أغنية الراي أصبحت مستهلكة وخالد و مامي لم يعودا مطلوبين في السوق قال "مطرب الفقراء" بأنه بحث عن التميز منذ أن بدأ أول أعماله حتى لايشبه الأصوات التي سبقته على الساحة الفنية ، وهو ماتحقق له بفضل نبرته الصوتية التي لايمكن تقليدها . وأن حرصه على كتابة الكلمات بنفسه صنع له العلامة الخاصة به ، بإيقاع شعبي بسيط جعله أقرب إلى هموم وأحلام الكثير من الناس الذين مازالوا يتهافتون على سماعه داخل وخارج الوطن .وبصراحته المعروفة تحدث الشاب بلال للنصر على هامش مهرجان جميلة عن واقع أغنية الراي وغيرها من القضايا التي تتابعونها في هذا الحوار . الشباب بلال علامة مميزة في الأغنية الشبابية أو الرايوية العاطفية الاجتماعية الجديدة .. هل هو اختيار شخصي أم ظروف البدايات التي دفعتك لهذا المنحنى ؟ - في البداية كنت عاشقا كبيرا للموسيقى بما كنت استمع له في اليوم الواحد من البومات ، إلى أن أصبحت في فترة لاحقة عازفا للقيثارة ، حتى لا أقول عازفا ماهرا لكل الآلات الموسيقية القديمة و الحديثة ، لأن الواقع يفرض كسب المزيد من المعرفة الموسيقية و التي لن تتأتي إلا عن طريق تعلم العزف ، الذي هو الأول من حيث الأهمية ، لأنه لا يمكن أن يكون هناك ملحن بارع دون أن يكون عازفا كبيرا . ومنذ أن بدأت الغناء و أنا أبحث عن حالة خاصة ببلال لا تشبه الآخرين ، حتى أكون مميزا من حيث الصوت بالدرجة الأولى ، و هو ما تحقق بفضل النبرة الصوتية الخاصة بي و التي لا يمكن لأحد تقليدها ، و التي و إجابة عن سؤالك فرضت نوعا من الغناء الذي يناسب صوتي بالدرجة الأولى . و لكن من حيث المواضيع جاءت البوماتك الأولى تحمل الكثير من الانتقادات للوضع الاجتماعي خاصة على مستوى العلاقة بين الأفراد بما حملته كلمات اغانيك من نقد لاذع في بعض الحالات ؟ - منذ البداية أيضا كنت أحمل هذا التوجه الفني من حيث الرسالة التي اخترتها لنفسي و للمواضيع التي اختارها ، لأنها أيضا من اختياري ،لأن الأغلبية الآن لا تعتني بهذا الجانب ، و حتى الذين حاولوا التطرق للمواضيع الاجتماعية فشلوا حيث نجحت . ذلك أن طريقة تناول الموضوع و كلمات الأغنية في حد ذاتها تتطلب معرفة و إلماما بالأغنية التي تتناول مثل هذه المواضيع و حتى بعض الطابوهات ،و طريقة التعبير و التبليغ مهمة جدا في هذه الحالة . و استطيع اليوم القول بأنها تجربة متميزة و متفردة في الأغنية الجزائرية ، بحكم أن المواضيع التي اختارها عادة قليلا ما تتحدث عن العلاقات العاطفية ، و حتى و إن تناولت هذا الموضوع فإنني أفكر دائما في الجانب المغاير ، و هذا ما دفعني لكتابة أغلبية الأغاني التي أديتها ، لأنني استحي أن اطلب من كاتب كلمات أن يكتب لي أغنية تحت الطلب . لكن النقاد يعيبون عليك انك لا تحافظ على نفس المستوى بين البوم و آخر ؟ - لا يمكن لأي فنان مهما كان وزنه أن يحافظ على نفس المستوى، و قد تكون أغنية واحدة في ألبوم ناجحة ما يجعل من الشريط مطلوبا في السوق. لكن الحقيقة أن البحث عن الأغنية الناجحة التي لا يمكن تحقيق شروطها بسهولة كما يعتقد البعض، و التي تتطلب الكثير من الشروط الإبداعية لا تتحقق دائما. و قد يكون اللحن كبيرا و الكلمات ضعيفة إلى آخره ، و هي في الحقيقة أمور معروفة في الوسط الفني . ظهرت في البداية كبديل للجميع بداية من المرحوم حسني و خالد و و مامي الذين خرجوا من الجزائر ، و سيطرت لمدة قصيرة على السوق ثم أصبحت أغانيك تتشابه في الشكل و المحتوى ؟ - هذا ليس حقيقي، و إنما التعود على نفس الصوت و الأداء يشكل عند المستمع حالة خاصة بالمؤدي، لأنني في الحقيقة لم أكرر لا الموسيقى و لا الكلمات، حتى أنني لا أعود لنفس اللحن أو القريب منه تفاديا لما سبق و أن قلت. لكن صوتي و بخصوصية نبراته جعل الكثيرين يستمعون لي كأنها نفس الأغنية رغم اختلاف الموضوع و اللحن، و هو ما جعلني في الفترة الأخيرة اعمل على تغيير الجمل الموسيقية و أعود صوتي عليها، حتى لا تتكرر نفس النبرة الصوتية في الأغاني. و هو عمل شاق من حيث تجديد الصوت تقريبا و جعله أكثر قوة ، و أشياء أخرى تعد من أسرار العمل التي لا يجب البوح بها . و أعتقد أن ما حققته فقرتي الغنائية اليوم من نجاح دليل على أنني غيرت الكثير من و سائل الغناء و البحث سيستمر. الأغنية الرايوية حققت نجاحا كبيرا عجزت عنه الكثير من الثقافات التي تريد أن تتبوأ أغانيها مكانة عالمية ، و هو النجاح الذي لم يعمر طويلا على الساحة الفنية العالمية و لم تعد أغنية الراي مطلوبة مثل السابق ؟ - الظروف و العوامل التي ساعدت الأغنية الرايوية على تبوأ مكانة عالمية لم تعد موجودة الآن ، لأنها أصبحت عبارة عن أغاني مستهلكة لم تتجد و لم ترتقي لمستويات أفضل . و هذه في الحقيقة تقع على عاتق الذين أوصلوها لهذه المكانة، لأنهم يملكون كل و سائل التغيير و البحث على كل المستويات ، بما منحتهم النجومية والعالمية لهم من إمكانيات إضافية تساعدهم على الأقل في البقاء في واجهة الأحداث الفنية العالمية. و هذا غير معاش اليوم كما تفضلت و أن قلت، لأنه و كما يقال من الصعب الوصول للقمة لكن الأصعب هو البقاء فيها. و قد كان من الضروري البقاء أطول مدة ممكنة حتى تكرس الأغنية الراوية عالمية حتى خالد و مامي قبل ما حدث لهذا الأخير ، لم يعودا مطلوبان بالشكل السابق و يتحملان كامل مسؤوليتهما . لكنهما بكل تأكيد تركا بصمتهما على الساحة الفنية ، و قدما معجزة كبيرة و حقيقية للأغنية الجزائرية ، و ليس أدل على ذلك من مشاركة الشاب خالد في حفل افتتاح الطبعة الأخيرة من كاس العالم ، التي كان فيها أكثر من رائع ، و شرف العرب و الجزائريين و الأفارقة ، لأنه ليس من السهل الظهور في المحافل الدولية . الشاب بلال من الأرقام أو المعادلات الكبيرة و الضرورية في المحافل و المهرجانات الفنية داخل و خارج الوطن ، هل هذا هدف في حد ذاته بالنسبة للفنان ؟ - بكل تأكيد الفنان إن لم يغني لجمهوره أو لم يكن له جمهوره، الأفضل له أن يعتزل الغناء. و اعتقد أنني لحد الآن مطلوبا في الكثير من المناسبات الفنية و المهرجانات الكبيرة ،و هو ما أعمل على تحقيقه حتى استمر من خلال هذه الفضاءات . و حتى في الفترات التي لا اظهر فيها على أي مستوى أكون بكل تأكيد مشغول بشكل أو آخر بأمور فنية ، ما يجعلني قريبا من هؤلاء الذين هم في الحقيقة هدف الفنان الأول و الأخير، و لا يمكن للفنان أن يستغني عن مستمعيه . ووجودي المكرر في جميلة مرده بالدرجة النجاح الذي أحققه في المهرجان و الإقبال الكبير الذي ألقاه خاصة من طرف الشباب ما يفرحني و يسعدني كثيرا . و حتى في فرنسا أو غيرها من الدول التي تتواجد فيها الجالية المغاربية أجد نفس الاهتمام . بحديثك عن مهرجان جميلة مارأيك بكل صراحة فيه ؟ - يبتسم ابتسامة عريضة.. لا يمكن توجيه النقد من اجل انتقاد الشخص أو الهيئة ، و لكن يجب أن يكون النقد و اعيا و مسؤولا ، لان الأمور ليست بالشيء الهين . و السؤال الذي يجب طرحه حسب رأيي هو أين كنا و أين أصبحنا. فمثل هذه الفعاليات كان من المستحيل تنظيمها ، و لهذا نحن اليوم نبحث أكثر عن استمرار هذه الفعاليات ، و دورنا نحن كفنانين جزائريين هو تدعيم هذه المبادرات سواء كانت و طنية أو محلية، لأنها تساهم في مضاعفة حالات الإحساس بالأمن ، و تعطي صورة أفضل و جميلة في الخارج عن بلادنا التي تضررت كثيرا في السنوات السابقة ، قبل أن تظهر اليوم بهذا الشكل ، الذي دون شك سيعطي للعالم صورة أفضل عنا ، والمطلوب اليوم هو تحقيق شروط استمرار هذه الفضاءات الفنية ، و المطالبة بمهرجان في كل ولاية ، لان هذا سيساهم أيضا في ترقية الأغنية المحلية ، و التي ستحافظ دون شك على مكانتها الاجتماعية حسب رأيك ماهي الآليات الضرورية التي يجب توفرها في مهرجان كبير حتى نرتقي به لمستوى المهرجانات العالمية ؟ - نأخذ مثلا مهرجان تيمقاد الذي قفز هذه السنة قفزة كبيرة بتوفير احد أهم الشروط الضرورية للفرجة و السهر ، و اعني بذلك المكان الذي يتسع لأعداد كبيرة من الجمهور و هو ما اره الباب الكبير الذي سيمر من خلاله مهرجان تيمقاد للعالمية و هو نفس الشيء الذي يمكن قوله عن مهرجان جميلة ، الذي اعتقد انه حقق هذه السنة أشياء كثيرة خاصة على مستوى التنظيم ،و ذلك من الأشياء الايجابية . أما أن نحقق كل الشروط فهو مرتبط أساسا بالتجهيزات المختلفة التي يجب أن توفر، لأن مهرجانا كبيرا بدون وسائل كبيرة لا يمكن أن يحقق النجاح المطلوب، و أعني بهذا الفنادق الكبيرة و وسائل الصوت المتطورة جدا. كلمتك لمحبيك عبر جريدة النصر -أنا احترم جميع الأذواق و الميول الفنية ، و لهذا تجدني اشعر بسعادة كبيرة لما أزور مدينة جميلة في مهرجانها ، حيث ألتقي بالكثير من الشباب من الشرق الذي يحترمون مساري الفني ، و هو انتصار كبير لي ، و من خلالكم أعدهم بأنني سأقدم لهم الأفضل في الطبعة القادمة .