التقت "المساء" بالروائي الجزائري سعيد خطيبي، على هامش توقيعه روايته "نهاية الصحراء" التي فاز بها بجائزة "الشيخ زايد"، في جناح "هاشيت أنطوان" بالصالون الدولي للكتاب بالجزائر، فكان هذا الحوار. ❊ اخترت أن تكتب روايتك الأخيرة في قالب بوليسي، إلامَ يعود ذلك، خاصة أن الكتابات العربية شحيحة في هذا النوع من الأدب؟ ❊❊ صحيح أن الرواية البوليسية لا نجدها كثيرا ليس في الجزائر وحسب، بل حتى في العالم العربي؛ لأنها تحتاج إلى هامش أكبر من الحرية والديموقراطية، في حين نعيش نحن في مجتمعات عربية، هامشها للحرية ليس كما ينبغي. وهكذا كبرت الرواية البوليسية، وتطورت في الغرب. وبالمقابل، يجب أن نقاوم ككُتّاب، من أجل فرض هامش أوسع من الحرية؛ لكي تتاح فرصة كتابة روايات بوليسية أخرى وليست واحدة. ❊ "نهاية الصحراء" رواية بوليسية لكن باطنها تاريخي، فلِم هذا المزج بين نموذجين من الكتابة الأدبية؟ ❊❊ تناولت في روايتي هذه أحداث 5 أكتوبر 1988، التي أعتبرها حدثا دراميا وتراجيديا في تاريخ الجزائر. ولكي نفهم تلك المرحلة لا بدّ أن نعود إلى الماضي، وإلى إرهاصات حرب التحرير، والصراعات في تلك الفترة. أظن أننا نعيش، حاليا، هذا الحاضر الذي يُعدّ نتاجا أو تراكما للماضي، فلا يمكن أن نفهم حاضرنا بدون فهم ما حصل أيام حرب التحرير. ❊ هل تشعر بالمسؤولية حينما تكتب عن التاريخ؟ ❊❊ ليست مسؤولية؛ أنا لست مؤرّخا؛ بل أمارس حقي في التخييل، وفي كتابة الرواية. كما أمارس حقي في الخطأ. حقا، حينما لا توجد كتب ولا يوجد عمل تاريخي، ينوب عنه الكاتب، ولكن بالرغم من ذلك لا أدّعي الحقيقة، بل كما ذكرت آنفا، أمارس حقي في الخطأ. ❊ هل تعتقد أنّه لم يُكتب كثيرا عن التاريخ الجزائري؟ ❊❊ نعم للأسف؛ لأن التاريخ متعلّق بالأرشيف. والوصول إلى الأرشيف أمر مستعص. نحن بحاجة إلى إرادة سياسية في فتح الأرشيف. ونحن، أيضا، بحاجة إلى شجاعة، ومناقشة ماضينا، وتقبّل ما كنا عليه، حينها سنتحدث عن كتابة التاريخ. ❊ تحصّلت على العديد من الجوائز الأدبية، هل شجعك ذلك على الكتابة أكثر؟ ❊❊ أي كاتب يحب أن يحصل على تكريم، وذلك يشجعه على المضي أكثر. ولكن الشيء المؤسف في هذه العملية كلها، أنني لا أرى لذلك صدى في بلدي الجزائر! فنحن نمتلك معرض كتاب واحدا؛ هذا أمر محزن؛ لأننا في بلد، من المفروض، يمتلك خمسة معارض دولية للكتاب. ومن المفروض أيضا، أنه يشجع على إنشاء المكتبات، لا على محلات الأكل السريع. أتمنى أن تكون إرادة سياسية حول سوق الكتاب؛ لأن خارج أيام تنظيم معرض الكتاب، نشهد بقية أيام السنة، تصحرا في سوق الكتاب! ❊ هل ترى نفسك سفيرا للأدب الجزائري في سلوفينيا حيث تقيم؟ ❊❊ أقيم في الجزائر مع عائلتي. وأسافر إلى سلوفينيا، فقط، لشؤون العمل. وهكذا أعيش بين ضفتين؛ أشتغل في سلوفينيا في الصحافة، وأعمل هنا، أيضا، في الجزائر. كما أحاول تقديم صورة عن بلدي الجزائر في الخارج، والدفاع عنه. نعم أعتبر نفسي أوّل جندي جزائري؛ لأنني خارج الحدود أدافع عن هذا البلد، ولكن، بالمقابل، هذا البلد لا يدافع عن كُتّابه! قبل أربع سنوات، دافعت عن مشروع ترجمة للأدب الجزائري في سلوفينيا. وقد تمكنا من ترجمة كتب آسيا جبار. أما في العام الماضي ففعلنا نفس الشيء بالنسبة لفرانس فانون؛ فكلما أتيحت لي فرصة أحاول تقديم مشاريع ترجمة الأدب الجزائري هناك. ❊ لماذا سلوفينيا تحديدا؟ ❊❊ لأنه بلد بدون ماض كولونيالي؛ ليست له عقدة كولونيالية. أشعر فيه بحرية أفضل من بلد آخر له عقدة كولونيالية. أمام ما يحدث في فلسطين، هل ننتظر رواية لسعيد خطيبي عن هذا الشعب الجريح؟ ❊❊ أنا أكتب عن محنة أي بلد مستضعف ليس فقط لفلسطين. وقد سبق لي أن كتبت رواية بعنوان "حطب سراييفو"، عن مأساة البوسنة والهرسك. فأنا معنيّ بالسؤال الإنساني قبل السؤال السياسي. فلسطين موجودة في أمكنة أخرى، وموجودة، أيضا، في الجزائر، وبالتالي ليس مهمّا بالنسبة لي الموضوع الإثني، أو العرقي، أو الجغرافي مادامت القضية إنسانية، نتشارك فيها جميعا.