تشير أرقام المختصين في المجال الصحي إلى أن نسبة النساء المرضعات في الجزائر تقل عن 10 بالمائة، في الوقت الذي بدأت ترتفع فيه نسبة تغذية الرضع بالحليب الطبيعي في بعض الدول الأوروبية، حيث تشكل العودة إلى الرضاعة الطبيعية حاليا انشغالا عالميا بعد التراجع الكبير في معدلاتها، وما نجم عنه من مشاكل صحية في وسط الأمهات والأطفال. يعدّ حليب الأم مصدرا غذائيا طبيعيا ومجانيا في آن واحد، وأهميته لا تتوقف عند حدود النمو الجسمي للطفل، وإنما تتعداه نحو ضمان نموه النفسي والعاطفي، غير أن هذه الهبة الربانية أهملها الإنسان لجملة من الأسباب. وحول هذا الموضوع، ألقت السيدة أمال أبطرون التي تعمل بأحد المخابر الطبية، محاضرة للأمهات حول الرضاعة الطبيعية وأسباب التخلي عنها في إطار تظاهرة الصالون الدولي الثالث للطفل التي امتدت من 29 مارس إلى غاية 1 أفريل الجاري. وتمحورت الفكرة العامة حول ضرورة التعرف على الطريقة الصحيحة للإرضاع وتفادي بعض الأخطاء الشائعة التي تؤدي إلى قلة إدرار حليب الأم. لقاح طبيعي ضد الأمراض وذكرت السيدة أبطرون أن المولود بعد الولادة يحتاج أساسا إلى الحليب الطبيعي لمدة سنة أو ستة أشهر على أقل تقدير لاحتوائه على العناصر الغذائية المختلفة بنسب وكميات متوازنة ومتناسبة مع عمر المولود، وهذا يعني أن تكوين الحليب يتغيّر بتغير حاجات الطفل الغذائية، وأنه يظل أفضل غذاء للرضيع رغم كل ما يقال عن الحليب الاصطناعي الذي جاء استجابة لمتطلبات العصر التي أدت إلى دخول المرأة إلى عالم الشغل. ويتميز حليب الأم -بحسب المحاضرة- بكونه أقل ملوحة وبسهولة امتصاص سكرياته، ولذلك يمكنه أن يقي الطفل من الأمراض، ما يجعله بمثابة لقاح طبيعي، وهذا على عكس الحليب الاصطناعي الذي قد يتسبب في إصابة الأطفال بالسكري نتيجة احتوائه على نسبة عالية من السكريات. هذا وتمنح عملية إرضاع الأم لطفلها فرصة للتلاقي العاطفي، وهي هبة عظيمة من الخالق جل وعلا.. ولا تقتصر فوائد رضاعة الثدي على المولود فحسب، وإنما تفيد الأم أيضا من خلال وقايتها من الإصابة ببعض الأنواع من السرطانات كسرطان الثدي وسرطان المبيض، إلى جانب مساعدتها على عودة الرحم إلى حجمه الطبيعي بسرعة. وعن الأسباب التي تساهم في انخفاض معدلات الرضاعة الطبيعية، ترى المتحدثة أنها مرتبطة بغياب الإعلام الصحيح عن الرضاعة الطبيعية، وافتقار الأمهات إلى نصائح المختصين في المستشفيات بعد الولادة وكنتيجة لذلك تربط بعض النساء الرضاعة بمواعيد محددة، في حين أنها لا تخضع في الحقيقة إلى مواقيت محددة بل تخضع لرغبة الطفل، وهو الأمر الذي يتسبب في قلة إدرار الحليب.
غياب الدعم الأسري كما تعود ظاهرة تراجع نسبة النساء المرضعات في المجتمع الجزائري إلى غياب الدعم الأسري والاجتماعي، حيث تحوّلت طبيعة الأسرة الجزائرية من ممتدة إلى نووية بفعل التغييرات الاجتماعية، فصارت الأم تفتقد من يشجعها على الإرضاع. وبالموازاة مع ذلك، يساهم عمل المرأة إلى حد كبير في تراجع نسبة المرضعات، إذ أن كثيرات يتخلين عنها بعد انقضاء عطلة الأمومة التي لا تتعدى ثلاثة أشهر، خاصة عندما يعترضهن مشكل تراكم الحليب في الثدي وتسربه أثناء العمل، والذي يضعهن في مواقف محرجة. وقد لخصت المختصة مجموعة الأسباب التي تكرس أيضا اللجوء إلى الرضاعة الصناعية في هاجس فقدان الثدي لشكله الجمالي، كثرة الترويج للحليب الاصطناعي، قلة التوعية حول أهمية حليب الأم، آلام وتشققات الثدي ومشكل حلمة الثدي المسطحة أو الغائرة للداخل.. وفي هذا الصدد، نبهت الخبيرة الصحية الأمهات إلى وجود تجهيزات خاصة تصنعها المخابر الطبية من أجل التخلص من بعض هذه الأنواع من المشاكل على غرار الجهاز الخاص باستخراج الحليب من الثدي الذي يمكّن المرأة من المداومة على إرضاع الصغير في حال معاناتها من آلام الإرضاع، وكذا الجهاز الخاص بحفظ الحليب في الثلاجة (يحفظ لمدة 24 ساعة إذا وضع في المبرد، بينما يمكن حفظه لمدة ثلاثة أشهر إذا وضع في مكان التجليد في الثلاجات) وهو جد عملي في حالات غياب الأم.