تصور الفنانة العصامية إلهام خلفاوي قوميري، التراث الجزائري بالذهب؛ تقديرا وتمجيدا. كما تقف عرفانا للمرأة الجزائرية التي شاركت الرجل بطولاته، وخطّت اسمها في سجل التاريخ، مؤكدة أن الفن ما هو إلا رسالة وقضية قبل أن يكون إبداعا وجمالا. التقت "المساء" الفنانة إلهام خلفاوي قوميري، في معرضها المقام حاليا، برواق محمد تمام بالعاصمة، تحت عنوان "قصة كفاح" ؛ حيث تحدثت عن بعض أفكارها التي تؤمن بضرورة الاهتمام بتاريخنا الحافل، وإعادة إحيائه، وتسليمه لأجيال المستقبل. وعن عنوان المعرض قالت: "استلهمته من قصة جدتي المجاهدة ابنة مدينة شرشال. فأثناء شبابها التحقت بصفوف الثورة التحريرية سرا، ولم تخبر حتى أمها. وكانت عاملة عند سيدة فرنسية تدعى السيدة برنار "القابلة" . وكانت جدتي تشتري الدواء من الصيدلية باسم هذه الفرنسية، وتسلّمه المجاهدين. كما كانت ترسل اللباس والرسائل، وتعمل كممرضة لعلاج الجنود. وعندما علمت السلطات الاستعمارية بأمرها اعتقلتها، وجرّتها إلى سجن البليدة؛ حيث مكثت 6 أشهر، وأخضعتها لتعذيب وحشي. ورغم ذلك لم تَبح بأي معلومات. بعدها كُتب لها عمر جديد. ورغم ما حصل استمرت في عملها الثوري حتى فجر الاستقلال". المعرض ليس، فقط، تكريما لهذه المجاهدة أطال الله في عمرها بل هو تكريم للمرأة الجزائرية في كل مكان وزمان؛ لذلك وضعت في مدخل المعرض عدة لوحات، منها لوحة الملكة النوميدية ديهيليا ذات اللباس الشاوي الجميل والحلي الفضية، وهي فوق فرسها تجلس بكل شموخ. وهناك لوحة "المرأة النايلية"ممشوقة القوام، ذات الشعر الطويل، والفستان الجميل. وتقول الفنانة إنها معجبة جدا بهذا الزي النايلي، وبكل أكسسواراته؛ منها "الجبين" ، و«النجود"(الحلق)، والسخاب، والحزام، والريشة فوق الرأس، وغيرها. وفي لوحة "قوية مثل الأسلاف" تبدو سيدة قروية بلباسها الشاوي، تحمل الحطب فوق رأسها، ومعها ابنتها الطفلة تشق الدروب الوعرة بشجاعة. ويبدو وجهها في مقطعه الجانبي، يشبه وجه ماسينيسا. وتوجد لوحة "ازدهار" تكريما للمرأة القبائلية التي تنعم بالطبيعة الساحرة، ووراءها شلالات من المياه بمنطقة بجاية. وتظهر القبائلية أيضا في لوحة "الطبيعة الملهمة" وهي تقف بشموخ بزيها الأصيل، تتأمل الطبيعة الخضراء، وبجانبها شجر الزيتون المبارك. وبالمقابل، تبدو في لوحات أخرى، المرأة الجزائرية الحضرية؛ منها العاصمية الأنيقة بلباسها المرصع بخيوط الذهب والأحجار الكريمة، التي تعكس الرفاهية والذوق، منها واحدة ترتدي الحايك والعجار. ويبدو منها خيط الروح. تحمل قفة الرمان وهي ذاهبة في زيارة. وهناك أخرى في لوحة مجاورة "الزي العاصمي" ، وفيها حسناء ترتدي السروال المدور، والغليلة المطرزة، والطربوش مع حذاء مذهّب. كما كرّمت الفنانة الجزائرية الأم في العديد من اللوحات؛ منها "الملاك الحارس" التي تبدو فيها العلاقة بين طفل وأمه، وكذا "شجاعة أم" ، وفيها أم مكافحة لكسب قوت صغارها، تحمل أحدهم على ظهرها. ورغم البؤس لاتزال صامدة ومبتسمة، علما أن اللوحة، حسب الفنانة، صورة فوتوغرافية بالأبيض والأسود، التُقطت زمن الاستعمار، فحوّلتها الفنانة إلهام إلى قطعة فنية ملوّنة. لوحة "مفتاح السعادة" تشبه النافذة المفتوحة، تدعو للتفاؤل والأمل، علما أن دفّتها الخارجية مكتوب عليها "لا يوجد مفتاح للسعادة؛ الباب مفتوح دائما". ووظفت الفنانة، أيضا، التراث في بعض لوحاتها ذات الأسلوب التجريدي، منها لوحة التاسيلي ذات الأزرق المائي الداكن، وأيضا في لوحة الأمازيغية والنايلية الحالمة، وكذا في لوحة "مقام الشهيد" الذي رسمته ضمن محيطه المعماري. وأكدت الفنانة ل "المساء" أنها أرادت من خلال معرضها، تقديم ثقافة وتقاليد كل منطقة تمثل غنى الجزائر، مختارة بعض معالم التراث من لباس وحلي وصناعة تقليدية وديكور، إضافة إلى التاريخ. وقالت: "أنا حاليا أضع اللمسات الأخيرة لكتاب سأصدره قريبا، عن المرأة الجزائرية، يشبه ما قدمته في معرضي. كما أكتب فيه قصة جدتي المجاهدة". وبالنسبة للأساليب الفنية أشارت بقولها: "لا أحب أن أحصر نفسي في أسلوب فني معين؛ فأحيانا أرسم لوحة بخلفية تجريدية. والرسم الرئيس يكون مخالفا، بل ما يفرض الأسلوب هو الفكرة إما واقعي أو تجريدي أو ألوان، علما أنني في بعض مواضيع التراث، أختار الألوان الفخمة، منها الأحمر العنابي، والأزرق الملكي، والأخضر الزمردي، والمذهب؛ تقديرا للثقافة الجزائرية ". وعن مسارها الفني قالت الفنانة إلهام إنها عصامية، وسبق لها أن شاركت في معارض جماعية. أما هذا المعرض الفردي فهو الأول لها. كما تشتغل كمدرّسة لمادة التربية الفنية، إضافة إلى عملها كمدربة في التنمية البشرية – العلاج بالفن. وفي الأخير، حرصت الفنانة من خلال "المساء" ، على تبليغ رسالتها، وهي أن الفن أرقى من أن يكون مجرد ديكور أو جماليات ما، بل الأهم هو أن يكون فكرة، وعبرة، ورسالة.