لم تحمل خرجة وزير الخارجية الإسباني ميغال أنخيل موراتينوس بالقيام بوساطة بين المغرب والجزائر لتسوية خلافاتهما في إشارة إلى إعادة فتح الحدود المقفلة منذ خمسة عشر عاما جديدا سوى أنها جاءت لتؤكد أن الرباط لا تفوت فرصة إلا واستغلتها من أجل استجداء الآخرين لتسوية نزاع كانت هي التي افتعلته لحسابات ضيقة انقلبت عليها في النهاية. فلا يمكن إخراج "تأكيدات" موراتينوس التي ابتهجت لها الصحافة المغربية وروجت لها عن إطار رغبة مغربية لاستغلال "الوساطة الإسبانية" هذه المرة من أجل تحقيق هدفها الذي فشلت في تحقيقه إلى حد الآن بإعادة فتح الحدود بدعوى أن أسباب غلقها لم تعد موجودة. ولم يجد الوزير الاسباني الذي حل في زيارة عمل واستجمام بمنطقة أصلية السياحية المغربية سوى إرضاء الرباط والقول أن بلاده تشجع "تطبيع العلاقات بين الجزائروالرباط من اجل تحقيق تقارب وإيجاد مناخ من التوافق والصداقة في كل منطقة المغرب العربي" بهدف إظهار الجزائر على أنها السبب المباشر في هذه "القطيعة" وأن المغرب هو "الضحية" وتكون الرباط ومدريد قد أخطأتا وفق هذه المقاربة في تسوية خلافات ثنائية على اعتبار أن عرف التعاملات الدبلوماسية يؤكد أن الوساطات أو المساعي الحميدة عادة ما يقوم بها طرف ثالث بين دولتين لا تربطهما أية علاقات دبلوماسية مباشرة وهو الأمر غير المتوفر في علاقات الجزائر والمغرب. فزيارات المسؤولين الجزائريين والمغربيين إلى الرباطوالجزائر ورسائل الود والشكر والامتنان وحتى التعازي كلها وسائل كفيلة للطرفين للاستغناء عن طرف ثالث للقيام بوساطة بينهما. أما إذا كان موراتينوس يريد التملق لدى السلطات المغربية خدمة لمصالح بلاده الاقتصادية المتنامية في المملكة إلى درجة أنها أصبحت تنافس المصالح الفرنسية فان تصريحاته سوف لن تتعدى جدران القاعة التي أدلى فيها بتلك التصريحات. وموراتينوس بحكم حنكته الدبلوماسية ونظيره المغربي بحكم اطلاعه على خفايا ملف علاقات بلاده بالجزائر يدركان أن تلك التصريحات لن تخدم التقارب الذي تطالب به الرباط خاصة وان العديد من المسؤولين الجزائريين سبق لهم أن أكدوا أن المغرب والجزائر ليسا في حاجة إلى من يتوسط بينهما وغلق الحدود لا يعني قطع العلاقات وإنما مجرد إجراء أملته ظروف ومعطيات تعرفها الرباطوالجزائر على السواء. وهي ليست المرة الأولى التي تدعو فيها الرباط أطرافا ثالثة للتوسط بينها وبين الجزائر فقد فعلها الملك محمد السادس خلال القمة العربية الاقتصادية الأولى في الكويت العام الماضي بعد أن بعث إلى المشاركين فيها برسالة حملت عتابا معلنا على الجزائر لأنها أبقت على حدودها مع بلده مغلقة. ويكون الملك محمد السادس ووزراء حكومته من خلال هذه المساعي يريدون "حجب الشمس بالغربال" كما يقال والقفز على حقائق تضمنتها مطالب الجزائر الواضحة والتي لها صلة مباشرة بقضايا اقتصادية وأمنية وتقنية شكلت لأجلها لجان مختصة مهمتها مناقشة كل جوانبها الإيجابية والسلبية على هذا الطرف أو ذاك والانطلاق بالتالي في علاقات مبنية على أسس أكثر صلابة وبمصالح متبادلة لا ضرر ولا ضرار فيها. ولكن الرباط لم تقدم ردودا واضحة بخصوص تدفق أطنان الكيف من الريف المغربي على الجزائر كل عام وقبلها التسهيلات التي كان عناصر الجماعة الإسلامية المسلحة يتمتعون بها فوق الإقليم المغربي ضمن خطة الملك الراحل الحسن الثاني لجعل الجزائر مخبرا لتجربة سياسية هي الأولى من نوعها في شمال إفريقيا من خلال السماح بتدفق الأموال والأسلحة إلى معاقل الجماعات الإرهابية في الجزائر وتسهيلات الدخول والخروج لهؤلاء دون الحديث عن عمليات التهريب المتواصلة للمنتجات الجزائرية باتجاه السوق المغربية. وهي كلها قضايا تدفع إلى طرح سؤال حول مضمون الوساطة التي سيعرضها موراتينوس على الجزائر؟ وكان الأجدر به أن يبحث عن الخلل في هذه العلاقات في الرباط حيث ينزل سائحا من درجة "في . إي .بي".