عندما تتأمل صورة زروق بوقاسم، تكاد تجزم أنها غير طبيعية وأن رتوشات اغتصبت براءتها واقتحمت عالمها الخام، تتمعن أكثر فيها فتصاب بدهشة كبيرة، فهذه الصورة مثل قريناتها تزيّن رواق محمد راسم إلى غاية الثالث من شهر أفريل المقبل، عذراء لم يمسسها أحد، فتقر بجمال الطبيعة وتندم على أنك تجاهلتها وانغمست في مشاغل الحياة وما أكثرها. أخيرا تشجع الفنان المصوّر زروق بوقاسم وقررّ أن يعرض صوره التي التقطها من 2006 إلى ,2009 صور عندما تراها يخيّل لك أنهّا لوحات مرسومة أو وضعت عليها رتوشات كثيرة لجمالها الأخاذ وألوانها القوية التي تفرض نفسها وأحيانا بتباينات مختلفة، وكأن كل لون يريد أن يثبت انه الأجمل ولكن من دون تجاهل دور الألوان الأخرى في تزيين الطبيعة ورسم الجمال. هي لوحات صادقة تطغى عليها الرومانسية، وتتدفق منها بصمة زروق الذي اهتم باختيار الوقت المناسب لأخذ صور للمظاهر المختارة، كما اعتمد أيضا على مدة أطول من ثانية إلى ساعة لترك الضوء يدخل إلى آلة التصوير التي من العادة تستلزم 125جزء من الثانية أو أقل من ذلك بكثير. وفي هذا السياق، أوضح زروق ل''المساء'' أن السماح بإدخال الضوء لمدة زمنية أطول يكفي لانجاز صور مختلفة عن العادية، مضيفا أن اختيار الوقت المناسب والهيئة الملائمة للمنظر المصور يحقق نتائج معينة معظمها مقصود وأخرى غير ذلك معتمدة على الحظ''. ''الحظ''، عامل مهم في عملية التصوير، وفي هذا السياق، يقول زروق: ''المصوّر الذي لا يملك الحظ في عمله يرتكب خطأ مهنيا''، فللحظ مكانة غير مستهانة في حياة المصور والذي يمكنه من التقاط صور أجمل وأروع''. أمّا عن الصور بالأبيض والأسود، فيقول مصورنا أن لها جاذبية خاصة مستطردا أنه ليس من السهل إنجاز صورة من هذا النوع باعتبار أنها لا تحمل ألوانا يمكن أن تشد انتباه المتلقي وأضاف محدثنا أن التقاط الصور الفنية لا يتطلب فقط آلة تصوير واختيار مظهر ما ومن ثم التقاطه وحسب، بل هو أيضا انتقاء الوقت المناسب والمناخ الملائم الذي يمكن من التقاط الصورة المرجوة. تشّد المناظر الطبيعية أنظارك وتجبرك في صور زروق على التوقف قليلا عن الركض وراء هذه الحياة وخلف المشاغل، لتقول ''سبحان الله''، هل هي حقا بهذا الجمال وهل هي حقا مزينة بكل هذه الألوان المتدرجة والمتناسقة، هيا توقف قليلا وانظر إلى صور زروق، وتمعن في قدرة الخالق من خلال زينة المعمورة بمناظر خارقة ضمتها أرض الجزائر. تطغى الصفة الفنية على صور بوقاسم، فها هي صورة جبل الهقار بتمنراست شامخا في الليل مثلما هو حاله في النهار، تحاط به حلقات حلزونية، فتتعجب وتقول إن هذه الصورة غير طبيعية ولكن الحقيقة غير ذلك، ويقول بوقاسم في هذا الصدد ''الحلقات الحلزونية التي تشكلت فوق الهقار ناتجة عن الآثار التي تتركها النجوم من خلال دوران الكرة الأرضية، وهو ما ظهر في الصورة عندما تركت الضوء يدخل إلى آلة التصوير مدة ساعة كاملة''. ودائما ضمن المناظر الطبيعية، أخذنا زروق إلي البويرة في صورة تشعر وكأنها تجمع فصولا مختلفة، فهاهي السحب تنذر بسقوط زخات مطر في فصل الخريف، وتنبىء الجبال البعيدة والمكللة بالثلوج بأننا في فصل الشتاء ولكن الاخضرار الذي يحيط بمنزل مهجور قد يقول كلاما آخر إنه فصل الربيع!. القصر المهجور الذي يقع في منطقة الطاحونتين القريبة من بولوغين(العاصمة)، أخذها زروق بطرق مختلفة، الأولى بالألوان واختار أن يلتقطها في الصباح الباكر بلون السماء المميز في هذه الفترة من الصباح، كما اختار أن يكون هذا القصر الذي يطلق عليه اسم ''القصر الذي تسكنه الأشباح''، مبللا بالمطر حتى تكون له هيئة مميزة هو الآخر، والطريقة الثانية تمثلت في التقاط صورة القصر بالأبيض والأسود. وغير بعيد عن القصر المهجور، التقط المصور الفنان صور لميناء الجزائر لينتقل إلى مستغانم ويأخذ صورة تبدو مركبة فمن جهة توجد سفينة كبيرة مركونة في الميناء وفي أسفلها رجلان يتحدثان ولكن في الواقع هي صورة غير مركبة وتظهر بهذه الطريقة بفعل الاضاءة التي نتجت عن مرور شاحنة بالمكان. صور أخرى لمواضيع متفرقة في المعرض من بينها صورة تظهر وكأنها لوحة تجريدية وتضم صورة امرأة عارية تحمل برقعا ممزقا، ويقول بشأنها زروق أنه أراد أن يتناول في هذه الصورة، جمال المرأة بطريقة محتشمة من جهة إظهار البرقع المفروض عليها من جهة أخرى، ويسعى زروق إلى فتح أستوديو مختص في البورتري الفني، فيقول أنه لا يوجد أجمل من وجه الإنسان، مضيفا أن الوجه لا يمثل الجمال فقط، بل يمثل واجهة تحمل المعاني والتعابير المختلفة. للتراث أيضا نصيب في معرض زروق من خلال صور عن قصبة بوسعادة والتي تُظهر إحداها امرأة تلبس الحايك في زمن يكاد فيه هذا اللباس ينقرض من البلد، كما اهتم أيضا بتصوير دار في بوسعادة لامرأة تعيش في الكفاف ومع ذلك فمنزلها المهترئ يحمل الكثير من الألوان. ولم يمر تنظيم الجزائر للمهرجان الثقافي الإفريقي الثاني مرور الكرام بالنسبة لزروق فقد صورّ مختلف الحفلات التي أحياها فنانون عالميون بمناسبة هذه التظاهرة، فالتقط صورا لحفلات خالد ويوسو ندور وموري كونتي وساليف كايتا وياسين أمازيغ وغيرهم لتكون شاهدا على هذه المحطة المهمة من الثقافة الإفريقية. يقول زروق ان نجاح الصورة يتوقف على الانفعالات التي تحدثها في المتلقي وكذا على طريقة تأطيرها وكيفية استغلال الضوء فيها، مضيفا أنه ولج عالم التصوير المحترف منذ عشر سنوات واحتكاكه بمصورين محترفين عندما كان مستقرا بهولندا، مكنّاه من إقامة هذا المعرض بعد تردد كبير. وتدفع صور زروق علاوة على جمالها،المتلقي لطرح العديد من الأسئلة، فلا يمكن أن تقف أمام واجهة صورة من صوره دون ان تحرك في داخلك مشاعر أو تدغدغ فكرك بتساؤل ما، حتى أن الكثير من الصور تشعر وكأنها تدعوك لاقتحامها لشدة واقعيتها وقوة حضورها. كما تظهر صور الفنان وكأنها لوحات انطباعية، مزينة بألوان تفرض نفسها ولكنها في الواقع ما هي إلا مناظر قد نشاهدها يوميا دون التمعن فيها إلا أننا لا نتمعن في النظر إليها، ليأتي زروق ويأخذنا برومانسيته ورقته إلى عالم الجمال من خلال صور شاهدة على جمال الجزائر وتنوعها...ألا يقال أن الصور لا تكذب؟.