مبادرة لرد الاعتبار إلى مصالح الملاحظة والتربية في الوسط المفتوح تعد حماية الطفولة والمراهقة وترقيتها، من المهمات الأساسية التي يتوقف عليها الحد من آفة انحراف الأحداث وتجنيب المجتمع خسارة طاقات بشرية شابة يشكل جنوحها بوابة للإجرام، وتأتي مصالح الملاحظة والتربية في الوسط المفتوح في مقدمة الهيئات التي أسند لها دور أساسي في هذا المجال منذ الاستقلال، غير أن النظرة القاصرة تجاه طبيعة عملها أثر كثيرا على أدائها المهني، الأمر الذي سلطت عليه المديرية العامة للأسرة والتلاحم الاجتماعي لوزارة التضامن الوطني الضوء مؤخرا، بغية إعادة الاعتبار إليها بصفة تكفل مرافقتها للشباب في وضعية صعبة دون صعوبات. طرح رؤساء مصالح الملاحظة والتربية في الوسط المفتوح لمختلف ولايات الوطن، المشاكل والعوائق التي تصعب أداء مهامهم، القائمة على مرافقة الشباب في وضعية صعبة والعمل على إدماجهم اجتماعيا واقتصاديا، بالموازاة مع التشاور مع محيطهم الأسري ومؤسسات الدولة والمجتمع المدني، وتم هذا في إطار الاجتماع الذي نظمته المديرية العامة للأسرة والتلاحم الاجتماعي لوزارة التضامن والأسرة والجالية الوطنية بالخارج مؤخرا بالمركز الوطني لتكوين الموظفين المتخصصين ببئر خادم، والذي تمحور برنامجه حول تحيين القوانين والوسائل الموضوعة تحت تصرف مصالح الملاحظة والتربية في الوسط المفتوح وبرنامج عمل هذه الأخيرة، وبهذا الخصوص، أوضح السيد مصطفى بوناب، المدير الفرعي لحماية وترقية الطفولة والمراهقة في وضعية صعبة، أن اللقاء يهدف إلى إعطاء ديناميكية لدور مصالح الملاحظة والتربية في الوسط المفتوح، من خلال رد الاعتبار إلى دورها، حيث يسعى الطاقم الجديد لمديرية الأسرة والتلاحم الاجتماعي إلى بذل المجهودات اللازمة لإتاحة مختلف الإمكانيات والوسائل الضرورية، لتمكين هذه المصالح من أداء دورها على أكمل وجه في أجواء من التنسيق. وذكر المصدر في سياق متصل، أن اللقاء الذي جمع مسؤولي مصالح الملاحظة والتربية في الوسط المفتوح ل 48 ولاية، خطوة نحو تحقيق طموح إيجابي من شأنه أن يساعد المصالح المذكورة على العمل براحة تامة وباحترافية، "حيث ينتظر أن نأخذ من خلال التوصيات كافة النقائص بعين الاعتبار". وفي هذا الجانب، صرح السيد أحمد معمري، مسؤول مصلحة الملاحظة والتربية في الوسط المفتوح بالشلف، ل "المساء" : "نحن نعمل في ظل شروط غير مواتية منذ سنة 1963، وهذه أول مرة يجمعنا لقاء كهذا لأخذ انشغالاتنا بعين الاعتبار.. فالمشكل الأساسي المطروح هو أن كافة مصالح الملاحظة والتربية في الوسط المفتوح تابعة لمديريات التنشيط الاجتماعي، وهو الأمر الذي أفقدها العديد من صلاحياتها، ذلك أن مكمن الخلل في النظرة القاصرة لعمل هذه المصالح التي تقوم بعمل تربوي ميداني وليس إداريا كما يسود الاعتقاد". وعن طبيعة مهام هذه المصالح والمشاكل التي يعاني منها الأحداث الجانحون، يجيب السيد معمري: " تتكفل هذه المصالح بالقصر الذين يواجهون أخطارا معنوية، إذ تقوم بتحقيقات اجتماعية بخصوصهم كما تتولى الاتصال بالهيئات التي لها علاقة بإعادة إدماجهم، فضلا عن متابعتهم، لأن الهدف المنشود هو محاولة استرجاع أفراد هذه الشريحة من خلال تسجيلهم في مراكز التكوين المهني حتى لا يكون مصيرهم مراكز إعادة التربية... والواقع هو أننا نستقبل عادة بين 15 و20 حالة شهريا من الأحداث الفارين من محيطهم الأسري، المتشردين والمتسربين مدرسيا، وهذه الأرقام مرشحة للارتفاع مع إطلالة كل صيف". الافتقار إلى الاستقلالية والوسائل المادية والبشرية وفيما يتعلق بطبيعة الانشغالات التي طرحها رؤساء مصالح الملاحظة والتربية في الوسط المفتوح، التي تمثلت في الجانب القانوني كالمطالبة باستقلالية هذه المصالح التابعة لمديريات التنشيط الاجتماعي، من منطلق أنها بحاجة إلى ميزانية خاصة لتسيير شؤون العمل وإلى الصلاحيات التي تسمح لها بممارسة العمل بحرية واتخاذ القرارات اللازمة، على أساس أن احتكاك فرق عمل هذه المصالح بشريحة الشباب في وضعية صعبة يجعلها الأدرى باحتياجاتها والأولى باتخاذ القرارات المناسبة لإخراجها من دائرة الانحراف. كما طالب المتدخلون باستحداث نصوص قانونية تفرض إلزامية إدماج الفئات الخاصة في مراكز التكوين المهني للحيلولة دون اللجوء إلى الوساطة. وعبر بعض رؤساء المصالح على صعيد آخر عن افتقارهم إلى الوسائل المادية والبشرية على حد سواء، ويشمل ذلك مشكل انعدام المقرات مما يضطرهم إلى استقبال العائلات في الخارج، عدم توفر سيارات للتنقل، انعدام التموين بالتجهيزات المكتبية اللازمة وبوسائل الاتصال والعمل، إضافة إلى الافتقار إلى فرق عمل مؤهلة للتكفل بالطفولة والمراهقة، وكذا إلى إقامات تحول دون مبيت الأطفال في الزنزانة. غياب التنسيق في العمل وفيما يخص برنامج العمل، كشف العديد من رؤساء المصالح عن غياب منهجية عمل واضحة، حيث أن التخطيط للعمل يقوم في العادة وفق اجتهادات شخصية، مما يطرح ضرورة ربط علاقات مع المكلفين بشؤون الطفولة لتنسيق العمل وإيجاد فرص ليتم احتكاك رؤساء المصالح ببعضهم البعض حتى لا تكون اللقاءات مقتصرة على الملتقيات. وعلى ضوء المعلومات المستقاة من اللقاء، فإن الدور التحسيسي أيضا لهذه المصالح ليس في المستوى المطلوب في غياب التنسيق مع كافة الجهات المعنية ومساهمة وسائل الإعلام. وفي المقابل فإن المعطيات المتوفرة لدى مسؤولي هذه المصالح حول الإجرام والخطر المعنوي المتربص بالطفولة والمراهقة، تفرض برنامج عمل وقائي مكثف، الأمر الذي يطرح فكرة تنظيم ملتقيات تجمع بين وزارتي العدالة والتضامن، وبالتالي إيجاد اتصال مباشر يسهل حل مشاكل هذه الشريحة. الجدير بالذكر، أن سوء معاملة الأبناء، كما جاء على لسان العديد من المتدخلين، يعتبر مشكلة شائعة تسهم في تفاقم ظاهرة جنوح الأحداث، لا سيما وأن التجربة أظهرت أن انتزاع الطفل من أحضان الوالدة العنيفة ليس حلا، كما أن حبسها ليس حلا عمليا أيضا، لأن العقوبة لا تخلصها من العنف الكامن بداخلها، ولهذا السبب فإن الدور التحسيسي لمصالح الملاحظة والتربية في الوسط المفتوح، بات يتطلب رعاية الأمهات العنيفات كذلك، للوقوف على أسباب العدوانية لديهن وتعليمهن طرق تربية الأبناء وإحاطتهم بالحب والحنان لضمان نمو عاطفي ونفسي سليم وسط أجيال الغد.