تؤثّر وسائل الاتصال بكافة أشكالها إلى جانب الإعلام المسيّر، على سلوكيات الطفل من الناحية النفسية والاجتماعية والتربوية، حيث تُسهم في بلورة أفكاره وتكوين شخصيته بشكل كبير، وقد أصبحت وسائل الإعلام في الوقت الحالي، جزءًا أساسيا في تنشئة الطفل الاجتماعية، خاصة المرئية لأنّها تمنح الطفل الفرصة للخطاب المباشر والتحدّث من خلال اللغة الأجنبية، والملاحظ أنّ اللغة العربية المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، في حالة فوضى، حيث يتمسّك البعض بكتابة العربية ولكن بحروف لاتينية، وفي حال كتابتها بالعربية تكون ركيكة، ما يعتبره البعض نمطا من التهجين اللغوي الذي يلجأ إليه الشباب من أجل التواصل، وفي علم النفس، تتكوّن شخصية الإنسان من السنة الأولى إلى السنة السابعة من عمره، حسب المختصّين. فكيف يمكن جعل الطفل يتمسّك بلغته العربية العريقة؟ وكيف يتم حمايته من الآثار السلبية لوسائل الإعلام؟ وما حال اللغة العربية في بلادنا في الوقت الحالي؟.."المساء" اتصلت ببعض المختصّين وكان هذا المقال. الدكتور صلاح الدين باوية: العودة إلى حفظ القرآن الكريم والمتون اللغوية لتعلّم أساليب التعبير أكّد الدكتور صلاح الدين باوية من جامعة "محمد الصديق بن يحي" بجيجل، أنّ اللغة العربية مازالت غريبة في بلادنا، تبحث لها عن نصير رغم أنّها اللغة الرسمية، حسب الدستور، كيف لا ومشروع التعريب لم يكتمل، وأضاف باوية أنّ اللغة العربية على أرض الواقع يجهلها أهلها، وليس هذا فحسب، بل قد رموا بها في غياهب الجب، غير آسفين على ماضيها العريق المشرّف، ويتجلّى ذلك في يوميات مجتمعنا، حيث يخاطب الأخ أخاه بلسان أعجمي، وهو خليط من الفرنسية والدارجة. ودعا الدكتور باوية إلى عدم الاغترار بكثرة المدارس والجامعات الموجودة عبر الوطن، أو بعدد خرّيجي الجامعات التابعين لأقسام اللغة العربية وآدابها، والعبرة في التعليم بالكيف وليس بالكم، واسترسل قائلا "قد لا أغالي إذا قلت أن كثيرا من حملة الدكتوراه اليوم لا يتقنون اللغة العربية، والأمر سيان بالنسبة لكثير من الأدباء الشباب الذين يتعاطون وجع الكتابة الأدبية رواية كانت أم شعرا، وبالتالي، يجب العودة إلى حفظ القرآن الكريم والمتون اللغوية والعلوم الشرعية التي تزوّد التلميذ والطالب بالثروة اللغوية والفصاحة وتعلمهم أساليب التعبير عند العرب والخطاب السردي. الدكتور نذير طيار: على وسائل الإعلام أن تطوّر برامج توعوية تخدم فكرة القراءة والتعليم من جهته، أكّد الدكتور نذير طيار من جامعة قسنطينة، أنّ أثر وسائل الإعلام في تنشئة الطفل، يتجاوز آثار كلّ الأدوات الأخرى مجتمعة، مع دخول الهواتف المحمولة واللوحات الرقمية والحواسيب لجميع البيوت في غياب متابعة دائمة فاحصة لما يشاهده الأطفال، من الأهل، وقال "إننا عندما نتحدث عن دور وسائل الإعلام في تنشئة الطفل، علينا وضع خط عريض تحت أهم أداة من أدوات الإعلام اليوم، وهي الإنترنت، باعتبارها أهم عنصر في المسألة، لأن التربية الأسرية بالتوجيه الهادئ والمتابعة الذكية، من خلال بيان الحسن والقبيح، وتوضيح أخطار المشاهدة العشوائية لكل ما يعرض، سيّما في مواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام، مثل غيرها من منتوجات الحضارة الحديثة، تعتبر سلاحا ذو حدين، ولا يمكن حظرها تماما كما لا يمكن تركها تعجن أبناءنا كيفما شاءت، في غفلة عنا جميعا، لما لها من آثار كارثية على مخ الطفل خاصة الهاتف المحمول واللوحة الرقمية، وبالتالي، على تفكيره وعقله ودراسته ونجاحه الاجتماعي والمهني مستقبلا. ودعا الدكتور طيار وسائل الإعلام إلى أن تطوّر برامج توعوية تخدم فكرة القراءة والاستماع للمتعة والتسلية والتعليم لدى الأطفال، من لغتهم وهويتهم وانتمائهم وثقافتهم الذاتية، وتقلص من مساحة مشاهدة فيديوهات دون غاية تربوية واضحة. الطبيبة النفسانية والكاتبة سميرة بعداش: ضرورة تعليم الأطفال كيفية استغلال وسائل التواصل قالت الطبيبة النفسانية والكاتبة سميرة بعداش، إنّ وسائل الإعلام اهتمّت منذ زمن بعالم الطفولة، وخصّصت قنوات خاصة، تقدّم برامج تربوية وترفيهية من أجل تنشئة سليمة في إطار علمي مدروس، ما سهّل للأطفال اكتساب مهارات في التعبير اللغوي والإبداع، لكن مع التقدّم التكنولوجي وظهور الأجهزة الرقمية واللوحات والقنوات الالكترونية والسوشيل ميديا والعشوائية في انتقاء البرامج، رشّحت أفكار غريبة في عقول هذه البراءة، ما أثّر سلبا على شخصية الطفل وسلوكه، ومن هنا يُسلّط الضوء على مخاطر الاستغلال اللاعقلاني لوسائل الإعلام وآثارها السلبية على سلوك الطفل واللغة العربية على حد سواء. وأكّدت الطبيبة النفسانية أنّ الطفل يقلّد كلّ شيء، حيث أثبتت الدراسات العلمية، على حد تعبيرها، أنّ مشاهدة التلفاز لأكثر من ساعتين يؤدي إلى قتل روح الإبداع، ويؤثر على مناطق التركيز الموجودة في الدماغ، ما يؤدي إلى الكسل والخمول، وبالتالي، تراجع في التحصيل الدراسي، كما أنّ المحتوى الإعلامي الرديء المتمثّل في البرامج الكرتونية المقدّمة للأطفال كقصص قوى الشر والتجارب الشريرة، تترك آثارا سلبية في نفسية الطفل، كالتبوّل اللاإرادي، وتغرس في نفسيته عادات غريبة، وأضافت أنّ إنتاج أفلام الكرتون للدول الأوروبية والأسيوية، يتم ترجمتها إلى لغات أجنبية، ومحتواها القصصي ينقل عادات وتقاليد ونمط حياة مختلف عن مجتمعنا، وهذا يؤدي إلى خلل وزعزعة قيم وأخلاق لدى الطفل، ناهيك عن اللغة التي لا يتقنها الطفل بدلا من العربية، وهنا يكمن دور الآباء والأسر. ودعت بعداش، المجتمع الجزائري إلى تعليم الأطفال كيفية استغلال وسائل التواصل الاجتماعي، واختيار البرامج الايجابية واستخدامها بمسؤولية، كما دعت الأولياء لأن يكونوا على دراية بالبرامج التي يشاهدها أبناؤهم، مع استعمال لغة الحوار مع الطفل، وترسيخ التربية الأخلاقية عند الأطفال وتشجيعهم على متابعة البرامج التي تهتم باللغة العربية لتنشئتهم تنشئة صحيحة. الناقد إبراهيم بادي: على الدولة أن تدعم مخابر البحث أشار الأديب والناقد إبراهيم بادي، إلى أنّ هذا الموضوع المعقّد ظلّ مجالا مفتوحا للبحث من لدن المختصّين في الغرب، وعند العرب بشكل متأخر، كما ظل هذا الموضوع الحسّاس يراوح مكانه، وقال إنّ الأسر والمؤسّسات الناشئة والبرامج الارتجالية لم تجد حلا لهذه المعضلة المعقّدة، والتي ليست حكرا على الوالدين والأسرة الصغيرة والمجتمع بكلّ أطيافه، بل ساهم فيه التطوّر التكنولوجي والتقدّم العلمي الهائل، ومع التحوّلات العلمية والتقنية، لجأت إليها أغلب الأسر، لتلهية الطفل أو للتخلص منه مؤقتا، أو بداعي العمل أو بدواع أخرى متعدّدة، ما عقّد من مهمّة المربّي والمدرسة والأسرة فيما بعد، وأكّد بادي أنّ هذه الأزمة ما زالت حادّة في بلادنا، وحلولها تحتاج إلى الاهتمام بعالم الطفولة لأنّه مجال يستحق العناية، وعلى الدولة أن توجّه مبالغ مالية إلى مخابر البحث من أجل مستقبل زاهر لطفولة بريئة.