استضافت ندوة "كُتاب في حوار.. نكتب عن فلسطين"، أول أمس، بفضاء فلسطين ب«سيلا 2024، الكاتبتين سوزان الكنز وسارة النمس، لعرض تجربتهما الإبداعية الروائية، التي كان حضور فلسطين فيهما هو السيد والغالب. الكاتبة سوزان الفرة (الكنز هو لقب زوجها الجزائري المتوفي) مولودة في غزة وأقامت في عدة دول، منها الجزائر، ومارست الصحافة والترجمة والتدريس، والحائزة على الجائزة الإفريقية المرموقة بباماكو في 2010. وقالت إنها عاشت طويلا بالجزائر، وجاءت مع عائلتها سنة 1967، وكانت تنتظر العودة إلى بلادها. أكدت الكنز في معرض حديثها، أن الكتابة عن فلسطين بالغة الأهمية، رغم كل التعقيدات، خاصة تلك الموجودة في الدول الغربية، لتقف عند روايتها "بيت النقب" التي قالت عنها، إنها شخصية عن والدتها المدفونة بالجزائر، والتي ولدت في بئر سبع بصحراء النقب، هجرت مع أهلها من القرى والمدن، ليسكن الغرباء بيوتهم، وكانت كأي أم فلسطينية، تقص على أبنائها أثناء عيشها في الجزائر ذكريات طفولتها بفلسطين، مع أمل أن تعود يوما ما لبيت أهلها، إلى أن حان الموعد وهنا تقول "كان عمري 15 عاما عندما ذهبت معها إلى غزة، فقررتْ زيارة بيتها بالنقب، رغم معارضة أهلها الذين أكدوا لها أن اليهود استولوا عليه، لكن عنادها كان أقوى، فذهبت وصدمت بأن بيتها يسكنه يهودي، رفض دخولها، فقاومته، وحين دخولها، رأت أثاثها وأغراضها، فانهارت، بعدها عادت للجزائر، لكن ذلك المشهد بقي حيا فينا، بعدها بسنوات، رحلت أمي ولم أنس أنا ما جرى، فوثقته في هذه الرواية". قالت سوزان أيضا، إنه علينا الكتابة كي لا تتناثر الذاكرة، مشيرة إلى أن الكتابة الأدبية أوثق وأصدق من الكتابة التاريخية، علما أن الكتابة اليوم، هي أضعف الإيمان، لكن علينا، تضيف، مصارعة النسيان وأن نوثق كي لا نضيع، ثم استرسلت في الحديث عن تاريخ الجزائر الثوري، وعن زوجها الراحل الذي ساندها قائلة "أنا أيضا جزائرية بالكامل، وليس "نص نص"، لتقرأ بعدها صفحات من روايتها، جلبت الحضور، خاصة أثناء الطريق الطويل من غزة إلى النقب، ومعها أمها وخالها السائق المتوتر. تدخلت بعدها سارة النمس لتحكي مسارها الشخصي، وكيف تربت منذ طفولتها على ذكريات الثورة، خاصة مع جدها الذي كان يحكي لها، تفاصيل مشهد تعليق جثة الشهيد علي معاشي عاريا في "بلاس كارنو" بتيارت، وكيف أُجبر الجزائريون على رؤية هذا المشهد الوحشي، لكنه كان كغيره، يبعد عينيه كي لا يرى، احتراما للشهيد، كما اكتشفت بعدها صورا أخرى من نضال الجزائريات، منهن من كن يلطخن أجسامهن ووجوههن بفضلات البقر، كي لا يتعرضن لنجاسة جنود المستعمر. وحكت المتدخلة أيضا، عن تأثرها منذ صغرها بالقضية الفلسطينية، منها مشاهدتها لفيلم "المتبقي"، الذي بقي راسخا في ذاكرتها، وصورة محمد الدرة وغيرها من المشاهد المؤلمة، وهكذا تربى وعيها واكتمل مع الأيام، إلى أن كتبت روايتها "ماء وملح... رسالة إلى أسير"، بعد متابعتها ليوميات الأسرى الفلسطينيين، حين إضرابهم عن الطعام، ما عدا تناولهم للماء والملح، ما أثر على أمعائهم، وتروي علاقة حب بين سلمى ابنة غزة وشاب من الخليل، ويتم التواصل عبر الأنترنت، إذ أن الاتصال بين مدن فلسطين مقطوع على أبنائها، وأكدت المتحدثة أنها استقت المعلومات من أصدقائها الفلسطينيين، لمعرفة حياة الأسرى بالسجون، خاصة ببئر سبع وعسقلان وروت بعض النماذج المؤلمة، كما أنها زارت الشهر الفارط الأردن، وقابلت السيد يوسف قراقع رئيس اتحاد أدباء فلسطين، وكذا أسرى سابقين، وسعدت بوصول روايتها للداخل الفلسطيني. أدار النقاش بعدها، رئيس الجلسة، الدكتور احسن تليلاني الذي قال، إنه كتب مؤخرا، مقارنة بين زيغود يوسف ويحي السنوار، مستحضرا الكتابات الجزائرية عن فلسطين، خاصة منذ 1949، وبالمناسبة، سألت "المساء"، السيدة سوزان الكنز، عن تفضيلها الكتابة الأدبية على التاريخية، فردت أن الاخيرة تخضع أحيانا للتناقض أو الأهواء أو التزييف أو لتيارات ما، لكن الأدب هو المعبر عن الذات أكثر، كما تدخل الروائي واسيني الأعرج ليدعو إلى تجاوز الحماسة والالتفات أكثر لتقنيات الإبداع، وتثبيت القيم الإنسانية العادلة التي لا يمحوها الزمن، مثمنا عمل سارة النمس في توظيف أدب الرسائل.