قال المسرحي أحميدة العياشي إن الفنان الراحل عز الدين مجوبي كان ملهما لعدة تجارب مسرحية، ليطالب بقراءة للمرحلة التي مارس فيها مجوبي وآخرون الفن رغم خطر الإرهاب، وهو ما كلفهم حياتهم. أما المسرحي محمد شرشال، فنوّه بخصال مجوبي، وتواضعه، ومساعدته الدائمة للشباب. تمر ثلاثون سنة على اغتيال الفنان المسرحي الفذ والرجل الشهم عز الدين مجوبي، الذي مايزال صوته يصدح في أرجاء المسارح الجزائرية. وبهذه المناسبة نظم المسرح الوطني "محيي الدين بشطارزي" ، نهاية الأسبوع الجاري، برنامجا تكريميا، تضمّن عدة محطات، استذكر فيها الحاضرون هذه القامة التي رحلت في أوج عطائها الفني. وقدّم المسرحي أحميدة العياشي ورقة، قال فيها إن مجوبي شهد ميلادين في حياته؛ الأول حينما رأى النور عام 1945؛ أي تسع سنوات قبل اندلاع الثورة التحريرية؛ ولهذا فقد نمت في أعماقه بذور ثورية ترفض الظلم، وتبحث عن العدالة الاجتماعية، مضيفا أن مجوبي اشتغل من 1965 إلى 1968 في الإذاعة. واكتسب، بذلك، تجربة فنية. ثم عمل في السينما والتلفزيون، والمسرح الذي كان في سنوات الستينات والسبعينات، يميل إلى الالتزام السياسي والاجتماعي. وتابع أنه في سنوات الثمانينات عرفت الجزائر منعرجا على كل الأصعدة، لتظهر بذلك التناقضات التي كانت مكبوتة، وهو ما خلق مناخا معيَّنا، تَحرك فيه المسرح، وتأثر به، لتنطلق مغامرة مجوبي مع مسرحية "الحافلة تسير" التي مارس فيها النقد الاجتماعي والسياسي، رافضا، في السياق، الظلم، وداعيا للحرية، ليضع مجوبي بهذا العمل، اللبنة الأولى للتحولات التي شهدها المسرح الجزائري. ثم مسرحية "الشهداء يعودون هذا الأسبوع" ، التي جاءت على نفس شاكلة الأولى. وأضاف العياشي أن مجوبي شهد ميلادا ثانيا بعد أحداث 5 أكتوبر 1988 مع مسرح "القلعة" الذي أنتج عدة مسرحيات؛ مثل "العيطة" . كما كان له تأثير كبير على تمثيل الفنانة صونيا، وهو ما يُلاحظ في مسرحية "فاطمة" . أما في بداية التسعينات فقد شهد ميلاد تعاونيات، أرادت أن يكون لها خطاب مستقل عن المؤسسات الرسمية، لتعيش الجزائر سنوات من العنف، انقسم فيها الفنانون إلى قسم ترك البلاد، وقسم لاذ بالصمت، وثالث اختار الفن شكلا من أشكال المقاومة. وفي هذا السياق، أشار العياشي إلى اختيار مجوبي العيش في الخارج، ليعود بعدها إلى الجزائر؛ لتيقُّنه بضرورة المقاومة الفنية. وهنا التقى به المتحدّث أكثر من مرة، الأولى عام 1993 حينما طلب منه الاطلاع على نص مسرحي يريد ترجمته من الفرنسية إلى العربية. والثانية حينما التقى به في دار الصحافة حول المشروع نفسه، وكان ذلك في بداية عام 1994. والثالثة في مطعم بساحة أول ماي؛ حيث كان يريد إكمال تجربته "الحافلة تسير" من خلال مقاربة تراجيدية، لكن الأمر لم يتم بعد اغتياله. أما المسرحي محمد شرشال فعبّر عن سعادته بمعرفته قامات مسرحية مثل عز الدين مجوبي. وحدث ذلك عندما كان يدرس في معهد التكوين العالي لإطارات الشباب عام 1986. وسُنحت له فرصة رؤية فريق عمل مسلسل الأطفال "الدويرة" ، الذي مثلت فيه أسماء كبيرة؛ مثل أمحمد بن قطاف، ودليلة حليلو، وأرسلان، وبالطبع عز الدين مجوبي، الذي كان يرتاح بعد التصوير وهو مرتدٍ زيّه "الديك" ، وكان يستقبل الشباب بصدر رحب، ويتحدث معهم، وحتى يوفر لهم المقاعد عندما يراهم يحومون حول المسرح الوطني الجزائري؛ بغرض مشاهدة العروض. وذكر شرشال تواضع عز الدين مجوبي ليس مع الفنانين فحسب، بل حتى مع الجمهور. كما تحدّث عن إعجاب مجوبي بمسرحية شرشال التي كتب نصها وأخرجها رفقة حكيم دكار بعنوان "ميلوديا" ، وكيف أنه خجل أن يعرضها في مهرجان المسرح المحترف بباتنة؛ لأن مجوبي كان مشاركا هو الآخر بمسرحيته "عالم البعوش" ؛ فكيف له أن ينافس قامة مثل مجوبي؟! وهنا تدخّل هذا الأخير وطلب منه المشاركة في الفعالية، وتمنى له الفوز. كما دعاه لأن يأتي إلى المسرح الوطني؛ فمكانه هناك. وأضاف شرشال أنه عرض على مجوبي نصه "البركان" عندما كان مديرا للمسرح، وأن مجوبي قرأ نصه في 24 ساعة، وأُعجب به، لكن القدر كان أقوى؛ فقد اغتيل قبل تجسيد هذا النص على الركح! وأشار شرشال إلى اعجابه الشديد بمسرحية "حوينتة" لعز الدين مجوبي، مؤكدا أنه لو عاش مجوبي لكان مثل المسرحي الشهير بيتر بروك. كما تذكّر يوم سماعه خبر اغتيال مجوبي الذي نزل عليه كالصاعقة، وهو نفس الإحساس عندما بلغه نبأ اغتيال علولة. وبالمقابل، تحدّث المدير الفني للمسرح جمال قرمي، عن التحاقه بمعهد برج الكيفان، وكيف أنه أراد أن يخبر مجوبي بالأمر، خاصة أنه سبق له أن تحدّث معه عن ذلك، إلا أنه لم يستطع بفعل اغتيال هذه القامة الفنية والإنسانية.