يناقش رؤساء الدول العربية اليوم في قمتهم الاستثنائية بمدينة سيرت الليبية آليات إصلاح منظومة العمل العربي المشترك تعيد للعرب كلمتهم أمام التكتلات الأخرى بمواقف تؤخذ في الحسبان.وعلى أمل تحقيق ذلك يناقش الرؤساء العرب اليوم طرحين متناقضين يهدف الأول إلى إحداث تغيير جذري وشامل وسريع لإقامة اتحاد عربي يعتمد على نص ميثاق جديد تنفذ عناصره في إطار زمني محدد. بينما يهدف المدافعون على الطرح الثاني على فكرة المرحلية من خلال تبني منهج ما أسموه بالتطوير التدريجي والإبقاء على الجامعة العربية كهيكل قائم في المرحلة الحالية وتأجيل فكرة إقامة الاتحاد إلى ما بعد تنفيذ خطوات التطوير المطلوبة وتقييمها. وكانت المقاربتان طرحتا خلال قمة طرابلس شهر جوان الماضي التي شارك فيها كل من الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي وأمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني والرئيس اليمني علي عبد الله صالح والرئيس المصري حسني مبارك والرئيس العراقي جلال طالباني إلى جانب الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى. وتبنت اللجنة الرئاسية العليا للقمة مجموعة من التوصيات من بينها عقد القمة العربية مرتين في العام قمة عادية وقمة تشاوريه تعقد في دولة المقر إلى جانب عقد قمم تخصص لدراسة وبحث مجالات محددة على غرار القمة الاقتصادية والاجتماعية والتنموية والقمة الثقافية وكذا إنشاء مجلس تنفيذي على مستوى رؤساء الحكومات يتولى مهمة الإشراف على تنفيذ قرارات القمم العربية والمتعلقة بالمجالات التنموية الاقتصادية والاجتماعية. وفرضت فكرة إعادة إصلاح الجامعة العربية بعد أن فقدت هذه الأخيرة ماهيتها كتكتل بإمكانه فرض كلمته في المحافل الدولية أو الدفاع عن مصالح شعوبه أو حتى تسوية مشاكل أعضائه الثنائية والمتعددة الأطراف بالإضافة إلى فشلها المتوالي في معالجة القضية الفلسطينية التي وضعت مصداقيتها على المحك بعد أن استأثرت الولاياتالمتحدة لنفسها بإدارة النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وبقي العرب في موقع المتفرج غير القادر على التأثير على صيرورة أحداث تعنيهم قبل غيرهم. كما أن التحولات التي عرفها العالم منذ الانتهاء النظري لما يسمى بالحرب الباردة وبروز معطيات جديدة في رسم خارطة العالم ومصالح قواه حتمت مثل هذا الإصلاح الذي تبقى بعض القوى العربية المنتفعة منه تقاوم أي تغيير قد يهز مصالحها وهو ما جعل النقاش ينصب على المقاربتين المطروحتين في قمة طرابلس المذكورة. وهو انقسام في الرؤى سينعكس سلبا على رغبة عربية لإيجاد تكتل أكثر فعالية ويحظى بمصداقية لدى أكثر من 350 مليون عربي المنتشرين فيما يعرف بقلب العالم بسبب موقعه الاستراتيجي وأيضا لكونه أحد أغنى المناطق من حيث ثرواتها المتعددة. وهي كلها أوراق يتعين على صانع القرار العربي أن يستغلها لصالحه لا أن تنقلب إلى ضده كما هو الحال في الوقت الراهن في وضعية تكرست منذ الحرب العالمية الثانية وفي وقت بدأت قوى إقليمية أخرى تلعب دورا محوريا في تحديد مصير المنطقة العربية على حسابهم. وكان لتنامي الدور التركي والإيراني والحركية التي توختها هاتان الدولتان في السنوات الأخيرة الأثر الأكبر في طرح سؤال محوري إلى أين يتجه العرب وهل فقدوا كل أوراقهم بما فيها تلك التي تخص مستقبلهم ؟ سؤال لن يجيب عنه سوى الرؤوساء العرب.