استفادت المدينة القديمة بولاية قسنطينة، مؤخرا، من غلاف مالي قارب 40 مليار سنتيم، خصص لترميم الشوارع والأزقة القديمة بقلب "سيرتا"، في خطوة للحفاظ عليها من التآكل الذي فرضه الزمن، من جهة، ومن جهة أخرى، استجابة لطلبات العديد من المواطنين القاطنين وسط المدينة القديمة، النابض بالتاريخ والعراقة. تكفلت مديرية التعمير والبناء والهندسة المعمارية بهذه المهمة، التي من شأنها نفض الغبار عن عدد من شوارع قسنطينة وأزقتها العريقة، وإعادة الحياة لبعض المحاور التي عرفت تدهورا خلال السنوات الفارطة، خاصة التي لم تستفد من عمليات تهيئة وترميم، وجانبت العمليات المبرمجة من قبل السلطات المحلية في الفترات الماضية، على غرار ترميم شارع "19 جوان" (سابقا شارع فرنسا). تشمل العملية التي تتبعها مديرية التعمير والبناء والهندسة المعمارية، بحرص، المحاور الكبرى في المدينة القديمة، حيث تم تقسيم المشروع إلى أربع حصص، تضم عدد من الشوارع والأزقة القديمة في شكل شوارع حاج عيسى براهيم (سابقا شارع رووا)، وعسلة حسين (سابقا شارع الأخوة بيرو)، وبلوصيف كمال (سابقا شارع سيرجني)، والجامع لخضر، وقديد صالح (سابقا شراع كومب)، وشارع الشيخ عبد الحميد بن باديس، وكذا شارعي لحمر عمار ومعمر مخلوف. وحسب مصادر من مديرية التعمير والبناء والهندسة المعمارية بقسنطينة، فإن الأشغال أوكلت إلى مكاتب دراسات مؤهلة، ولها خبرة في المجال والتعامل مع المدن القديمة، حيث ستشمل العملية، ترميم البلاط، الذي هو عبارة عن حجارة قديمة، وتأهيل شبكة المياه الصالحة للشرب وقنوات الصرف، خاصة المتضررة منها، مع الحرص على إعادة الإنارة لهذه الأزقة والشوارع، التي عم عليها الظلام، طيلة سنوات عديدة. وستعمل مكاتب الدراسات، خلال أشغال الترميم بقلب المدينة القديمة في قسنطينة، على مراعاة الجانب التاريخي للمنطقة، حيث سيتم الاعتماد على مخططات المدينة القديمة، قبل التدخل والشروع في أي عملية ترميم، مع الحرص على اختيار مواد أولية ذات جودة ونوعية، تكون في مستوى القيمة التاريخية لهذه الأزقة والشوارع، وإعادة استعمال الحجارة القديمة الموجودة بهذه الأماكن، لتفادي الخطأ المرتكب، خلال ترميم شارع "19 جوان 65"، بمناسبة تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015، وهي العملية التي أثارت سخط وغضب السكان وقتها. وحرصت السلطات بقسنطينة، على إعادة بعث الحياة في المدينة القديمة والتمديد في عمرها، يرجع إلى أهمية هذه المعالم التاريخية، سواء في استقطاب السياح، أو في ترسيخ الذاكرة للأجيال القدامة، خاصة وأن السلطات الفرنسية، إبان الاستعمار، كانت قد سعت إلى تهديم أكبر قدر من المدينة القديمة، لطمس معالم وتاريخ المنطقة، التي شهدت ميلاد العديد من الشخصيات البارزة، وفي مقدمتها رائد النهضة العربي، والمصلح الشيخ عبد الحميد بن باديس. وتبقى آمال سكان مدينة قسنطينة معلقة، على ترميم وإعادة تأهيل أكبر أحياء المدينة القديمة، وهو حي السويقة الذي انطلقت فيه أشغال الترميم سنة 2010، ثم توقفت لأسباب مجهولة، تاركة الحي للتأكل والانهيار بفعل الزمن، تحت أنظار عشاق مدينة الصخر العتيق، الذين ناشدوا في العديد من المرات كل الفاعلين، سواء من السلطات المحلية بقسنطينة أو من وزارة الثقافة، للتدخل وإعادة الحياة لأقدم شورع سيرتا.