تتواصل استعدادات العائلات الجزائرية، لاستقبال رأس السنة الأمازيغية الجديدة على قدم وساق، حيث تظهر تلك الاستعدادات عبر مختلف الأسواق بالعاصمة، والتي بات لبعض تجارها تقليد "رفع الأسعار" خلال المناسبات، سياسة ينتهجها الكثير منهم، وتدل أحيانا على "موسم الاحتفالات"، رغم أنها تتعارض مع القيم الإسلامية، ومع ذلك تصر الكثير من العائلات، على القيام بتحضيرات استقال رأس السنة الجديدة، بالحلويات والشكولاطة والفواكه الموسمية والمكسرات، وكذا الفواكه الجافة، وحتى اللحوم والخضار، إذ يعرض التجار خلال هذه الفترة، أطيب ما لديهم. تبرز تلك المظاهر الاحتفالية في العاصمة، من خلال الأسواق الشعبية التي تتزين بالكثير من الألوان التي تعكس الثقافة البربرية الأمازيغية، وهي ليست عشوائية، بل الكثير منها يمثل رموزا ثقافية وشعبية لمنطقة القبائل. ومن بين تلك التحضيرات التي وقفت عليها "المساء"، بين الأسواق، تسارع النساء في تحضير الحلويات، وتحضير قائمة الطعام من أكلات تقليدية، أثار انتباهنا نوع جديد من الرموز الاحتفالية "القفة التقليدية" المصنوعة من مادة الدوم والمزينة بالحاشية الملونة. المتجول في السوق خلال هذه الأيام، لا يمكنه تفويت ملاحظة تلك "القفة التقليدية" بأحجام مختلفة، وأشكال متنوعة، بعضها صغير الحجم لدرجة لا يمكن له حمل إلا بعض حبات من الحلوى وقطع الشكولاطة الصغيرة فقط، الموجهة لتزيين مائدة الاحتفالية خلال رأس السنة الأمازيغية. وتحولت تلك القفة إلى قطع ديكور، مصنوعة من مادة الدوم التقليدية، ومزينة بعدد من الحواشي الملونة، نفسها تلك التي تزين بها الجبة القبائلية، وكذا الحزام التقليدي للجبة القبائلية، لا يوجد بها لون عشوائي، بل كلها ترمز إلى جزء من ثقافة هؤلاء. حول هذا الصدد، حدثت "المساء" للحرفية أميرة أوشيش، المختصة في صناعة القفة التقليدية، من الدوم، من ولاية تيزي وزو، مشيرة في حديثها إلى أن التقليد الجديد الذي تبنته الأسرة الجزائرية في الاحتفال بيناير، جعل من قفة الدوم المزينة بالألوان الأمازيغية، تقليد يجمع بين جانبين من الثقافة الأمازيغية، وإن كان مجرد ديكور بسيط لهذه الاحتفالية، إلا أنه بالنسبة لآخرين، هو رمز من رموز تلك الثقافة. وأضافت المتحدثة، أن القفة التقليدية في المقام الأول، هي القفة التي تستعملها الأسرة قديما للتسوق، وترمز بذلك إلى الخير والبركة التي يأتي بها رب العائلة لبيته، من خضار وفواكه ولحوم ومختلف الخيرات، كانت تستعملها أيضا الأسر الأمازيغية، لجمع محاصيلها الزراعية، من زيتون وخضار وفواكه ومختلف محاصيلها الزراعية، وباعتبار أن الاحتفال بيناير هو إحياء ارتباط الأمازيغ بالأرض التي يعيشون عليها وسخائها، فهو موسم للاحتفال بالطبيعة والحياة الزراعية والخيرات التي يستمدها من تلك الأرض. وبذلك، تعد القفة دلالة في تلك الثقافة، تستعين بها الأسر لنقل تلك الثقافة للأطفال، من خلال ملئها بالحلويات التي تعرف بالقشقشة، ولتزينها أكثر باللمسة التقليدية الأمازيغية، تضفي عليها تلك الألوان من الثقافة البربرية جمالا وأكثر معنى ودلالة. وقالت أميرة أوشيش، أيضا، أن تلك الألوان المختلفة دلالات شعبية للمنطقة التي يعيش بها القبائل، كالأحمر الذي يرمز إلى الحياة، والأزرق الذي يدل على السماء، والأخضر لخصوبة الأرض، إلى جانب ألوان أخرى، كالأصفر والبرتقالي والبني وغيرها من الألوان المستوحاة من ذلك التراث الأمازيغي. وأوضحت الحرفية، في الختام، أن تناقل تلك الثقافة اليوم، أصبح من التحديات القوية للعائلات التي تحاول نقل ثقافتها المتجذرة للأطفال، والتي تتم من خلال هذا النوع من المناسبات، وتجعلها جزءا من عادات وتقاليد الاحتفالية الجميلة، من خلال قفف صغيرة محملة بمختلف الحلويات والشكولاطة والمكسرات والبسكويت التي تقدم للأطفال، وحتى للكبار، في سهرة إحياء رأس السنة الجديدة.