اقتربت" المساء" من بعض الدكاترة المشاركين في ملتقى "الزليج، فن معماري... تاريخ حضاري ومرآة للهوية الثقافية الجزائرية"، الذي نظم في الفترة الأخيرة بجامعة البليدة (2) "لونيسي علي"، وطرحت عليهم عدة أسئلة عن أصول الزليج الجزائري وخصوصياته، فكان هذا الموضوع. الدكتورة زكية راجعي: الاستعمار هدم معظم زليج الجزائر دحضت الأستاذة الدكتورة زكية راجعي، أستاذة تخصص آثار إسلامية، مقولة وجود فن خالص، بل أكدت تأثره بفنون أخرى يعود أصلها إلى جهات مختلفة، وهو ما حدث مع فن الزليج الذي قدم من الخارج، وتحديدا من العراق وإيران، ثم تحول إلى فن محلي. وأضافت أنه في فترة الحكم العثماني، كان المغرب العربي منطقة واحدة، لهذا ما نجده في الجزائر مثلا ، موجود أيضا في تونس مثلا والعكس صحيح، خاصة أن "الصنايعي" كان ينتقل بسهولة بين هذه المناطق، ويعمل فيها بكل حرية، مشيرة إلى أن الجزم بأن فنٌ ما وطني محض غير موجود في المصادر التاريخية، حتى وإن وُجد، فقد يكون من خطه، فعل ذلك، خائفا من الحاكم. أما عن أصول الزليج، فقالت الدكتورة، إنه من الصعب تحديدها، مشيرة إلى أن فن الطلاءات مرتبط بالعراق وإيران، وهذا حسب الآثار الموجودة، وكانت تغطى به الجدران المصنوعة من الآجر. في حين أول ظهور له في بلاد المغرب، كان في الجزائر، وتحديدا في قلعة بني حماد (المسيلة)، لكن قبل ذلك، أراد حاكم القيروان (تونس) تزيين قصره، فطلب جلب قطع من الزليج، بعدها غير رأيه وقرر تزيين محراب جامع القيروان بتلك المربعات الخزفية من البريق المعدني، التي جاءته من العراق برفقة صانع. وتابعت محدثة "المساء"، أنه حينما تعرضت القيروان للتخريب، هاجر الكثير من سكانها إلى قلعة بني حماد، تحت حكم الدولة الحمادية، التي كان يعيش سكانها في تسامح كبير، حتى أنها كانت تستقطب أناسا من دول أخرى، مثل العراق وسوريا، وهنا يظهر التشابه بين القلعة ومعالم بقونية، التي عرفت توافد السلاجقة فيها ومعهم هذا الفن، مضيفة أنه في فترة حكم الدولة الموحدية التي وحدت كل منطقة المغرب العربي والأندلس، تنقلت هذه الصنعة إلى الأندلس وزينت قصورها، مثل قصر الحمراء بالأندلس، لتعود إلى الجزائر بشكل أكثر بهاء وجمالا. أكدت المتحدثة، محاولة قضاء الاستعمار الفرنسي على صنعة الزليج في الجزائر، حيث هدمت المنطقة الصناعية للجزائر بساحة الشهداء، كما خربت الكثير من معالمها، لتبقى بعض المدن مثل تلمسان، محافظة على بعض معالمها المزينة بالزليج. في حين وبحكم أن المغرب تعرضت للوصاية، وليس للاستعمار، مثل الجزائر، لم تتعرض معالمها للهدم ولا للتخريب، كي تحافظ على زليجها. في المقابل، قالت الدكتورة، إنه في العاصمة حينما يقولون إن الدار بنيت بالزلايج، فهذا يعني أن صاحبها ثري، مشيرة إلى أن كلمة "زليج" تستعمل في دول المغرب والأندلس، بينما غائبة في المشرق، مثل مصر، التي تبتغي استعمال الرخام. أما عن أصل كلمة "زليج"، فيعود إلى الكلمة الإسبانية "أزوليهو"، والتي تعني "ذي اللون الأزرق"، وهي مقتبسة من كلمة "لابوليزاري"، أي الحجر الكريم الأزرق، مثل مدينة قونية التركية المزينة بالزخرفة الزرقاء. الدكتورة أم الخير مطروح: من زليج مفصص إلى بلاطات خزفية باهرة من جهتها، قالت الدكتورة مطروح، باحثة في المركز الوطني للبحث في علم الآثار، تخصص فترة إسلامية، إن أصول الزليج تعود إلى حضارات قديمة، لكن لا تُعنى بالرسومات المتعارف عليها، وقد ظهر في شكل زليج مفصص في القرنين 13 و14ميلادي، في حين كان قد عُرف في الفترة العثمانية على شكل تشكيلة من أربعة مربعات صغيرة، تضم زخارف نباتية أو هندسية أو كتابية، استجلبت من إيطاليا وهولندا وتونس، هذه الأخيرة عمل صناعها على تقليد الزليج القادم من دول أخرى، مضيفة أنه في منطقة القلايين، بدأ تقليد رسم زهرة القرنفل، ثم وبفعل الحركة العمرانية، وصل الزليج إلى الجزائر، لحاجة حكامها في تأثيث قصورهم، فاشتروا الزليج من إيطاليا وإسبانيا وتونس في القرن 16، علما أنه كان موجودا في القرنين 13 و14 في تلمسان، لكن بشكل آخر (زليج مفصص)، ليتطور، كما سبق وأن ذكرته الدكتورة، إلى بلاطات خزفية في غاية الجمال، مثل تلك الموجودة في "حصن 23" و«دار عزيزة" بالقصبة. وذكرت الدكتورة أنواع رسومات الزليج التي تم تقليدها في بلدان المغرب العربي، وهي زهرة القرنفل وزهرة اللوتس ومخالب الأسد، تظهر بالدرجة الأولى في قصور القصبة، وحتى في تلمسان ووهران وقسنطينة، وإن كان ذلك بشكل أخف، نظرا لقلة تأثير الحكم العثماني في هذه المدن، أما في تلمسان، فنجد هذه الزخارف في مواقع قليلة، مثل دخلة ضريح سيدي بومدين، لتطالب بالاعتماد على الزليج في بناء قصور جديدة. عبد المجيد قاسمي الحسني: الزليج الجزائري متميز بألوانه ورسوماته أما الدكتور عبد المجيد قاسمي الحسني، باحث في الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع، وأستاذ محاضر بجامعة البليدة "2"، فأشار إلى تضارب المقاربات حول أصول الزليج بين الباحثين، إلا أن المتفق عليه، أن الزليج العمراني تم إنتاجه في الحضارة الإسلامية، مع توسع الفتوحات الإسلامية، حيث ورثها الفرد المسلم عن من احتك بهم من الحضارات المجاورة (الحضارة الرومانية والحضارة الفارسية)، التي كانت توظف تقنيات التبليط من فسيفساء وغيرها، لتجسيد مشاهد لمواضع حياتية اجتماعية وغيرها، كمشاهد الحروب والصيد، إلا أن الفرد المسلم قام بتطوير هذا المكتسب، بإضافة تقنيات جديدة وتجسيد مضامين حسب خصوصية المجتمعات الإسلامية، لينتج لنا الزليج بشكله المعروف. أما عن أصول الزليج في الجزائر، فقال الدكتور قاسمي الحسني، إنها تعود إلى عهد المرينيين، حيث استخدم في المنازل والقصور، خاصة في المدن الحضرية (الجزائر، قسنطينة، تلمسان). كما تكمن خصوصيات الزليج الجزائري في تقنيات تجسيده، وفي طبيعة الألوان والأشكال المستخدمة فيه، والمضامين والتعابير والدلالات المحمولة فيه، والتي يعكس فيها على العموم، الخصوصية الثقافية للمجتمع الجزائري، كما يتميز ببعده الجمالي الذي يبرز براعة الفنان والحرفي الجزائري على مر العصور. في المقابل، اعتبر رئيس ملتقى الزليج، أن تنظيم هذه الفعالية مرده فتح مجال البحث في ميدان التراث والموروث الثقافي الجزائري، باعتبار أن من لا تراث له، لا هوية له، وأن من لا هوية له، لا وجود له. وتابع أن هذه الفعالية نظمت أيضا بمناسبة شهر التراث، وتحضيرا لمشروع "البليدة عاصمة الثقافة الأندلسية 2025"، وقد اختير موضوع الزليج، باعتباره من الشواهد المادية التي تبرز حنكة وخبرة المعماري والحرفي والتقني الجزائري، وكذا عنوان لتراكم زخم خصوصيات وابتكارات بأياد جزائرية عبر مختلف العصور. وتابع مجددا، أن هذا الملتقى هو بمثابة القطيعة مع كل التضاربات والتأويلات التي صاحبت موضوع الزليج في الآونة الأخيرة، كما هو رد علمي لها، من خلال تقديم مختلف المقاربات في مختلف التخصصات الإنسانية والتقنية، لإبراز حقيقة ماهية الزليج.