عبثا نحاول التشبث باللحظات الثمينة التي نعيشها في الحياة لترافقنا في الحاضر والمستقبل، فرغم أن الزمن لا يتوقف ولا ينظر إلى الوراء، إلا أن الذاكرة هي ذلك المنقذ الذي يجبر الزمن على التوقف لاسترجاع أحداث ومواقف وانطباعات..واحتفاء بعيدي الاستقلال الوطني والشباب لجأنا إلى ذاكرة المجاهدين حمادي جلايلية وسبتي برو فعادا بنا إلى يوم 5 جويلية 1962 لنعيش وإياهما جو فرحة الشعب الجزائري بكل ما تحمله من ردات أفعال وأحاسيس. لمجاهدي ومجاهدات الأمس ذاكرة بالحكايات البطولية التي سجلها التاريخ ترويها لأجيال المستقبل ويتحدثون عن رموز نعتز بها على اختلاف قصص كفاحهم، سبلوا أرواحهم وبنوا بمعاناتهم صرح الاستقلال الذي بزغ فجره في الخامس جويلية 1962 لينقذ الجزائر من قيود المحتل الفرنسي الغاشم. جاء على لسان المجاهد حمادي جلايلية أمين قسمة المجاهدين ببن عكنون: ''كنا قبل الاستقلال نحلم بالعيش ولو تحت شجرة لكن أحرارا...ولما تحول الحلم إلى حقيقة أصبح اللسان عاجزا عن التعبير عن فرحة الشعب الجزائري.. البعض من الجزائريين عجزوا عن النهوض من شدة الفرح.. بل وأن البعض الآخر مات بسبب زحام ذلك اليوم''. ويسترسل المجاهد جلايلية: ''لقد خرج الجميع من ديارهم..رجالا ونساء، صغارا وشيوخا الكل كان في الموعد الذي ضربه يوم الحرية.. تشابكت أيادي المتظاهرين ليشكلوا سلسلة ترفرف حولها الأعلام.. هو مشهد تكرر في كل ربوع الوطن، ذلك أن الكل استجاب لموعد الفرحة العظيمة ففارقوا القرى والجبال التي طالما كانت تمثل مخبأ المجاهدين''. أما عن ردة فعل محدثنا الذي التحق برفاق الكفاح المسلح منذ جانفي 1956 فيروي انه ركب رفقة إخوان درب النضال الجرارات للاطلاع على الأجواء..وقادته الرحلة من عنابة إلى المدية ثم نحو البليدة.'' ..اكتفى المجاهد حمادي جلايلية بهذا القول كونه عجز عن التعبير عن فرحة ذلك اليوم.. ودعا الله ليصلح أحوال بعض شباب اليوم ممن لا يقدرون ثمن الحرية التي ننعم بها. شهادة أخرى جاءت على لسان المجاهد سبتي برو، نائب أمين قسمة المجاهدين ببن عكنون ..بداية علق على السؤال قائلا:'' سؤال سهل وصعب في آن واحد..إنه مؤثر لأن فرحة ذلك اليوم لا توصف..فمهما تدفقت الكلمات لا يمكنها أن تعبر عن شعور شعب كان يحلم أن ترحل فرنسا عن أرض الجزائر..'' ''كان حالنا في ذلك اليوم حال من استفاق لحلم جميل..البعض بكى والبعض جال في مختلف ولايات الوطن سيرا على الاقدام..إنها آثار الفرحة العظيمة''.. على هذا النحو اختصر محدثنا المجاهد سبتي برو مجريات ذلك اليوم الذي أشرقت فيه شمس الحرية. المزيد من اللقطات مازالت عالقة في ذهن المجاهد سبتي برو الذي ناضل في المنطقة الأولى بالولاية الأولى منذ سنة 1960 ..''انفعال، بكاء، زغاريد، أناشيد وطنية وأغان شعبية..هذه هي الأجواء التي سادت الجزائر طيلة أسبوع عقب سماع نبأ الاستقلال''. ويستطرد المجاهد: ''صعب أن نترجم مكنونات الجزائريين في ذلك اليوم.. في تلك اللحظات تذكرنا الشهداء وبكينا..وفي الختام لا يسعنا سوى أن نهنئ الشباب وكافة الشعب الجزائري بمناسبة هذا العيد العظيم الذي كان ثمنه غاليا وندعو الشباب للحفاظ على هذا المكسب العظيم''.