تميّز افتتاح الدورة الثالثة عشر من المهرجان الدولي للموسيقى السمفونية، ليلة أول أمس الخميس، بأوبرا الجزائر "بوعلام بسايح"، بتقديم تجربة جميلة خاضها المطرب عباس ريغي، عندما أمتع الحضور بمقاطع تراثية من المالوف القسنطيني بخلفية سمفونية، رافقه فيها الجوق الوطني بقيادة المايسترو لطفي سعيدي. أكدت وزيرة الثقافة والفنون صورية مولوجي وهي تفتتح المهرجان، أن الجزائر تؤمن بأن الفعل الثقافي والفنون جميعا، خير سفير للسلام بين الأمم، مجددة الحرص على الارتقاء بالقيمة الفنية، والتميز الإبداعي. وأشارت الوزيرة إلى أن اختيار تاريخ السادس عشر من ماي لافتتاح هذه الدورة موافقا لليوم العالمي للعيش معا بسلام الذي بادرت به الجزائر وكرّسته الجمعية العامة للأمم المتحدة كيوم عالمي من كل سنة، يؤكد التزام الجزائر بمبادئ نشر السلم بين دول العالم، ونبذ الصراعات والحروب والاعتداء على سيادة وأمن الشعوب. وزادت مولوجي أن هذا اللقاء بات موعدا عالميا تجتمع فيه، على أرض الجزائر، القامات الكبيرة في الموسيقى السمفونية من الملحّنين والعازفين؛ ما جعلها عاصمة لهذا اللون الموسيقي، الذي يحظى بتقدير خاص لدى كل شعوب العالم، داعية: "نهيب بكل الفنانين وأحرار العالم، نصرة الشعب الفلسطيني أمام ما يتعرض له من عدوان غاشم، واعتداء صارخ على أراضيه الطاهرة" . وختمت: "ستظل الموسيقى السمفونية من أرقى لغات العالم؛ كونها رسالة نبل وسلام ومحبة بين الشعوب". من جهته، اعتبر محافظ المهرجان الدولي للموسيقى السمفونية المايسترو عبد القادر بوعزارة، تنظيم هذه الدورة "تتويجا لمسار طويل جدا من التحسيس حول الموسيقى العالمية، وإدراج الجزائر في هذا المحفل" . وقال: "إن هذا الموعد الموسيقي السنوي يبقى ملتقى ثقافيا بين مختلف الأمم. وندعوكم، من خلاله، لرحلة غنائية وموسيقية غنية بالألحان، لأكبر الأسماء في ميدان الموسيقى السيمفونية"، مواصلا بالقول: " إن ضيوف أوبرا الجزائر "بوعلام بسايح"، سيستمتعون بعروض تقدمها أكبر الأوركسترات والمجموعات الموسيقية الدولية المنحدرة من 14 دولة، وهي تهديهم روائع من الربرتوار العالمي "، مذكرا بالعادة التي دأب المهرجان عليها، وهي برمجة دورات ماستر كلاص لفائدة طلبة الموسيقى، زيادة على محاضرات يؤطرها أساتذة كبار. الدورة الثالثة عشر من المهرجان الدولي للموسيقى السمفونية حملت في افتتاحيتها، مزيجا موسيقيا وإنسانيا جميلا، امتد من الجزائر إلى الصين التي تحل ضيف شرف على المهرجان المستمر إلى غاية 22 ماي الجاري. كما وقفت عند صمود غزة المخذولة من خلال افتتاحية "قوّة القدر" للموسيقار الإيطالي جوسيبي فيردي؛ حيث اعتلى المايسترو لطفي سعيدي ركح الأوبرا، ليقود الجوق السمفوني في عزف قويّ، يرمز إلى القدر؛ في إحالة إلى ما يقدمه الفلسطينيون الذين يسطِّرون يوماً بعد يوم، ملاحم قلَّ نظيرها في الصمود. وتراقصت النوتات في تناغم جميل في "فاراندول" بيزي التي قدمتها "أوركسترا سوتشو السمفوني" بقيادة المايسترو شان زييونغ، الذي زاد عليها السمفونية الرابعة لتشايكوفسكي، ومقطوعة "أحبك يا صين" مع الميتزو سوبرانو وان مويا. وصعدت السوبرانو الجزائرية دينا سيرين خياري، على الركح، ليصدح صوتها في "فيتشي دارتي" لبوتشيني بقيادة المايسترو سعيدي، ولبوتشيني أيضا قدّمت السوبرانو الميتزو سوبرانو وان مويا مقطعا من "أو موا بابيناكرو فروم جيياني" بقيادة المايسترو الصيني شان زييونغ. ثم عاد المايسترو سعيدي ليقود جوقه في "رقصة شعب ياوو". كما أمتعت العازفة على الإيقاع نادية بن جاب الله، الحضور؛ إذ قدّمت رفقة الأوركسترا الوطنية كونسيرتو للموسيقار البرازيلي ناي روسورو على آلة الماريمبا. تبعتها الميتزو سوبرانو وان مويا والتينور تونغ زونغ في ثنائية "لاسي دارام لا مانو فروم دون جيوفاني" بقيادة المايسترو شان زييونغ، فيما نشرت أسماء علا في "أصبح عندي الآن بندقية" من كلمات نزار قباني وتلحين محمد عبد الوهاب، لحظات من الحزن والأسى؛ كيف لا والمقصود فلسطين. وبأناقته المألوفة، خاض المطرب عباس ريغي العالم السمفوني الراقي عدّته طابع لا يقلّ رقيا وأصالة، فتأسف وهو يصدح ب"يا أهل الأندلس لله درّكم، ما جنة الخلد إلا في دياركم.. جادك الغيث إذا الغيث روى يا زمن الوصل بالأندلس" . وزاده الهوى وهو يشكو الغرام في "عاشق ممحون ناري لهيبة" ، ليختم وصلته ب"أنا المدلل"، فكانت وصلته بمثابة فاصل مريح، منح السهرة بعدا طربيا جميلا، عطّر عوالم موزارت وبيزي. للإشارة، يشارك في الطبعة 13 من المهرجان، مجموعات وفرق موسيقية جاءت من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والنمسا ومصر وسوريا وتونس وأنغولا وجمهورية التشيك وروسيا، وكذا فنزويلا التي تُعد أول مشاركة لها في هذا الحدث الثقافي. وعلاوة على الحفلات المقدمة بأوبرا الجزائر، ستنشط بعض الفرق الموسيقية أعمالا بمسارح وهران وبجاية وتيزي وزو وكذا المسرح الوطني الجزائري "محيي الدين بشطارزي" الذي استقبل أوركسترا "سيمون بوليفار"، أمس الجمعة. من جهته، سيستقبل المسرح الجهوي بوهران "عبدالقادر علولة" ، الفرقة الموسيقية لكل من سوريا وجمهورية التشيك "تريو بوهيمو" . أما مسرح تيزي وزو فسيستقبل الفرقة الفنزويلية "سيمون بوليفار"، في حين سيركح الأوركسترا الإيطالي "وولرد يوث" على مستوى المسرح الجهوي لبجاية "عبد المالك بوقرموح" . وبالموازاة مع الحفلات، سينشط مختصون جزائريون وأجانب ندوات ودروسا تكوينية مخصّصة للأغاني، وإصلاح الآلات الموسيقية.