالات السابقة للغة العربية الفصحى وضعها محل سخرية من طرف الجمهور. ولسنوات عديدة ماضية، كان الجمهور الجزائري يتوجه نحو مسلسلات عربية؛ لأنها تحكي واقعهم بلهجتهم، ويكتشفون بذلك عاداتهم وحياتهم؛ لذلك نجد الكثير منهم يعرفون، مثلا، الأكل السوري أو الموسيقى المصرية وأمثالهم الشعبية. ومن شأن هذا الاهتمام بالإرث الجزائري سواء تعلق الأمر بالثقافة أو العادات الاجتماعية، أن يروَّج له بشكل فني لائق، ويفتح المجال للعالم حتى يكتشف، كما حدث لمسلسل "الدامة" الذي يتحدث بلغة عاصمية. ونشاهد الأكل الجزائري مثل الكسكسي. ونسمع عن أسماء المجوهرات الحقيقية. كما نشاهد في السلسلة الفكاهية "دار لفشوش"، اللباس التقليدي الجزائري من الخياطة العالية، وتسمى بمسمياتها، التي نعرفها والتي نكتشفها أيضا حتى وإن كانت مقترحة من باب الإشهار، علاوة على الموسيقى الجزائرية الكلاسيكية (أندلسي). وقد حيّا رواد شبكات التواصل الاجتماعي، مؤخرا، الحضور البهي للممثلة سامية مزيان، التي أدت دور "لالة زهور" في سلسلة "دار لفشوش"؛ ذلك أنها غالبا بلباس تقليدي أصيل، بحليّه البهي. ونضيف إلى ذلك استعمالها الآلة الموسيقية الجزائرية الكويترة، التي ترمز لأصالة الطرب الأندلسي. وكذلك استمعنا في سلسلة "البطحة"، ومن باب الفكاهة، للشاب حسني، وبلال، بينما اكتفى المسلسلان "حداش حداش" و«الاختيار الأول" بإظهار حياة أكثر عصرية.