يملك الباحث الجيلالي مكتبة خاصة تحوي نفائس المخطوطات التي يتجاوز عمر بعضها الأربعة قرون وأغلبها خاصة بتاريخ الجزائر، ولقد حقق منها الكثير صدرت في كتب طبعتها له وزارة الثقافة، في حين أن نفس هذه المخطوطات كانت مصادر نهل منها مؤرخون جزائريون وعلى رأسهم أبو القاسم سعد الله والمرحوم يحيى بوعزيز. ماسر ارتباطك بهذه المخطوطات؟ إنها إرث عائلي سلمه إياي والدي رحمة الله عليه وأنا مرتبط بها بشكل يكاد يكون عضويا ورغم تجاوزي سن ال70 عاما لا أزال أبحث وأحقق فيها، واهتمامي العلمي الأكاديمي بها يمتد لأكثر من 30 سنة. أين تحتفظ بهذه المخطوطات ومن هم الذين يستفيدون منها؟ احتفظ بها في مكتبتي الخاصة بقلب مدينة معسكر، وأعمل مع الجمعيات وبعض المؤرخين الذين يقصدون هذه المكتبة لندرة المخطوطات التي تحتويها. حدثنا عن بعض المخطوطات التي تملكها خاصة تلك المتعلقة بتاريخ الجزائر؟ بداية أشير الى أن أقدم مخطوط عندي يتجاوز عمره الأربعة قرون وهو في علم الشريعة للشيخ مصطفى الرماسي الذي يقولون عنه أنه من مفاخر بلاد الإسلام. هناك أيضا الشيخ عبد القادر المشرفي الذي تخرج منذ 3 قرون من جامع الأزهر والذي كتب عن التاريخ ومن بين ما كتب مخطوط »بهجة الناظر« يذكر فيه ترجمة لسيدي عبد الرحمن الثعالبي يليه الشيخ محمد بن حوى بن يخلف الذي ألف منذ اكثر من قرنين ونصف كتبا في تاريخ الفكر الإسلامي وكانت له محاولات مع الطرقيين كالطريقة التيجانية والقادرية. هناك أيضا الشيخ أبو رأس الناصري الذي وصف في عصره بالبحر الذي لا يضاهيه أحد من العلماء المسلمين (منذ قرنين) وقد كتب مؤلفات عديدة معظمها في التاريخ ويفوق عددها 136 مخطوطا. هناك شخصية علمية اخرى تتضمنها المخطوطات وهو العالم مصطفى بن عبد الله الدحاوي الذي كان كاتبا عند الباي محمد بن عثمان الكبير منذ قرنين و40 سنة خلت، وهو الذي كتب كثيرا عن تاريخ الجزائر ومن بين ما كتبه أقتطف هذه العبارات التي أحفظها يقول »إن تاريخ معسكر سواء منه السياسي والثقافي له مكانة في التاريخ العام وهو جزء لا يتجزأ من تاريخ الفكر الإسلامي« ويقول الدكتور أبو القاسم سعد الله عندما تفحص هذه المخطوطات »امتاز علماء معسكر بتسجيل تاريخ بلادهم فخصوه بتآليف قيمة إلا أنه مع الأسف ضاع معظمها ولم يحظ بالنشر«. ويقول الشيخ المهدي البوعبدلي (مؤرخ معاصر) »من المعروف أن منطقة معسكر كانت تزخر بتراثها الفكري والثقافي فما شاهدته وما لمسته من هذا التراث يعتبر غيضا من فيض« وقد قال هذا الكلام في مكتبتي النفيسة. ويقول الراحل الفاضل يحيى بوعزيز عند زيارة مكتبتي »ونحن نعلم ان الأمم والشعوب لا ترقى في سلم الحضارة إلا باحترام أمجادها وعظمائها فكلما برز واحد من هؤلاء الرجال العظام إلا وأعاد للتاريخ ما يمكن إعادته«. أشير الى اني لا أفرط في المخطوطات وكل من يتعامل معي من باحثين أحرص شخصيا على تصوير الوثائق التي يطلبونها كي لا أسلمها فتضيع. معنى ذلك أن كل الوثائق والمخطوطات التي ورثتها العائلة منذ قرون لا تزال كما هي؟ هذا الميراث جاء من أجدادي الذين كان أغلبهم علماء وأئمة بعضهم استوطن بمدينة البليدة لكن أصل العائلة يبقى من مدينة معسكر وكان لي الشرف من بين 5 أخوة أن أنال شرف المحافظة عن هذا التراث، والحقيقة أن الكثير من هذه المخطوطات أصابه التلف أثناء فترة الحرب التحريرية فبينما كنت طالبا بالمغرب قام والدي بحمل هذه المخطوطات الى سرداب البيت لحمايتها من المستعمر وبقيت هناك سنوات، الأمر الذي أتلف بعضها والذي اصابته عدوى الرطوبة والحشرات، لكني حاولت ترميمها اللهم إلا ماضاع ولا يصلح للترميم. لك تجربة رائدة في التحقيق في هذه المخطوطات حدثنا عنها؟ أنا متقاعد منذ سنوات ولذلك تفرغت للتحقيق في هذه المخطوطات ومن بين ما حققته كتب طبعت لي بدعم من وزارة الثقافة من خلال مديرية الثقافة التي كان يرأسها جمال فوغالي الذي قدم لي التسهيلات التي أشكره عليها، قلت أن من بين الكتب المطبوعة لي »معسكر، رجال وتاريخ«، »من نشطاء الشعر الملحون«، »الشيخ بن يخلف بو طالب«، »الشاعر عبد القادر بن حوى«، »الشاعر مغدير بن علي« و»النفيس في ذاكرة أعلام أغريس« وهناك أخرى هي تحت الطبع. ماذا عن مسارك الأكاديمي والمهني؟ أنا متحصل على ليسانس في التاريخ من جامعة القرويين بالمغرب سنة 1960 حيث كنت أدرس مع صديقي أبو القاسم سعد الله الذي أعتبره موسوعة اشتهر في بلاد المشرق أكثر مما اشتهر عندنا، واشكره بالمناسبة لأنه يهديني كل مؤلف يصدره مهما غلا ثمنه. عملت في ميدان التدريس لمدة 4 سنوات ثم عملت مسيرا في مصلحة إدارية بالأرشيف بمدينة وهران، وفي سنة 1987 عينت رئيسا لمصلحة الثقافة بمعسكر وتزامن ذلك مع تنظيم الملتقى الدولي الإسلامي بمعسكر مما سمح لي باستضافة علماء ومفكري العالم الإسلامي الذين ربطتني معهم علاقة صداقة امتدت الى اليوم منهم الشيخ القرضاوي الذي لايزال يبعث لي بكتبه الجديدة الى معسكر، والشيخ البوطي الذي زرته بدمشق سنة 2004 واستقبلني بحفاوة، كما أن لي صداقات قوية في المغرب وسوريا أعتز بها. هل لك علم بالمخطوطات التي رحلت إلى الخارج ومدى إمكانية استرجاعها؟ هناك الكثير ولعل معظمها موجود الآن بتركيا، أقول مثلا أن أبو حامد المشرفي الذي عاصر نهاية فترة حكم الأمير عبد القادر قد هاجر الى المغرب، هذا العلامة الذي كتب في المغرب أكثر من 75 مصدرا في التاريخ ومن فرط علمه قربه ملك المغرب إليه ليكون مستشاره الخاص وهي كتب لم نسمع عنها في الجزائر رغم أهميتها. الأتراك الذين رحلوا تراثنا حملوا معهم 5 جمال عليها صناديق ضخمة تضم آلاف الكتب منها جمل وقع بوادي الشلف ويقال أنه من المستحيل حمل هذه الصناديق بسهولة وكلها موجودة في تركيا ومعظم عناوينها معروفة عندنا ونطالب بها.