سمت الكلمات عاليا في سماء ''الدوحة عاصمة الثقافة العربية''، وتعانقت التجارب الشعرية الجزائرية لتمنح القطريين متعة الاستماع والاستمتاع بصدق المشاعر وبزين الكلم الذي لا يمكن أن يكون إلاّ متميّزا بحضورلآلئ العقد الشعري الجزائري وفرسان البيان الذين أبوا إلاّ أن يبدعوا ويهيموا في حديقة الابداع. أحمد عبد الكريم، عبد الرازق بوكبة، لخضر فلوس، نوارة لحرش ونصيرة محمدي، كانوا عن جدارة واستحقاق فرسان البيان الجزائريين الذين رفعوا ديوان العرب عاليا بالدوحة المزدانة بتاج عاصمة الثقافة العربية، وأكّدوا للمرة الألف أنّ الجزائر بلد متنوع يحظى بزخم فني وثقافي وبتجارب أدبية عامة وشعرية خاصة لا يمكن أن تكون إلاّ متميّزة. ''كتاب لسيّدتي الريح، والرمل مرتبك في المفازة، هذا النداء الذي لا يجيء بموعده كاذب، والنساء على عبق الجرح في نشوة وارتجاج'' هي أبيات من قصيدة ''المفازة'' التي أمتع فيها الشاعر لخضر فلوس، قبل أن ينتقل إلى قصيدة أخرى هي ''ألعاب نارية'' ويقول فيها: ''عاشقان على ضفة، طرّزتها يد اللّه في شجن وألق، صارت الأرض تفاحة بين كفيهما، والسماء تدلّت كريحانة من عبق، مرّ بينهما طائر، مرّ بينهما رجل، مرّ بينهما ملك فاحترق''. وفي قصيدة ''الدائرة'' قال: ''رعشة النار على كفّي، وماء نافر فوق جبيني، مثقل الروح يصافيني الندامى، وانا مستمسك بالومضة الاولى، هو البرق يعيد الشاطئ المسكون بالأشباح للأرض البعيدة، لم يكن امرا مهما: طعنة مدّت على الصدر ومسّت موضع الأسرار''. وبعد أن أطلق فلوس العنان لخوالجه، فسح المجال للشاعرة نصيرة محمدي بقصيدة ''البشارات''، وفيها: ''هيء لي تجاعيد الرخام، إقرأ لي حقيبته، الساعة أنساك''، وأضافت ''هامش لتفاصيل نهبك، لا يقصد الشعراء الأصول، وأنّى تبيح القصيدة، يجرحني أثر لأبي حرثكم هامس لا يرى''. لتقول لخير سند وأدفئ صدر أجمل القصائد ''أبي''. وفي زيّ جزائري محض ميّزته القشابية والعمامة، أبدع فارس البيان عبد الرزاق بوكبة كلمة وإلقاء في ''أنثى الغيم'' وفيما قال ''لوّحت والمدى جمرة العين، منفضة للخواء، دقائق عاهرة النبض''. ''نوافذ الوجع'' كانت نوافذ فتحتها الشاعرة نوارة لحرش ليلج من خلالها القطريون وضيوفهم ب''الصالون الثقافي'' لحديقة الابداع، ففتحت أوّل نافذة ''نافذة الثلج'' وتقول فيها ''تتربّى طيور الحزن في صوتي، تهدّ أكوام النكد مباهجي، تدقّ الجراح مسامير الألم في قلبين تخرّب فراشات الوقت، تعلّق ما تبقى من حرير الدفء في نافذة الثلج..''، لتفتح ''نافذة الكوابيس'' حيث ''المواويل في صوتي الآن..بلا فاكهة، صوتي أيضا بلا فاكهة، وحده الجرح فاكهة مرّة، وحدها كوابيس تطرز، شرفات الأزمنة والأماكن''. ''حين تتمدّد أوردة الجرح، بين رفوف العذاب، تتلاشى بين أصابع القلق، بساتين الغبطة، بساتين الانشراح، تتوعّك ورود الأحاسيس'' هي كلمات أطلّت من ''نافذة السراب'' المتاخمة ل''نافذة الأسئلة'' حيث ''في عيوني أرخبيل، من الأسئلة الشائكة، هل حزني أرض أم سماء، هل دمعي عصافير بملامح الشتاء؟، هل قلبي نافذة تحلم بصيف الملائكة؟'' وبموّال صحراوي من ديوان ''موعظة جندب'' أطلّ الشاعر أحمد عبد الكريم، ليلقي على الحضور قصيدة ''وصايا السّماق'' من ديوان ''معراج السنونو''، ومما قاله ''جسدي قمقم الليبيدو، أو عواء اللذائذ والرغبة البربرية، صدا الوقت أو مومياء الحنين أنا'' وأضاف ''أنا خاتم الشجرة، ترتدي الروح سؤددها الهاشمي، ويفجأني طائف، يا ابن باديس أو أشرف الطّين، يا ملكيّ الدّماء توضّأ بالقلالة ثمّ اقترب''. ليختم عبد الكريم الأمسية الشعرية المندرجة في إطار الأيام الثقافية الجزائرية في ''الدوحة عاصمة الثقافة العربية'' بقصيدة رائعة هي''المتنبي أميرا'' وفيها ''كأنّي أرى المتنبي أميرا، له صولجان العبارة، طلسمه الخيل والليل والعنفوان الأخير..يطلّ على شاشة التلفزيون ببزّته العسكرية..بعينين زائغتين له لحية كثّة..واليدان على مصحف وزناد''، وواصل إلى أن قال ''للذي..اسمه المرّ منخرط في صهيل الجياد، لذلك لا تبحثوا عن سلالته في مطاوي السير، يقولون ما كان انسا، وما كان من طينة الشعراء، أرومته الجنّ والعارفون، وما قتلوه ولكنّها روحه البكر تعبر وقتا يجيء، وتلك كرامته..تلك جدّته غافلت صوته القرمطي لكي تلج الشعر في ساعة من سهاد''. فرسان البيان الجزائريين وهم يعرضون تجاربهم الإبداعية الشعرية سمحوا للقطريين فيها بأن يقتربوا من عيّنة ولو صغيرة من المشهد الشعري الجزائري المتميّز بالتجديد والتعدّد، وكانت مداخلاتهم التي أعقبت الالقاءات الشعرية أيضا مجالا خصبا للحديث عن ميزات ديوان الجزائر الشعري وأهمّ الأسماء التي طبعته على مرّ الأجيال وبمختلف اللغات ولأسماء تركت بصمات لا يستهان بها وتعدّ نماذجا جديرة بالدراسات والتنقيب.