لم تنحصر انتصارات ثورة نوفمبر في تحرير الأرض واسترجاع السيادة، بل امتد هذا الانتصار الى تحرير الإنسان وتخليصه من الفقر والخوف والجهل الذي سلط عليه عمدا عبر 132 سنة، من الاستعمار، وما كان من هذا الجزائري إلا أن يعطي أعظم الدروس لمن حرم مثله من حق الحياة·. من الذين ترجموا هذا الانتصار الى واقع ملموس السيدة مشري يمينة ابنة الشهيد الفذ العدوي الذي كان رئيس مركز للعمليات، بولاية برج بوعريريج، والتي ذاقت مرارة اليتم والبؤس والحرمان في عهد الاستعمار لتعمل في أشقى الأعمال كخدمة الأرض والرعي وهي طفلة صغيرة حيث أنها من مواليد سنة 1950 ونتيجة بغضها للاستعمار انخرطت بشكل غير مباشر في العمل الثوري وهي لا تزال طفلة، حيث كانت ترافق عمتها مباركة المعوقة (مبتورة الساقين) على ظهر دابة لتجوب القرى والمداشر كي توصل الى عائلات الشهداء مستحقاتها المالية، إضافة الى ايصال السلاح والوثائق للمجاهدين، وهكذا تخلصت الطفلة من الخوف وصقلت شخصيتها بقوة الصبر والإرادة، كيف لا وهي التي مشت تحت دوي القنابل وقصف الطائرات وأصيب جسمها الصغير (8 سنوات) بجروح متفاوتة· بعد الاستقلال تزوجت السيدة يمينة وهي لم تتعد سن الرابع عشرة وأنجبت ثمانية أبناء لتبدأ مرحلة جديدة من حياتها إذ بدأت تتعلم أصول القراءة والكتابة مع أبنائها، محققة وصية والدها الذي حثها على التعليم باعتباره نعمة حرم منها أبناء الشعب الجزائري ولم يقتصر مجهود يمينة على اكتساب أبجديات القراءة والكتابة بل امتد الى حفظها الستين حزبا من القرآن الكريم ثم التفتت الى تثقيف نفسها وتوظيف مواهبها الأدبية على وجه الخصوص، الى أن صنعت لها مكانا في الساحة مما جعل الشاعر الراحل الأخضر السائحي يطلق عليها لقب "الخنساء" واستمر مشوارها الأدبي ثابتا الى أن كلل بصدور "بستان الحكمة"، المتضمن لقصائد وحكم وأمثال وغيرها من الفنون الأدبية ليليه كتاب "بالقيم والأعمال تصلح الأجيال" الذي جمعت فيه زبدة تجربتها الحياتية والشعرية وجاء في بابين تضمن الأول ابداع الكاتبة الشعري الذي ظل حبيس الرفوف والباب الثاني تناولت فيه الحكمة بمضامينها الواقعية وقد صاغتها الكاتبة بأسلوبها العامي الجذاب، ووقفت عند مواضيع اجتماعية وانسانية حساسة تأثرت بها وحاولت من خلالها تقديم رسائل معينة· كما كتبت المبدعة قصائد مناسباتية كالتي كتبتها عن رئيس الجمهورية الذي لا تتردد في تسميته ب "أبي" وقد كتبت فيه قصيدة حاولت نشرها أو تقديمها شخصيا الى الرئيس لكنها لم تتمكن من ذلك وتنوي تقديمها للرئيس في شكل فاخر عند استقباله بولاية برج بوعريريج· رجل آخر تكن له السيدة يمينة الإعجاب والاحترام وهو زوجها بن خليفة ساعد هذا المتقاعد البسيط الذي شجعها وشاركها همومها وآمالها· وتبقى السيدة يمينة مثالا للمرأة المكافحة التي تمقت الركون للاستسلام أو الفشل، لذلك تدعو المرأة الجزائرية الى ترك الخمول والنميمة والإندفاع الى ما ينفعها وينفع مجتمعها، دونما تردد أو الاصغاء لحجج واهية كقلة الامكانيات أو فوات الأوان· للتذكير فإن كتابا جديدا سيصدر قريبا ليمينة مشري بعنوان "بالدم والدموع نسجت هذا الموضوع" سيضاف الى الكتابين السابقين اللذين طبعا من طرف وزارة الثقافة وسيكون اضافة أخرى لتجارب أخرى تسعى الكاتبة الى تقديمها للجمهور، علما أن هذا الأخير خاصة النساء منه يراسلها باستمراراذ ان الكثيرات أعجبن بمسيرتها العصامية التي تعد مفخرة الحقيقية لكل نساء الجزائر الشريفات. *