دعا رئيس الهيئة الاستشارية العليا للدراسات الاستراتيجية والاستثمار الدبلوماسي، حكيم بوخاتم، إلى تفعيل "القوى الناعمة" التي تدعّم الدبلوماسية الاقتصادية للحكومة، بغية اقتحام الأسواق الإفريقية من خلال مشاريع استراتيجية كبرى. كشفت الهيئة الحديثة النشأة خلال ندوة نظمتها، أمس، بالجزائر العاصمة بعنوان "آليات تفعيل الاستثمار الدبلوماسي محليا وإقليميا"، عن اقتراحاتها التي جسّدتها في مشاريع، من شأنها ضمان تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة للبلاد وكذا المساهمة في الامتداد الاقتصادي للجزائر وبالخصوص في إفريقيا. وسمحت الندوة التي افتتحها ممثل وزير الدفاع الوطني اللواء سباعي، الذي أعرب عن أمله في أن تتوّج بمخرجات تفتح أبواب الاستثمار، لاسيما في إفريقيا والمناطق ذات البعد الاستراتيجي للجزائر، بالتأكيد على ضرورة تبني مصطلح "الاستثمار الدبلوماسي"، الذي تستخدمه الهيئة للإشارة إلى "القوى الناعمة التي ترافق الدبلوماسية الاقتصادية الحكومية" في مجهوداتها الرامية إلى استقطاب الاستثمارات للبلاد وكذا التواجد في الأسواق الإقليمية التي مازالت الجزائر غائبة عنها. وقدّمت الهيئة بالمناسبة الخطوط العريضة لما وصفته ب"مخططها الاستراتيجي" الذي يسمح وفقا لرئيسها - إذا وافقت عليه السلطات العليا- بالدخول بطريقة سلسة إلى القارة الإفريقية. وفي السياق، استعرض نائب رئيس الهيئة عبد الغني جدي، أهم التوصيات المقترحة لتحقيق التنمية الشاملة للبلاد، مشيرا في البداية إلى أهم التحديات الاقتصادية التي تواجهها الجزائر، وعلى رأسها التحكم في التضخم، استقرار سعر صرف الدينار ورفع الصادرات خارج المحروقات والتحكّم في الواردات لاسيما تلك المتعلقة بالأدوية وموادها الأولية. كما تحدث عن التحديات الاجتماعية والصحية، خاصا بالذكر الانتشار المتواصل للأمراض المزمنة، إضافة إلى الأمراض الخبيثة والنادرة والأخطار الصحية الناتجة عن التفجيرات النووية التي تمت إبان الاستعمار الفرنسي. وأقر المحاضر بتوفر الإرادة السياسية حاليا أكثر من أي وقت مضى، لمواجهة كل هذه التحديات، وهو ما يتجلى خصوصا في الإصلاحات التي تمت في السنوات الأربع الأخيرة لتحسين مناخ الأعمال وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فضلا عن الاستثمارات الهامة في البنى التحتية وكذا المشاريع الهيكلية الكبرى. ولهذا قال عبد الغني جدي إن هناك محفزات كثيرة تدعم بناء "الجزائر الجديدة"، داعيا إلى "تفعيل آليات الاستثمار الدبلوماسي" والتي اختصرها محليا في "برامج الحوافز الضريبية"، "المناطق الاقتصادية الحرة"، "الشراكة بين القطاعين العام والخاص"، "الصناعات المحلية المحمية"، وإقليميا في "اتفاقيات التجارة الحرة"، "الاتفاقيات الإطارية"، "مجالس الأعمال المشتركة" إضافة إلى "برامج التعاون الدولي للبحث والتطوير". وأجمع خبراء في تدخلات تخلّلت الندوة على امتلاك الجزائر لكل المقوّمات التي تمكنها من تحقيق النمو الاقتصادي والازدهار في السنوات القليلة المقبلة، وذلك بفضل استغلال كل الموارد التي تحتكم عليها ولاسيما البشرية.في هذا الصدد، قال الخبير عبد القادر سليماني إن كل التقارير الصادرة عن منظمات دولية ومؤسسات خاصة، تعترف بتوفر مناخ أعمال محفز بالجزائر، مرجعا ذلك إلى العمل الذي تم في السنوات الماضية والإصلاحات المنجزة. واعتبر سليماني أن الجزائر التي "اختارت الطريق الصحيح" لتحقيق نموّها الاقتصادي من خلال مبدأ تنويع الشركاء الذي تجسد في توقيع اتفاقيات استراتيجية مع دول قوية مثل الصين وتركيا وإيطاليا وقطر وألمانيا، أكد أن الجزائر توجد حاليا "في منتصف الطريق" لإنجاز طموحها في بلوغ 400 مليار دولار من الناتج الداخلي الخام في آفاق 2027، وكذا تحقيق أمنها الغذائي والمائي والطاقوي والرقمي. وفي الإطار، ألح سليماني على ضرورة "مواكبة المجهودات التي تقوم بها الدولة عن طريق تفعيل الاستثمار الدبلوماسي"، معتبرا أن الدبلوماسية السياسية القوية التي تتمتع بها الجزائر لابد أن تعزز بدبلوماسية اقتصادية قوية بدعم من "القوى الناعمة". وأشار الخبير محمد سعيود من جانبه، إلى ضرورة الاهتمام بالموارد البشرية لاسيما الموجودة في وسط جاليتنا بالخارج، مسجلا أن الكثير منهم يريدون الاستثمار في الجزائر ويجب استقطابهم وتسهيل دخولهم للبلاد، مستعرضا التجربة التركية في هذا المجال. وتحدثت الخبيرة في المؤسّسات المصغرة فتيحة سليماني، عن أهمية استقطاب الطلبة الجزائريين الذين يتابعون دراساتهم في الخارج، من خلال توفير جو ملائم يسمح بعودتهم للمساهمة في بناء الجزائر، واستغلال تواجد عدد هام من الطلبة الأفارقة الذين يزاولون تعليمهم بالجامعات الجزائرية من أجل نسج علاقات تمتد إلى ما بعد عودتهم إلى بلدانهم، حيث يتولى العديد منهم مناصب رفيعة. للإشارة عرضت الهيئة خلال الندوة أهم المشاريع التي ستقترحها على السلطات العمومية، ويتعلق الأمر ب"مشروع الحلم الإفريقي: طريق الألماس"، مشروع "مول في كل ولاية"، "مشروع المدينة الفلاحية: عين صالح نموذجا" و"المشروع الاستراتيجي للسكة الحديدية ورقلة- بشار".