محمد روان، فنان جزائري مختص في الموسيقى الروحية، انتقل إلى هذا العالم الساحر بعد حلم راوده في ليلة من ليالي سنة 2002 ومنذ تلك اللحظة عمد الفنان على تقديم موسيقى تأخذنا إلى عوالم خفية وعميقة وتعمل في الوقت نفسه على تصفية روحنا من الكثير من الشذرات التي تتعلق بها في حياتنا الدنيوية.''المساء''التقت بروان على هامش إحيائه حفلا فنيا في شهر رمضان المنصرم، وهذا بعد ثلاث سنوات من غيابه على الساحة الفنية العاصمية، وأجرت معه هذا الحوار. يعود روان إلى جمهوره العاصمي بعد غياب دام ثلاث سنوات، ماذا جلبت له في حقيبتك الروحية؟ صحيح أنني لم أقدم أي عرض في العاصمة منذ ثلاث سنوات، واليوم أعود إلى جمهوري العاصمي بالجديد الذي يدخل دائما في إطار الموسيقى الروحية، كما سأستعين هذه المرة بعازف للبيانو وآخر للباس، علّني أستطيع ترحيل الجمهور إلى عوالم روحية. كيف يختار روان عناوين مقطوعاته الموسيقية، هل عن طريق الإلهام أم بعد تفكير طويل؟ أنا أعزف المقطوعات الموسيقية من دون استعداد مسّبق، فأنا أعزف بما أشعر وأحس وعادة يأتيني الإلهام في الأوقات الصعبة التي أمر بها ككل الإنسان ونفس الشيء بالنسبة لعناوين مقطوعاتي فهي التي تختار نفسها وهذا يعود أيضا إلى الحالة النفسية التي أكون عليها آنذاك مثل مقطوعة ''الوحدة''. أغلب المقطوعات التي تعزفها من تأليفك وماذا عن التراث؟ أنا أنهل من التراث ما يعجبني مثل القطعة الموسيقية ''سبحان الله يا لطيف'' أو ''راح الغالي راح'' وأحاول أن أعطي لها صبغة عالمية حتى لا تقتصر على مسامع الجزائريين فقط. وماذا عن المؤثرات التي تستعملها في مقطوعاتك الموسيقية؟ استعمل في موسيقاي الكثير من المؤثرات ولكنها طبيعية ولو كانت لدي الإمكانيات لاستعملت مؤثرات أخرى مثل صوت الحجارة عندما تحتك فيما بينها أو صوت الأمواج أو حتى صوت الرياح في الصحراء. متى شعر الفنان روان بضرورة التوجه إلى الفن الروحي بعد أن كان يعزف طبوعا أخرى في فرقة ''تريانا دالجي''؟ حدث ذلك في حلم، فقد حلمت في ليلة من ليالي سنة 2002 أنني أعزف على آلة الموندول وفي نفس الوقت كان المؤذن يؤذن لصلاة الفجر، وكنا على نفس الطبقة النغمية، وعندما استيقظت أدركت أنني أعيش حلمي حقيقة فقد كان المؤذن يؤذن حقا، ومنذ تلك اللحظة بقيت القطعة الموسيقية راسخة في أعماقي ومن ثم سجلتها لأسمعها عام بعد هذه الحادثة تذاع في آذان إذاعة البهجة، حقا ما حدث لي كان إشارة قوية لكي أؤدي هذا النوع من الفن. بما أن الفن الذي تؤديه، روحي، هل يجب أن يكون عازفه إنسانا متدينا؟ أنا إنسان مسلم وأشكر الله على هذه المنة والفنان خاصة الروحي منه يجب أن يوّطد علاقته بخالقه ومن ثم يجتهد في عمله وهذا الشيء ينطبق على كل مجالات الحياة وليس في مجال الموسيقى فقط، كما أن الموسيقى التي أؤديها، روحية وتتطلب الكثير من الجانب الروحي والديني. بالمقابل أريد أن أضيف أن الموسيقي الذي يعزف بصدق، يحقق غايته الأولى المتمثلة في تمرير رسائله إلى الجمهور، أبعد من ذلك فعن طريق سماعك لعزف موسيقي ما يمكن أن تعرف طبيعة شخصيته وسريرته، هل هو طيّب أم شرير مثلا؟ وحتى ولو استعمل عازف ما أجمل وأدق التقنيات وكان في نفس الوقت غير صادق مع جمهوره، فلن ينجح والعكس صحيح. يقدم روان فنا روحيا، كيف يمكن لك أن تأخذ من روحك وتمزجها بالحان هادئة أو قوية، ألا تصل في بعض الأحيان إلى الشعور بأن روحك قد فرغت من شدة استعمالها في فنك؟ هناك مثل يقول: ''الله يجعلني غابة والناس فيا حطابة''، فعندما أشعر أن أطيافا من المجتمع الجزائري تجد راحتها في موسيقاي، ألا يتطلب ذلك كل التضحيات والعناء مني؟ بلى والله ويجب أيضا أن أقدم كل ما عندي لان ما عندي لا أملكه بل وهبه الله لي لكي أضعه في خدمة الناس، فعندما تسمع أن هناك من يراجع دروسه أو يتداوى وهو يستمع إلى موسيقاك، تقدم فنك بكل تركيز وعمق بعيدا عن كل سطحية . متى نصل إلى مستوى التداوي بالموسيقى الروحية؟ نصل إلى مستوى التداوي بالموسيقى الروحية حينما تكون هذه الأخيرة معزوفة بإحساس وصدق وهدوء أيضا، لقد أخبرني شخص انه مكث في الإنعاش مدة ثلاثة أشهر وفي تلك الفترة كانت عائلته تضع له القرآن ومعزوفاتي أيضا، لقد تأثرت كثيرا بهذا الأمر واعتبره في آن واحد مسؤولية كبيرة تقع على عاتقي، فالإنسان غير كامل بل يسعى إلى تحسين نفسه عن طريق جهاد النفس ومن ثم يقوم بجهد تجاه الناس من خلال أداء فنه بصدق. كيف يرى روان واقع الفن الروحي بالجزائر؟ حقيقة، الفن الروحي موجود في الجزائر منذ زمن بعيد جدا بل هو مغروس في الكثير من فئات المجتمع الجزائري وبالأخص في الزوايا ويتمثل في الذكر ومدح الرسول الكريم واليوم بدأ العامة يكتشفون هذا الفن وأتمنى أن تكون تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الاسلامية 2011 مناسبة للتعريف أكثر به وفي العالم هناك الكثير من مهرجانات الأغنية الدينية أو المقدسة مثل مهرجان فاس وغيرها. ألا ترى أن هناك تناقضا صارخا بين من يطالب بالتداوي بالموسيقى ومن يحرّمها؟ أنا أقول أن الحلال بيّن والحرام كذلك وان ما يقوله هؤلاء ينبىء عن جهلهم ، هل تعلمين انه في ألمانيا استعملوا الموسيقى في إسطبلات الأبقار حتى تتم زيادة إنتاج الحليب. صراحة أطلب من الله أن يجعلنا في الطريق المستقيم وان يكون فننا مصدر راحة للناس. مذا عن مشاريع روان المستقبلية؟ المشاريع كثيرة والعراقيل أيضا مع الأسف، إذ أن هناك أناس في مراكز حساسة في قطاع الثقافة ولكنهم لا يؤدون واجبهم، حتى إنني أشفق عليهم، إلا انه وفي نفس السياق يسيؤون إلى الثقافة. تجولت في الكثير من دول العالم وقمت بمقارنة بين ما يحدث هناك وما يحدث في الجزائر وتأسفت لما أصبحت عليه الثقافة في بلدنا من ''شطيح ورديح''، وماذا عن تلك الأغاني التي تتحدث عن''الحرقة''، أين هي توعية الشباب وأين هو ضمير الفنان؟ كيف تجاوب الجمهور مع روان في خرجاته الفنية خارج البلد؟ في كل مرة يكتشف الجمهور هذا الفن وأذكر ما قالته لي أستاذة موسيقى ألمانية على هامش حفل أقمته بالمعهد العالي الموسيقي ''فريديريك شوبان'' بفرسوفيا، حيث أخبرتني عن تأثرها بالموسيقى التي اعزفها والتي تضم -حسبها- على الكثير من التعابير والمعاني. حسنا كيف يمكن أن يعرّف روان بصمته الفنية في الفن الروحي ؟ لا أعرف كيف أجيب عن هذا السؤال، أعتقد أنني جددت طريقة العزف على آلة الموندول، إذ أن هذه الآلة كان يختص بها فن الأغنية الشعبية لا غير، مع العلم أن الموندول آلة قوية غير رقيقة مثل آلة الكمان، والحمد لله انتشر استعمالها اليوم حتى من طرف النسوة، كما لم يعد استعمالها مقتصرا على العاصميين فقط بل تخطى العديد من الولايات واليوم هناك الكثير من الشباب يعزفون على طريقتي رغم أنني لم التق بهم من قبل وهذا ما يسعدني كثيرا.